افراسيانت - د.اسماعيل خلف الله - لا شكّ أنّ الدّفاع عن حقوق الإنسان هو مُهمة نبيلة، وهذه المهمة ليست حكْرا على أشخاص دون غيرهم فجميع الأشخاص لهم الحق في العمل في هذا المجال رافعين شعارات حماية وتعزيز حقوق الإنسان وحرياته على جميع الأصعدة محليا ووطنيا وإقليميا ودوليا.
غير أنّ هذا العمل لما له من الخطورة والحساسية لابدّ من ضوابط علمية ومهنية وأخلاقية يخضع لها الناّشط الحقوقي وتكون من الضرورة بمكان أن يلتزم بها ويتقيّد بمقتضياتها، فالعمل الحقوقي ليس مفتوحا لمن هبّ ودب ومهنة لمن لا مهنة لهُ، بل هو رسالة لابدّ لحاملها أن تكون له القدرة على ممارستها وله من الأخلاق والعلم والثقافة القانونية الكافية لمعالجة ومواجهة أي قضية تتعلق بموضوع إنتهاكات حقوق الانسان، وهذا بعيدا عن التجاذبات السياسية أو الإيديولوجية أو العرقية أو المذهبية أو الإقليمية لكي يكتسب المصداقية القانونية وثقة الجمهور والمؤسسات والهيئات محليا ووطنا وإقليميا ودوليا.
وقبل التّطرّق إلى عرض أهم المواصفات التي من الضروري أن يتّصف بها العامل في حقل النشاط الحقوقي، أن نعطي تعريفا ولو بسيطا للناشط الحقوقي حتى لا يبق هذا المصطلح فضفاضا.
فما هو النّاشط الحقوقي؟
كلمة ناشط جمعها نُشّط ومن الفعل نشط، ونقول ناشط في عمله أي ذو نشاط وحركة.فالنّاشط الحقوقي هو كل شخص يعمل في مجال حقوق الإنسان مدافعا عن جميع البشر مهما كانت إنتماءاتهم العرقية أو الدينية أو الإقليمية أو الجنسية أو المذهبية أو السياسية، أو غير ذلك، وله من القدرة والكفاءة المهنية والقانونية التي تجعله يستطيع أن يعالج القضايا التي تدور حول إنتهاكات حقوق الإنسان من رصْد وتوثيق وإجراء مقابلات وتكييف للوقائع، ومعرفة الجهات الرسمية والقضائية المحلية منها والدولية المعنية التي يمكن تقديم التّظلّمات والإحتجاجات والدعاوى أمامها.
بعدما قمنا بإعطاء تعريف لمفهوم الناشط الحقوقي نأتي الآن لنعرف ماهي أهم المواصفات التي تجعل من هذا الناشط الحقوقي ناجحا وفارسا ميدانيا في هذا المجال، وليكون كذلك تقتضي الضرورة أن يلتزم بالشروط التالية:
• أن يكون مُلمّا بالثقافة القانونية الكافية واللاّزمة ليتمكّن من معرفة الكيفية القانونية لمعالجة صور انتهاكات حقوق الإنسان المختلفة المعروضة عليه أو التي يراها بنفسه.
• أن يلتزم الحياد والموضوعية والتّجرد ويدع قناعاته السياسية والإيديولوجية والدّينية جانبا، ويبتعد كل البعد على التأثير بشكل أو بآخر على الضحية أو الشاهد، سواء عند طرحه للأسئلة أو أثناء عملية التوثيق.
• أن تكون له من الجرأة والكفاءة في التّصدي لأي طارئ يتعرّض له أثناء تأدية مهامه، سواء أمام الضحايا والشهود أو أمام الهيئات القانونية والقضائية.
• أن يكون مُلمّا بحيثيات الموضوع المراد رصدُه وتوثيقه.
• أن يمتلك القناعة بقيمة العمل التطوعي.
• أن يلتزم بالسّرّية التامة وأن لا يفشي أي سر من الأسرار سواء ما تعلّق بالمعلومات الشخصية الخاصّة بالضحايا والشهود أو بما يُدلونه أو ما تعلق بمعلومات المؤسسات والهيئات المتعامل معها.
• أن يحرص على التّكوين المستمر كالتّسجيل في الدّورات التدريبية التي تقوم بها المنظمات والمؤسسات المتخصّصة، ومتابعة ما استجدّ من القوانين والتشريعات الدولية فيما تعلق بالقانون الدولي لحقوق الإنسان أو القانون الدولي الإنساني.
• أن يكون له إطّلاع دائم ومستمر على الإتفاقيات والمعاهدات الدولية في شتّى المجالات وخاصة بالجانب الحقوقي منها.
• عليه أن يتّخذ تدابير الأمن والسلامة سواء له كناشط أو للضحايا أو الشهود عند سماعهم وعدم المخاطرة بهم وبالفريق العامل معه، وأن يحرص على المحافظة على سلامته وسلامة الضحايا والشهود وأن يعتبرها أولى وأكثر أهمية من عملية السّماع أو التوثيق.
• أن يقوم بتوفير الجو المريح والملائم للضحية أو الشاهد عند الإدلاء بشهادتهما.
• أن يكون مُلتزما بالمصداقية والصدق في كل التعاملات مع جميع الأطراف سواء كانوا هيئات أو أفراد.
• لا يُقدم وعودا للضحايا أو لأي شخص آخر.
• أن يكون مُتحلّيا بروح الأمل والتّفاؤل والثقة بالنفس.
• أن يقوم بتشجيع الضحية أو الشاهد على اكتساب الثقة وزرع الأمل.
• أن يتحلّى بالحكمة والرّزانة والصبر في التّعامل مع مختلف العقليات ضحايا كانوا أو شهودا، منفتحا ومتقبلا للجميع مهما كانت مستواياتهم العلمية.
• أن يتعامل بلباقة مع الجميع وخاصة الهيئات الحقوقية والضحايا والشهود، وأن لا يُقلّل من شأن هذا أو ذاك.
• أن يحترم خصوصية الغير ويبتعد عن معرفة الأشياء التي تُفيد التحقيق أو عملية التوثيق، أو بالأحرى أن يعرف الحدود التي يتوقف عندها خاصة في المواضيع الحسّاسة الخادشة للحياء كالإغتصاب والتحرُّش الجنسي مثلا، وأن يُراعي الحالة النفسية للضحية.
• على الناشط الحقوقي عند سماع الضحايا أو الشهود أن يبتعد كل البعد عن بناء علاقات صداقة معهم، وأن يلتزم الحدود المهنية بينه وبينهم، وأن لا يُقدم لهم النصائح والإستشارات، لأنه إذا فعل ذلك يكون قد خدش مبدأ الحيادية والموضوعية والتّجرد وأثّر سلبا على مصداقيته أمام الأطراف الأخرى، مما ينعكس بالسّلب أيضا على المنظمة أو الهيئة التّابع لها.
• على الناشط أن يكون كيّسا فطنا، سريع الدّقة والملاحظة منتبها لكل حركة أو كلمة تصدر من الضحية أو الشاهد ويحاول أن يقرأ صدقه من كذبه، وكما يُقال أن يكون مثل القط يشتّمُ رائحة الفأر من دون أن يراه.
• أن يبتعد عن كل شبهة يُمكن أن تُعرّض حياته أو حياة الشاهد أو الضحية للخطر، وأن لا يُبالغ في حمل الأشياء الثمينة والمبالغ المالية الكبيرة فكل هذه الأشياء يكون فيها مجلبة للخطر.
• اذا كان ضمن فريق وهناك مسؤول عن هذا الفريق فلابد أن يُخبر مسؤوله عن مكان تواجده.
• يجب عليه أن يُعرّف بنفسه وبالجهة التابع لها قبل أي إجراء يريد القيام به، وأن تكون البطاقة التعريفية الخاصة به ظاهرة على الصدر أو الجيب أو الحقيبة التي يحملها.
• على الناشط الحقوقي أن يحرص أن لا تكون أسئلته التي يُوجهها للضحية أو الشاهد على هيئة استجواب او تحقيق أو استفهام.
• يجب عليه أن يكون حذرا في توجيه أسئلته إلى الضحية أو الشاهد خلال المقابلة، وعليه اختيار لغة بسيطة وواضحة ومفهومة وأن يمنحهم الوقت الكافي للإجابة عليها.
• أن تكون له القدرة على تحليل كل المعلومات التي جمعها وأن يقوم بربطها وغربلتها من خلال إجرائه للمقارنة بين كل التّصريحات والأقوال التي أدلى بها الشهود والضحايا وبين الأدّلة التي يمتلكها هو نفسه من الصور والفيديوهات مثلا.
هذه في نظرنا أهم مُواصفات النّاشط الحقوقي النّاجح وأهم القواعد التي يتوجّبُ عليه مراعاتها، مع الإشارة إلى أنّ هناك أمورا أخرى قد تحدث على أرض الواقع وتكون غير متوقعة تماما، فالميدان دائما يخبئ أشياء غير معروفة في الجانب النظري وإذا بالنّاشط الحقوقي يفاجئ بها على أرض الواقع، ولكن هذه الأمور يمكن التّحكم فيها من خلال التجربة الميدانية والتي في الأخير تكون هي المحك الحقيقي لاكتساب المهنية والمهارة.