افراسيانت - جميل السلحوت - صدرت رواية "ذئب الله" لجهاد أبو حشيش عن دار فضاءات للنّشر والتّوزيع في عمّان، وتقع في 167 صفحة من الحجم المتوسّط.
تتحدّث الرّواية التي لا ينقصها عنصر التشويق، رغم بتر نهايات حكاياتها، عن شخص اسمه عوّاد الباز ولد في مجتمع عشائريّ، يخضع لأعراف القبيلة، ومن أمّ هي حسب العرف العشائريّ "غرّة ديّة"، وذلك لأنّ عمّه عوّاد الكبير قُتل من قبل أبناء قبيلتها، ومن الأعراف العشائريّة عند الصّلح العشائريّ لقضايا القتل أن يقدّموا لأهل القاتل إحدى بناتهم الحسناوات لتكون "غرّة ديّة" لا حقوق لها، وهذا ما حصل مع الذّلول التي أصبحت زوجة لصخر شقيق عوّاد القتيل، لتلقى هناك الذّل والهوان على يدي والدة القتيل، ولتنجب منه ابنها عوّاد الباز بطل الرّواية.
وحكاية قتل عوّاد الكبير وما جرى للذّلول، تدخلنا في متاهات الأعراف القبليّة التي تكون فيها الغلبة للقبيلة الأكثر قوّة. فالظّروف التي ولد فيها بطل الرّواية عوّاد الباز لم تكن ظروفا طبيعيّة، بدءا من علاقة والده صخر وأمّه الذّلول، وطريقة زواجهما، مرورا بمعاملة الجّدة "الحماة" للذّلول وحرمانها حتّى من احتضان ابنها "بطل الرّواية"، والتي قضت نحبها برصاصة خاطئة من سلاح ابنها الذي جلبه من أحد قواعد الفدائيّين، ومع ذلك فإنّ أهله وعشيرته اعتبروا حادثة قتلها وكأنّها أمر عاديّ، فالقتيلة لا قيمة لها ولا لحياتها.
من هنا نرى أنّ نشأة عواد الباز بطل الرّواية لم تكن نشأة طبيعيّة، وهذا يمهّد لفهم تصرّفاته اللاحقة والمتناقضة. فهو ضحيّة لتناقضات التّربية القبليّة، لذا وجدناه يتمرّد على معلّمه في المدرسة، والأعراف والسّطوة العشائريّة أجبرت المعلّم على الاعتذار له، وفي الاصلاحيّة تمرّد على زملائه وقهرهم. وفي السّجن تعامل مع اللصوص وغيرهم باحتقار، وتقرّب إلى تجّار السّلاح لأنّه رأى القوّة فيهم. وليكون واحدا منهم في مرحلة لاحقة.
وظهرت شخصيّة عوّاد المتناقضة في علاقاته النّسويّة المتعدّدة في مراحل عمريّة وعمليّة مختلفه، مثل استغلاله النساء جنسيّا أثناء عمله في مزرعة بالأغوار.
وفي الرّواية ظهر لنا كيف خضع في بيروت لتاليا اليهوديّة التي جرّته لنزواتها الجنسيّة، وعندما كانت تنتهي منه كانت تضربه وتطرده من سريرها وتحتقره.
وأثناء تجارته بتهريب السّلاح عن طريق رئيس العصابة الذي تعرّف عليه في السّجن نلاحظ كيف لجأ للتّديّن، وصار يتردّد على المسجد ويتظاهر بالتّقوى والورع، وانخدع به المصلّون، حتّى أنّ إمام المسجد كان يقدّمه ليؤمّ المصلين بدلا منه، وكان يبيع السّلاح لعصابات تتماهى هي الأخرى مع الدّين، وتدفع له مبالغ ماليّة كبيرة. وتنتهي الرّواية عندما فقد عادل بن عوّاد خصيتيه في عمليّة تفجير للقاعدة في عمّان.
وهنا يجدر التّوقّف، فلماذا اختار الكاتب هذه النّهاية لروايته؟ خصوصا وأنّنا في مجتمع يعطي الفحولة درجة عالية، فهل المقصود أنّ من يتعامل مع قوى الارهاب سيكون ضحيّة لها، وأنّها قد تصيبه في أغلى ما عنده؟ أي أن شرورها قد ترتدّ عليه دون أن يدري؟ أم أنّ المقصود هو "خصي" قوى التّمرد؟ فعوّاد الباز لن يكون له امتداد، فابنه الوحيد بات مخصيّا بالسّلاح الذي كان يتاجر به أبوه.
ويلاحظ أنّ تظاهر عوّاد الباز بالتّديّن كان من أجل خداع عامّة النّاس وتديّنهم الفطريّ، وهذه إشارة إلى قوى الارهاب التي تتستّر بالدّين من أجل خدمة جهات أجنبيّة، فتقتل وتدمّر وتجنّد بسطاء العامّة ليكونوا وقودا لضلالها ظنّا منهم أنّهم يعبدون الله، ويؤدّون فرائضه، وهذا ما شاهدناه في سوريا وغيرها من داعش وأخواتها.
ونلاحظ أيضا أنّ للبيئة الجاهلة الحاضنة دورا رئيسيّا في خلق أفراد قابلين للانجرار في جرائم كبيرة مثلما حصل مع عوّاد الباز، الذي التحق بداية بالفدائيّين، ثمّ ما لبث أن أصبح واحدا من عصابات تهريب السّلاح، فهل هذا كان أمرا يخدع به النّاس مثلما تظاهر بالتّديّن؟ وهنا علينا أن نلاحظ أنّ أكثر من ضُلّلوا وتجنّدوا في القاعدة وداعش وأخواتهما هم أبناء قبائل صحراويّة يسودها الجهل والتّخلف، ويعشّش فيها الفكر التّكفيريّ.
ومن اللافت في الرّواية خضوع عوّاد لتاليا اليهوديّة، وكأنّي بالرّواية هنا تقول أن مصدر عصابات تهريب السّلاح، هو اسرائيل التي تعرف مسبقا لمن يباع ومن يستعمله وضدّ من؟