افراسيانت - عبدالله دعيس - عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة صدرت أواخر العام 2016 رواية "مشاعر خارجة عن القانون" للكاتبة رولا خالد غانم. تقع الرّواية التي تزيّن غلافها الأوّل لوحة للفنّان التشكيليّ الفلسطينيّ العالميّ جمال بدوان، تصميم ومونتاج شربل الياس في 130 صفحة من الحجم المتوسّط.
تختار الكاتبة رلى غانم شخصيات بسيطة، تعيش حياة إعتيادية في المجتمع الفلسطينيّ، لا تتسم بالبطولة ولا تحمل سيف التغيير، بل تسير في ركاب الحياة متناغمة مع ثقافة المجتمع، وتبني من هذه الشخصيات رواية تلامس قضايا المجتمع الهامة، وتعرض صورة حية لحياة الفلسطيني في ظلّ الاحتلال.
فأحلام، الشخصيّة الرئيسيّة في الرواية، فتاة عاديّة تعيش في مدينة طولكرم، ثم تنتقل في رحلة يومية للدراسة في الجامعة العربية الأمريكية في جنين، تعيش كأي طالبة في الجامعة، وتنجذب إلى شاب يعمل حارسا على بوابة الجامعة، بعلاقة بريئة نظيفة، ويكون رد فعل عائلتها عند معرفتها بهذه العلاقة عاديّا، يتماهى مع ردة فعل أي عائلة فلسطينية محافظة في مكانها. تنساب هذه الرواية بهذه الأحداث العادية الرتيبة، لكنها تحافظ على عنصر التشويق، وتتناول العديد من القضايا الاجتماعية، وتلفت النظر إليها، وتستطيع في الوقت ذاته، ومن خلال هذه الأحداث، أن تعطي صورة واضحة عن ممارسات الاحتلال حتّى في المدن الفلسطينية التي تخضع لحكم السلطة الفلسطينيّة.
ومن القضايا الاجتماعية التي تناولتها الرواية:
• دراسة الفتيات في الجامعات وانتقالهن إلى بيئة جديدة منفتحة بعيدا عن جوّ العائلة المحافظ.
• نظرة أبناء الشعب الفلسطيني من القرى والمدن للاجئ ابن المخيّم والتحفّظ في المعاملة معه وتزويجه.
• زواج البنت المتعلّمة من شاب لم ينه تعليمه الجامعيّ.
• المشاكل العائلية ومعاملة الأزواج لزوجاتهم، والعنف الأسري في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردّية.
• إجبار الفتيات على الزواج وعدم تقبّل العائلة لفكرة الطلاق.
استطاعت الكاتبة أن تسبر نفسية الفتاة التي تعيش في بيئة محافظة، وفي مجتمع صغير مغلق، عندما تنفتح على العالم من حولها، وتنتقل للدراسة في مدينة أخرى، والمشكلات النفسية التي تواجهها وقدرتها على التغلب على الواقع الجديد والتعايش معه، بل الاستمرار والابداع، وذلك من خلال شخصية أحلام أثناء دراستها الجامعية. ومن خلال علاقة أحلام مع بهاء ابن مخيم جنين، الذي حالت ظروفه الاجتماعية وما وقع عليه من ظلم الاحتلال دون إنهاء دراسته، تثير الانتباه إلى قضيتين أساسيتين: أولاهما موضوع زواج البنت الجامعيّة المتعلمة من شاب لم ينل قسطا من التعليم. هذه القضية ذات أهمية قصوى نظرا إلى أن نسبة التعليم الجامعي للفتيات في فلسطين أصبحت أعلى بكثير من تعليم الشباب، وأصبح من الضرورة ارتباط عدد كبير من الفتيات المتعلمات بشباب فاتهم قطار التعليم، وأصبحت بعض العائلات في حيرة من أمرها، فرفض غير المتعلم قد يؤدي إلى حرمان الفتاة من الزواج. هذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة جديرة بالدراسة والكتابة عنها، خاصة من الكاتبات اللواتي باستطاعتهنّ أن يصفن نفسية الفتاة، ويسبرن أعماقها بشكل أكبر. أمّا القضية الأخرى فهي التمييز ضد أبناء المخيمات رغم أنهم شرّدوا من ديارهم وقدموا التضحات الكبرى من أجل الوطن، إلا أن بقية أبناء الوطن ينظرون إليهم بدونيّة، ولا يتجرّأ الكثيرون على إثارة هذا الموضوع، مع أهميته.
وفتحت الكاتبة صفحة لوصف العنف الأسري ضد المرأة بضربها أو حرمانها من حقوقها، من خلال شخصية أمّ مؤيّد وكذلك أمّ رفيق، والدة أحلام، وفلسطين صديقة أحلام. استطاعت أمّ مؤيّد أن تخرج من هذه البوتقة، وتتحرّر من ظلم الزوج، وتبني حياة مستقلة رغم ممانعة المجتمع لذلك، لكن أمّ رفيق بقيت تحت سلطة زوجها وظلمه، فقد رأته وهو يحطّم أحلام ابنتها، ويحولها إلى مريضة نفسية، لكنها لم تجرؤ على مواجهته، واستمرّت قابعة في بيتها الذي حكم عليها أن يكون سجنا لها. وقد أشارت الكاتبة إلى بعض أسباب هذا العنف الذي ينبع من التربية الذكورية والموروث الشعبي الذي يعزز هذه الآفة؛ فقد كانت الجدّة بطلة شجاعة عندما واجهت الجيش الصهيوني الذي حضر لاعتقال ابن جارتها، لكنها لم تكن كذلك في علاقتها مع أمّ مؤيد أو زوجة ابنها؛ فقد كانت تعزز لديهن روح الرضوخ للأمر الواقع وعدم مقاومة الظلم الواقع عليهن. وكذلك أشارت الكاتبة إلى المشكلات الاقتصادية التي يسببها اعتماد كثير من الرجال على العمل داخل الأراضي المحتلة، وما يؤدي حرمانهم من العمل ومعاناتهم على حواجز الاحتلال من تأثير سلبي على نفسياتهم، قد تقود بعضهم إلى التنفيس عنها بالعنف ضد أسرته.
وخلال أحداث الرواية تحدثت الكاتبة عن عدد من ممارسات الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني، فالحواجز التي تحوّل المدن إلى جزر معزولة، وتجعل الانتقال بينها جحيما حقيقيّة، إلى الاستهانة بحياة الإنسان الفلسطينيّ وقتله بدم بارد لأتفه الأسباب، وكذلك الاعتقال للشباب الفلسطيني والاعتقال الإداري دون تهمة واضحة، واضراب المعتقلين عن الطعام ومعاناة الأهل عند زيارتهم. جاءت هذه الأحداث في سياق الرواية دون إقحام، لكنّ الكاتبة لم تسلّط الضوء عليها كثيرا، فلم تظهر المشاعر الجيّاشة تجاهها بشكل جليّ، فحادثة استشهاد شاب على حاجز عنّاب أمام أحلام مثلا تؤثر عليها، لكنها تكمل يومها في الجامعة وتعود متشوقة ليوم آخر!
تدور أحداث الرواية في مدينة طولكرم وفي مدينة جنين، تذكر الكاتبة الأماكن وتصفها، لكن وصف المكان لم يكن كافيا لقارئ لا يعرف هذه الأماكن، ولا يمكنه أن يقدّر المسافات بينها، فكان هذا الجانب مخلّا في بناء الرواية نوعا ما. ويفترض القارئ أن الرواية تدور في الوقت الحالي، ويستدلّ القارئ على ذلك من خلال عدد من الأحداث، خصوصا محاولة الطعن للجنود الصهاينة والأحداث الوطنيّة، لكنّ عنصر الزمن ليس واضحا بشكل جليّ لشخص غير مطلع على هذه الأحداث.
تبدأ الكاتبة فصول روايتها بأبيات شعرية تتناسب مع أحداث كل فصل، وهذا أسلوب جميل شحذ الروح في لغتها التقريرية البسيطة، التي استخدمتها غالبا في روايتها والتي كانت مناسبة لأحداث الرواية ونسقها العام. إلا أن نهاية الرواية لم تكن كبداياتها؛ فقد تسارعت وتيرة الأحداث حتى أصبحت غير مقنعة. فالأب، أبو رفيق، تحوّل فجأة إلى مجرم يخطف بهاء ويقيده، وبهاء بدوره يستسلم للأمر الواقع ولا يقاوم اختطافه ولا يسعى للانتقام. ثم يحدث تحوّل آخر على الأب الحريص على ابنته والذي لا يريدها أن تختلط بالطلاب الذكور، ويحرمها من الهاتف والإنترنت، فيرسلها فجأة لتعيش بعيدة عنه في دبي! ثم يصاب مروان، الذي أوقع بأحلام ووشى بها لأبيها، بالسرطان ويموت، وكأن القدر ينتقم منه لما قدمت يداه انتقاما شنيعا.
لم تكن المشاعر حقيقة خارجة عن القانون، بل كانت مشاعر إنسانيّة بريئة: الفتاة التي تتطلع إلى الحياة ولا تخرج أبدا عن حدود الأدب والحياء وقيم المجتمع، والشاب الذي يتطلع إلى الارتباط بها بما يتوافق وتقاليد المجتمع، والزوجة التي تتطلع للانعتاق من ظلم الزوج وجبروته، والفلسطينيّ الذي يتطلع للانعتاق من الاحتلال. مشاعر إنسانية نبيلة لا يمكن أن تكون خارجة على قانون ولا على عرف.