افراسيانت - معن بشّور - أربعون عاماً مضت على رحيل المناضل المميّز أحمد الصوفي، ابن طرابلس الأبية الشامخة، القيادي السابق في حزب البعث، والرمز المؤسس في تجمع اللجان والروابط الشعبية.
أمضى "أبو الصوف" أكثر من ثلثي عمره القصير، الذي لم يتجاوز يوم وفاته الأربعين عاماً، في ساحات النضال الشعبي في طرابلس ولبنان، مواجهاً "لاحتكار قاديشا" الكهربائي، مناضلاً دون هوادة إلى جانب المظلومين والمضطهدين من أبناء مدينته ومنطقته،تحت راية العروبة الجامعة وفلسطين البوصلة...
بعد هزيمة العرب عام 1967، كان أحمد الصوفي أحد قادة اللجان الشعبية لمقاطعة البضائع الأمريكية، وأحد مؤسسي لجان دعم المقاومة الفلسطينية، حتى انخرط مع رفاقه في العمل الفدائي الفلسطيني فحشد المتطوعين وأشرف على تدريبهم في مخيمات الشمال (البارد، والبداوي)، وعلى إيصال العشرات منهم إلى الأردن قبل 1970، وإلى العرقوب في سنوات ما قبل الحرب اللعينة في لبنان(1975)، فاستحق أن يكون قائداً في الثورة الفلسطينية من خلال دوره في جبهة التحرير العربية، وقائداً في الحركة الوطنية والشعبية اللبنانية من خلال دوره القيادي في حزب البعث، ثم من خلال دوره التأسيسي في تجمع اللجان والروابط الشعبية.
في 12 أيار 1970، وفي واحدة من أولى الغزوات الصهيونية لجنوب لبنان، جرت معركة في الهبارية (العرقوب) بين المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين والعرب وبين العدو الصهيوني، استشهد فيها ثلاثة من أبناء طرابلس من تلامذة أحمد الصوفي (أحمد هوشر، محمد ديب الترك، سمير حمود)، ومعهم رفيقهم العراقي ابن الموصل (صقر البعث) فكانوا من أوائل رموز البعد اللبناني والعربي للثورة الفلسطينية جنباً إلى جنب مع الأخضر العربي (أمين سعد)، وحسين علي قاسم صالح شبلي (ابن كفر شوبا)، وواصف شرارة قبل 1970، ومع علي وفلاح وعبد الله شرف الدين ومحمود قعيق وعبد الأمير حلاوي (أبو علي) وغيرهم بعدها...
كان أحمد الصوفي نموذجاً للمناضل الجامع بين القضية الاجتماعية والحياتية والقضية الوطنية والقومية، بين الوعي السياسي والالتزام الاخلاقي والانساني، بين الشجاعة المتألقة والتفاني الكامل في خدمة شعبه وأمّنه.
كنت تراه يقود في الشارع الطرابلسي حملة مقاطعة احتكار شركة الكهرباء، وفي الشارع البيروتي في حملة إدارة الافران يوم إضراب الخبز ، وفي الشارع الجنوبي في حملة الانتصار لمزارعي التبغ، فكان حاضراً في كل معركة على امتداد لبنان، وكان متفاعلاً مع كل قضية على مستوى الوطن العربي...
وأذكر أنه في كل مرّة، مع بداية الحرب في لبنان، تحدث تطورات في طرابلس أو الشمال، كان الرئيس الشهيد ياسر عرفات يسألني: ما رأي الأخ أحمد؟!، فقد كان القائد الفلسطيني يدرك أن أحمد الصوفي بالتصاقه بالناس يدرك نبض الشعب وأنه من النوع الذي لا تحركه سوى مصلحة شعبه وأمّته، ولا يسعى إلى جاه أو مال أو مكسب شخصي...
حين عاجله مرض عضال في صيف 1975، كان يرفض الإقامة في المستشفى، بل يصر أن يتوجه إلى حيث هناك معركة أو مواجهة دفاعاً عن مدينته ووطنه وقضاياه ولو استغرق الأمر يومها ساعات طويلة من السفر والعناء...
أجمل ما في هذا المناضل الصلب هو علاقته بالأطفال، الذين لم يكن يرى فيهم المستقبل فحسب، بل يرى في برائتهم ما يغسل نفسه من أدران الواقع الذي يعيشه اللبنانيون وحتى في لحظات الوداع الأخيرة... لم تفارق البسمة وجه "أبو الصوف" المضيء... بل كان يردد دائماً... "انتبهوا للشباب... انتبهوا للقضية..."
"أبو الصوف"... كم نفتقدك...رغم مرور السنين