افراسيانت - اعادت التطورات الامنية في تركيا، التي شهدت في الآونة الاخيرة عمليات عدّة، ابرزها الهجوم الانتحاري الذي استهدف مركز الشرطة في مدينة اسطنبول يوم الإثنين الماضي، والهجوم المسلح الذي استهدف احد مقار الرئاسة في اسطنبول قبل ذلك بأسبوع، تسليط الضوء مجدداً على احتمال عودة اليسار المتطرف الى واجهة الأحداث في تلك الدولة التي تشهد ارتدادات خطيرة لسياساتها في ازمات دول الجوار، خصوصاً في الصراع السوري.
حزب «جبهة التحرير الشعبية الثورية»، هو الجهة التي أعلنت مسؤوليتها عن عمليات استهدفت مواقع في المدن التركية الرئيسية، كان أبرزُها الهجومَ الانتحاريَّ على مقر السفارة الأميركية في العاصمة التركية في أنقرة مطلع العام 2013، والهجومَين الأخيرَين في مدينة اسطنبول، ما يعيد إلى الواجهة الحزب الراديكالي الأكثر بروزاً في خضم الأزمات السياسية التي تهز البلاد.
ويعد الحزب أحد أبرز الجماعات الماركسية ــ اللينينية التي تتهمها السلطات التركية بتنفيذ عمليات مسلحة عديدة في البلاد منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي.
ويتبنى الحزب اليساري الراديكالي عملياته بشكل واضح مسميا المُنَفِّذِين عبر موقعه الالكتروني، وموضحاً أسباب تنفيذ تلك العمليات.
وفي العام 2013، قال الحزب إن هجوم أنقرة نفذه أحد أعضائه ويدعى أليشان شانلي، واتهم الولايات المتحدة بأنها «تقتل شعوب العالم»، وتؤذي الشعب التركي بجعل بلاده «وكرا» تغير من خلاله الشرق الأوسط.
وتبنى الحزب اليساري أيضاً الهجوم الانتحاري الذي وقع في اسطنبول في أيلول العام 2012، والهجوم الانتحاري الأخير الذي نفذته امرأة (الف سلكان كالسن) ضدّ مقر الشرطة في منطقة سلطان أحمد السياحية في اسطنبول يوم الاثنين الماضي، واعتبر أنها «ضحّت بنفسها من أجل محاسبة» حزب «العدالة والتنمية»، رداً على قرار اتخذته لجنة برلمانية بعدم إحالة أربعة من وزراء الحزب الحاكم السابقين المتهمين بالفساد إلى القضاء.
ويواصل الحزب الراديكالي عملياته داخل تركيا منذ عقود بهدف «التغيير الثوري» لنظام الحكم، وتعديل سياسات البلاد الخارجية، وقد نجح في اغتيال عدد من كبار الضباط الأتراك، علاوة على وزير عدل سابق، كما اتُّهِم زعيمه عثمان أكسا في العام 2008 بتدبير محاولة اغتيال رئيس الحكومة التركي آنذاك رجب طيب أردوغان.
وشنت قوات الأمن التركية على مدى عقود حملات عدة استهدفت عناصر الحزب، واعتقلت العشرات من مناصريه، ومن ضمنهم محامون ومعلمون وطلاب جامعات، إلا أنها لم تفلح في تقويض نشاطه السري المستمر.
وتصنف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى تركيا بطبيعة الحال، حزب «جبهة التحرير الشعبية الثورية» بأنه «منظمة إرهابية».
وتأسس هذا الحزب اليساري في العام 1978 من قبل دورسون كاراتاس تحت اسم «ديف سول»، أي «اليسار الثوري»، قبل أن تعاد تسميته في العام 1994 بالشكل الحالي، وهو يتبنى خطاباً معاديا للولايات المتحدة والغرب والمؤسسة التركية الحاكمة.
وفي العام 1990 أطلق الحزب حملة ضد المصالح الغربية في تركيا، شملت هجمات استهدفت الديبلوماسيين والعسكريين الأميركيين والمنشآت الأميركية، بحسب ما ذكر تقرير أصدره مكتب المنسق الأميركي العام لشؤون «محاربة الإرهاب» الذي لفت إلى ان الحزب «بدأ منذ العام 2001 بتركيز جهوده على الأهداف التركية علاوة على الأميركية»، مشيراً إلى انه يجمع التبرعات في الدول الأوروبية كما يستخدم «التهديد» لجني الأموال.
وثمة شبهات في ان «الحزب» و «الجبهة»، وهما تسميتان متوازيتان للمنظمة وذراعها، مرتبطان بمنظمة «إرغينكون»، وهي منظمة سرية لها تاريخ طويل تعود جذوره إلى القرن الماضي، ولكنها تأسست بشكل رسمي في العام 1999 كمنظمة سرية، ومن أهم أهدافها هو المحافظة على تركيا كدولة علمانية وعسكرية وقوية كما كانت في عهد كمال أتاتورك مؤسس تركيا الحديثة.
وتُتهم هذه المنظمة التي أطلقت على نفسها اسم «ارغينكون» نسبة إلى جبل أسطوري لجأ إليه الأتراك القدماء هربا من جحافل المغول، بقيامها باغتيالات وتفجيرات وزرع عبوات ناسفة في المدن التركية ومحاولة تنظيم انقلاب على الحكومة، والتعاون مع منظمات ودول خارجية لزعزعة النظام في تركيا، وتضم في صفوفها أفرادا من الطبقة المثقفة، وذوي المراكز العالية في تركيا من سياسيين سابقين وكتاب وصحافيين ورجال أعمال وجنرالات وقادة عسكريين وقضاة.
وأطلق سراح زعيمة «الجبهة» أوسمان أوكسا في العام 2012، بعد الفشل في محاكمتها بتهمة محاولة اغتيال أردوغان. وذكرت وسائل إعلام تركية حينها أن محاكمة أوكسا ستكشف عن الروابط بين «الجبهة» ومنظمة «ارغينكون». وبعد ذلك بوقت قصير، أصيبت أوكسا بعيار ناري في الرأس، ووصف مطلق النار بأنه عضو في «حزب العمال الكردستاني» و«جبهة التحرير الشعبي الثوري». وزعمت الشرطة التركية أن الجاني عمد إلى اغتيالها بسبب خططها للكشف عن الصلات بين المنظمتين.
ويذكر تقرير أعدته مؤسسة «جيمستاون» للبحوث الدولية في العام 2008، أن معظم ناشطي «الجبهة» هم تقليديا وفي المقام الأول، من الأقلية العلوية في تركيا، وخاصة من محافظات تونجلي وتوكات في وسط الأناضول، واصفاً أسلوب عمل المنظمة بعد العام 1994 بالتحول إلى عمل الخلايا الأمنية المؤلفة من ثلاثة أفراد على الأكثر، وذلك بسبب انشقاقات حصلت في صفوفها عقب محاولات أجهزة الأمن التركية تقويض عملها.
أبرز العمليات
أعلنت «جبهة التحرير الشعبية الثورية» مسؤوليتها عن عمليتَي اغتيال في العام 1980، للسياسي والقاضي التركي اسماعيل نيهات ايريم الذي شغل منصب رئيس الوزراء في العام 1970، والسياسي التركي وأحد الوزراء في حكومة سليمان ديميريل غون سازاك.
واستهدفت الجبهة في الثمانينيات عددا من المسؤولين العسكريين والأمنيين الأتراك، كما أطلقت في التسعينيات حملة ضد المصالح الغربية في تركيا، شملت هجمات ضد الجيش الأميركي والموظفين الغربيين والمنشآت الدبلوماسية.
خلال حرب الخليج الأولى، تبنت الجبهة قتل اثنين من جنود الجيش الأميركي، وضابط في سلاح الجو، كما قامت بقصف أكثر من 20 مركزاً تابعاً للولايات المتحدة و «حلف شمال الاطلسي» من مرافق عسكرية وتجارية وثقافية.
تبنت الجبهة عملية قتل أحد الأميركيين العاملين في اسطنبول في العام 1991 ويدعى جون غاندي وتمكن عناصر الجبهة من الوصول إلى مبنى مكاتب شركة التأمين التي يعمل فيها من خلال ارتداء زي الشرطة التركية، حيث أطلقوا عليه النار مرات عدة في الرأس، وكتبوا خلفه كتابات مناهضة لسياسات الولايات المتحدة.
في العام 1991 أيضا تبنت الجبهة عملية اغتيال رئيس الاتحاد التجاري في اسطنبول أندرو بليك، كما تبنت الجبهة عمليات اغتيال كل من حيرام عباس (1990)، ممدوح اونلوتورك، إسماعيل سيلين، عدنان ارسوز وهولوسي سايين (1991)، بالإضافة إلى كمال كاياسان (1992) وجميعهم من المتقاعدين من الجيش وجهاز الاستخبارات التركية.
في العام 1996 اغتيل رجل الأعمال أوزدمير سابانجي، من قبل قتلة مأجورين تم منحهم اذن الدخول إلى أبراج سابانجي من قبل أعضاء في الجبهة، لتعلن «الجبهة الثورية» في ما بعد مسؤوليتها عن العملية.
في العام 2001 قتل مهاجم انتحاري نفسه وثلاثة أشخاص آخرين في اسطنبول، وتبنت الجبهة العملية، وفي العام 2003 فجرت الانتحارية سنغول أكورت من الجبهة أيضا، نفسها في أنقرة عن طريق الخطأ بينما كانت تستعد لتنفيذ عملية.
وفي الأعوام 2004 و2005 وقع تفجيران انتحاريان أحدهما على متن حافلة في اسطنبول، والآخر في وزارة العدل في أنقرة وتبنت الجبهة العمليتين.
في العام 2009، أصيبت ديدم اكمان أحد أعضاء الجبهة أثناء محاولتها اغتيال حكمت سامي تورك في جامعة بلكنت قبيل محاضرة في القانون.