افراسيانت - اتخذت حكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أمس الأول، إجراءً جديداً ضمن سياق ما يسميه سلسلة «إصلاحات»، باتت تتعارض بشكل واضح مع مجموعة من القرارات التي اتخذها سلفه نوري المالكي، خصوصاً في ما يتعلق بالخطوات التي سوقها العبادي في أكثر من محطة من أجل تعزيز صلاحيات الأقاليم «حفاظاً على الوحدة الوطنية».
وتأتي هذه الخطوة في ظل جدل كبير يسود البلاد حول توجهات الحكومة الجديدة نحو إرساء نظام فدرالي يقسم العراق وفق اعتبارات طائفية وعرقية، ما يعمق الشرخ الاجتماعي الذي ساد البلاد عقب الاحتلال الأميركي في العام 2003، ويتزامن مع عودة الجنود الأميركيين إلى الظهور في محيط القواعد العسكرية العراقية لأول مرة بشكل علني منذ انسحابهم في العام 2011، مبشرين باحتلال جديد يترافق مع متغيرات بنيوية في البلاد.
وقرر مجلس الوزراء العراقي سحب الطعن الحكومي بتعديلات قانون المحافظات، داعياً اللجنة التنسيقية العليا لشؤون المحافظات إلى إعادة دراسة التعديل خلال ثلاثين يوماً، في ما يمكن عدّه واحداً من أبرز البنود التي بقيت عالقة عقب الاحتلال الأميركي، وعرقلتها بعض القوى السياسية العراقية على مدى الفترة السابقة تفادياً للدخول في سياق تقسيمي للبلاد.
ويعني قرار حكومة العبادي سحب الطعن الذي تقدم به المالكي الذي كان رافضاً لمنح صلاحيات لامركزية للمحافظات، وأثار جدلا في صيف العام 2013، حين تمكن خصوم الأخير السياسيين من تمرير تعديلات متقدمة في نظام الإدارة، في البرلمان العراقي، لكن التشريع بقي مجمداً منذ ذلك الحين بسبب الطعن الذي لم تحسمه المحكمة الاتحادية وسحبه العبادي، أمس الأول.
والتزم العبادي منذ تسلم مهامه قبل نحو ثلاثة أشهر بدعم اللامركزية وعدّها جزءاً من «مسارات الإصلاح»، كما أعلن دعمه لهذا النهج في الإدارة خلال اجتماع في البصرة، مطلع الأسبوع الحالي، حضره ممثلو 14 محافظة، لبحث الخلاف حول الصلاحيات بين المركز والأطراف.
وتعهد العبادي، خلال ترؤسه اجتماع الهيئة العليا للمحافظات في البصرة، بسحب الطعن بهذا القانون والبدء بإجراءات نقل صلاحيات عدد من الوزارات الى الحكومات المحلية.
ونص الدستور العراقي المقر في العام 2005 على أن نظام الادارة في العراق لامركزي، غير أن حكومتي نوري المالكي تجاهلت هذا لعقد من الزمان تقريباً، ورفضت التفاوض الجدي مع المحافظين الذين طالبوا بصلاحيات إضافية فضلاً عن تجاهلها نحو 5 طلبات لإقامة اقاليم.
وقال بيان صدر عن مكتب رئيس مجلس الوزراء، إن «المجلس قرر خلال جلسته الـ16 التي عقدت اليوم برئاسة رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي سحب الطعن بقانون تعديل قانون المحافظات غير المنتظمة بإقليم رقم 21 لعام 2008 أمام المحكمة الاتحادية».
ودعا المجلس، الأمانة العامة لمجلس الوزراء الدائرة القانونية إلى «اتخاذ الإجراءات اللازمة لسحب هذا الطعن، وقيام اللجنة التنسيقية العليا لشؤون المحافظات خلال 30 يوماً بإعادة دراسة قانون التعديل واقتراح التعديلات اللازمة لتحقيق الانسجام وانسيابية العمل بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية وفقاً لمبادئ الدستور».
ويتزامن قرار العبادي مع إعادة ظهور أول دفعة من الجنود الأميركيين الذين تمركزوا في عدد من القواعد العسكرية العراقية مؤخراً، تحت ذريعة المهمات «التدريبية والاستشارية»، ويقول أحد الجنود الأميركيين المتمركزين في قاعدة التاجي (85 كيلومتراً شمال بغداد في محافظة صلاح الدين والتي كانت في الأصل تابعة للحرس الجمهوري العراقي، وتقطنها عشائر عراقية أبرزها المشاهدة والدليم وزوبع والجبور والعقيدات)، في مقابلة مع وكالة «فرانس برس» إنه لم يخطر في باله «أننا سنعود»، ويضيف «تنقلت بين كل القواعد المتقدمة لتجهيز المعدات العسكرية ونقلها براً إلى مرفأ في الكويت» نهاية العام 2011، لدى انسحاب القوات الأميركية من العراق.
ويشير الجندي الأميركي إلى أنه عاد إلى الكويت تمهيداً لدخول العراق في حزيران الماضي تزامناً مع اجتياح تنظيم «داعش» المحافظات العراقية شمال وغرب البلاد، مدركاً أن «مهمة جديدة تنتظره» - في إشارة إلى تحرك القوات الأميركية في هذا الاتجاه قبل الإعلان الرسمي عن إعادة التدخل في آب الماضي- وهو واحد من مئات الجنود الأميركيين المقيمين حالياً في قاعدة التاجي، وسيرتفع عددهم في وقت لاحق، بحسب النقيب في الجيش الأميركي تايلر هيتر.
والتاجي واحدة من خمس قواعد ستستخدمها واشنطن في العراق، ويزعم اللواء في الجيش الاميركي دانا بيتارد أن المهمة الأميركية الجديدة ستتركز على «المبادئ المطلوبة لشن هجمات مضادة» ضد «داعش».
ولا تزال أسماء بعض الوحدات العسكرية الأميركية مطبوعة على الحواجز الاسمنتية في القاعدة، كما يمكن رؤية شعار فرقة الخيالة الأولى في الجيش الأميركي مطبوعاً على خزان مياه يشرف على القاعدة.