افراسيانت - إيهاب نافع - أعلن البنتاغون الجمعة 19 فبراير/ شباط عن شن سلاحه الجوي غارة على معسكر لـ"داعش" في منطقة صبراتة الليبية، وأكد استمرار غارات طائراته في ليبيا.
الغارة الأمريكية العسكرية المنفردة على "داعش ليبيا" في صبراتة، والتي أسفرت عن سقوط نحو 46 قتيلا وعدد من المصابين، جاءت قبل يوم واحد من جلسة مجلس النواب الليبي، التي عقدت اليوم السبت 20 فبراير/ شباط في طبرق لمناقشة المجلس الرئاسي الليبي تشكيلة الحكومة الجديدة، التي ﻻ تزال محل أخذ ورد.
وقد أعلن نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي، أمس الجمعة، في القاهرة، عن العزم على إعادة النظر في ترشيح بعض أعضاء الحكومة، لتورطهم في قضايا جنائية؛ فضلا عن اعتراض نحو 70 نائبا من مجلس النواب على تشكيلة الحكومة، وكذلك انسحاب وزيرين من التشكيلة الجديدة. وكلها أمور تجعل الحكومة الليبية، التي كان يُتوقع التصويت عليها رسميا خلال اليومين المقبلين، بعيدة المنال، وبالتالي تبقى عملية الاستقرار الليبي مؤجلة.
ولعل الحكومة الليبية المتعثرة كانت أحد أسباب إسراع أمريكا بتوجيه ضربة استباقية بناء على معلومات استخبارية واستطلاعية، جمعتها خلال الأشهر الماضية؛ حيث كانت تبعث تارة بقوات خاصة إلى الأراضي الليبية بحجة البحث عن حليف لها على الأرض للتعاون في مواجهة داعش، وتارة أخري تبعث بطائرات استطلاع من دون طيار. وبعد جمعها المعلومات اللازمة لم تُصغِ ﻻ لمناشدات الغرب بالتنسيق، وﻻ لدعوات إيطاليا بأن تقود هي تحالفا لتوجيه ضربات إلى "داعش" هناك؛ ولم تستمع كذلك إلى النصائح والتحذيرات المصرية، ولم تعر الخطوات الليبية على الأرض للتوافق السياسي وتشكيل الحكومة.. أي اهتمام. كما لم تستجب لمخاوف دول الجوار الليبي من التدخل المنفرد دون التنسيق مع الجيش الليبي.
أمريكا انقسمت بين تردد البيت الأبيض في معالجته الأزمة الليبية، وإصرار وزارة الدفاع على فرض رؤيته في النهاية؛ وعلى الرغم من رفض أوباما من قبلُ طلبا للبنتاغون بشن غارات على التنظيم الإرهابي في ليبيا، فإنه عاد ورضخ لضغوط البنتاغون، الذي وجه الضربة مؤخرا.
وأكد متحدث عسكري أمريكي أن الطيران الأمريكي نفذ غارة على معسكر تدريب لتنظيم "داعش" في ليبيا، فيما أكد مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية أن واشنطن، بدلا من اتخاذ خطوات أكثر نشاطا، تنوي مواصلة استراتيجيتها السابقة، المتمثلة في شن غارات منفردة لاستهداف قياديين في التنظيمات الإرهابية داخل الأراضي الليبية.
وقد أكدت معلومات، نقلها موقع "ديلي بيست" الإخباري الأمريكي، إصرار جنراﻻت البنتاغون على التدخل في ليبيا من دون رغبة كاملة ﻷوباما، وأن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما رفضت اقتراحا من البنتاغون بشأن ضرب المعقل الرئيسي للتنظيم في ليبيا؛ ونقل الموقع عن ثلاثة مسؤولين عسكريين قولهم إن هذا القرار جاء على الرغم من إدراك واشنطن الخطر المتنامي لفرع التنظيم الإرهابي في ليبيا، وإن العسكريين أصروا خلال الأسابيع الثلاثة الماضية على ضرورة تكثيف الغارات الجوية، إضافة إلى نشر وحدات خاصة في مواقع ليبية عدة، وخاصة في سرت الليبية الخاضعة لسيطرة "داعش".
التدخل الأمريكي سبقته أيضا تحذيرات على لسان قادة القوات الأمريكية والأجهزة الاستخبارية المختلفة من تمدد التنظيم؛ وحسب تقييمات العسكريين الأمريكيين، فقد ازداد عدد المقاتلين المنضوين تحت لواء "داعش ليبيا" من ألف إلى 5 آلاف شخص في غضون أشهر معدودة. ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن ليبيا أصبحت قبلة جديدة للمتعاطفين مع التنظيم عبر العالم، بعد أن أصبحوا يواجهون عقبات متزايدة عند السفر إلى العراق وسوريا؛ وتفيد المعلومات بأن التنظيم يسعى لتحويل مدينة سرت إلى مركز جديد لعملياته الإرهابية، على غرار الرقة السورية والموصل العراقية.
من جهته، نفي الخبير العسكري والاستراتيجي المصري اللواء محمود زاهر أي صلة للضربة الأمريكية بمواجهة "داعش"؛ حيث وجهت الضربة إلى شمال غرب ليبيا، في حين أن "داعش" ينتشر في الشرق الليبي.
وأضاف اللواء زاهر أن للضربة أغراض أخرى عديدة، من بينها ممارسة ضغط سياسي على مجلس النواب للتصويت للحكومة الجديدة، التي تقوم على مبدأ المحاصصة، وتعد تأسيسا لتقسيم ليبيا بما تضمه من ممثلين للإخوان، بل وممثل لـ"داعش" نفسه.
الخبير العسكري المصري لفت إلى أن الولايات المتحدة استبقت المساعي الايطالية لقيادة حملة عسكرية في ليبيا، بالتمهيد لقيادتها للتحالف الغربي المتمثل في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا لبدء عملياته في ليبيا والسيطرة على مقدراتها واستنزاف ثرواتها.. مشيرا إلى أن مصر لم تعلق على الضربة الأمريكية حتى الآن ﻷنها لا تزال تدرس الموقف وأبعاده وتبعاته.
فيما رجح البرلماني الليبي عبد الحفيظ غوقه أن يكون الغرض من الضربة الأمريكية توجيه رسالة واضحة إلى البرلمان والمسؤولين الليبيين للتعجيل بتشكيل الحكومة لحسم الجدل السياسي القائم، خاصة أنها جاءت قبيل مناظرة البرلمان للحكومة بتشكيلتها الجديدة؛ مشددا على أن أي تدخل غربي في ليبيا يجب أن يكون بإذن من الحكومة الليبية وتنسيق مسبق معها.
الضربة الأمريكية كشفت مرة أخرى الوجه الحقيقي لأمريكا الساعي دوما ﻻستباق الأحداث وفرض السياسة الأمريكية بالقوة في المناطق الساخنة من العالم، وﻻ سيما الشرق الأوسط.