افراسيانت - حسين محمد - تشهد مدينة جنيف حراكا سياسيا بين روسيا والولايات المتحدة على مستوى مساعدي وزراء الخارجية ( غينادي غاتيلوف، آن باترسون) لوضع اللمسات التحضيرية الأخيرة لمؤتمر "جنيف 3" السوري.
أولى العقبات التي تواجه المجتمعين ضمان انعقاد المؤتمر في موعده مع بقاء نقاط هامة في الملف السوري من دون حل، ويتطلب الأمر إيجاد صيغة مشتركة بين العاصمتين قبيل عقد المؤتمر، وإذا ما فشل المساعدان في التوصل إلى تفاهم، فإن اجتماعا سيعقد على مستوى الوزيرين (سيرغي لافروف وجون كيري) في وقت ما من هذا الشهر.
العقدة الأبرز التي تواجه المجتمعين هي الوفد التفاوضي للمعارضة إلى مؤتمر جنيف الذي يعكس مصالح السعودية وتركيا وقطر، ويستبعد قوى سياسية أخرى، وعلى الرغم من أن موسكو لم تحدد موقفها صراحة من هذه المسألة سوى ضرورة توسيع الوفد المفاوض، كما لم تصعد موقفها بعد من هذه النقطة، وهي القادرة على إرباك العملية السياسية كلها، إذا لم تتم الاستجابة لمطالبها.
المشكلة أن الهوة كبيرة بين الهيئة العليا للتفاوض ومقرها الرياض وبين مطالب الحكومة السورية، في حين يبقى الموقفان الروسي والأمريكي متقاربين في الموقع الوسط من هذه المسألة، لكن يبدو مما ظهر خلال الأسابيع الماضية أن واشنطن تحاول حل هذه المسألة رويدا رويدا من دون إثارة حلفائها الرئيسيين في المنطقة (الرياض، أنقرة).
المشكلة تكمن في كثرة القوى السياسية التي تسعى للانضمام إلى وفد المعارضة، الحكومة السورية تدعم الأحزاب الداخلية المرخصة (حزب الشعب، حزب التضامن، حزب التنمية، حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية، التجمع الأهلي الديمقراطي للكرد السوريين، تيار سلام ومجد سورية، هيئة العمل الوطني)، فيما تدعم موسكو جبهة التحرير والتغيير برئاسة قدري جميل وتتوافق مع واشنطن على ضرورة مشاركة تيار قمح برئاسة هيثم مناع وحزب الاتحاد الديمقراطي برئاسة صالح مسلم و"قوات سوريا الديمقراطية".
غالبية المراقبين ترى أنه سيتم التوصل إلى تفاهم يضمن دخول المكون الكردي في الوفد المعارض، خصوصا بعد تشكيل "مجلس سوريا الديمقراطية" الذي يضم "قوات سوريا الديمقراطية" وتيار قمح وحزب الاتحاد الديمقراطي، وجاء تشكيل هذا المجلس ليكون بمثابة قوة سياسية وعسكرية لها وزن في الساحة السورية، بحيث لن يكون من المجدي تجاهله، خصوصا أن يحظى بدعم أمريكي - روسي مشترك.
ويعقد "مجلس سوريا الديمقراطية" اجتماعات في جنيف لترتيب أوراقه الداخلية قبيل لقائه مع المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا ستيفان دي ميستورا خلال اليومين المقبلين لمناقشة دخول المجلس إلى وفد المعارضة.
وفي حال نجح الروس والأمريكيون في إدخال المجلس ضمن وفد المعارضة، فإن عقبات كثيرة ستطفو على السطح نتيجة حجم الخلاف بين هذا المكون الجديد والهيئة العليا للمعارضة في كثير من القضايا، ولعل تصريح هيثم مناع الأخير من أن "مجلس سوريا الديمقراطية" لا يريد أن يكون جزءا من هيئة الرياض المؤلفة من جماعات المعارضة لأن بعض عناصر الهيئة تعارض التوصل إلى حل سياسي في سوريا، يعكس حجم الخلاف بين الجانبين.
وتشكل مسألة الإدارة الذاتية التي يطالب بها المجلس أحد أهم عناوين الخلاف مع الهيئة العليا للمعارضة، ففي حين يطالب المجلس باعتماد تجربة الإدارة الذاتية، ترفض الهيئة هذا المطلب وتشكك في المطالبة به، كونه يخدم المكون الكردي فقط، كما تشكل مسألة الفصائل المسلحة أيضا أحد أهم الخلافات، حيث يرفض المجلس اعتبار "أحرار الشام" و "جيش الإسلام" من مكونات المعارضة في موقف قريب من موقف الحكومة السورية، في حين تعتبر الهيئة أن الفصيلين مكونين رئيسيين في المعارضة، فضلا عن الخلاف حول طبيعة المرحلة الانتقالية وحدود صلاحية هيئة الحكم الانتقالية، وحول الدستور ومصير الأسد.
ويشكل موضوع قوائم الجماعات الإرهابية عقبة أساسية في المسار السياسي خاصة وأن روسيا تعترض على تلك القوائم، لكن أغلب الظن أن النقاط العالقة لن تحل بشكل سريع وإنما ستترك إلى ما بعد انطلاق المسار السياسي ومراقبة أداء هذه الفصائل ومدى تجاوبها مع العملية السياسية ومتطلباتها العسكرية.
من شأن التفاهمات الروسية - الأمريكية (المرحلة الانتقالية، الدستور، مصير الأسد الذي أجل البحث فيه إلى مرحلة لاحقة)، أن تمنح دي ميستورا غطاء سياسيا وشرعيا للمضي قدما في المسيرة التفاوضية، ومحاولة تذليل كافة العقبات التي ستعترضه، ويبدو أن العاصمتين متفاهمتين حول المسائل الاستراتيجية بشأن سوريا.