افراسيانت - حبيب فوعاني - في أول تصريح له مطلع العام الجديد، دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى القبول بحقيقة الحاجة إلى إسرائيل، قائلا إنها "حقيقة واقعة في المنطقة".
يأتي ذلك بعد خمس سنوات من القطيعة الظاهرية بين البلدين إثر اقتحام الجنود الإسرائيليين سفينة "مرمرة" التركية، التي كانت متجهة إلى قطاع غزة المحاصر، وقتلهم عشرة نشطاء أتراك كانوا على متنها.
وكان أردوغان قد صرح قبل ذلك بعام، في خطاب له أمام الهيئة البرلمانية لـ"حزب العدالة والتنمية"، متحدثا عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (10 01 2009)، بأن على تل أبيب أن تعلم أنه "ليس زعيم دولة عادية، بل زعيم أحفاد العثمانيين".
ثم كانت مسرحية انسحاب أردوغان من منتدى "دافوس" الاقتصادي العالمي (29 01 2009) احتجاجا على عدم منحه وقتا كافيا للرد على الرئيس الإسرائيلي آنذاك شيمون بيريس.
وكان أردوغان يطمح بذلك كله إلى أن يترك له الإسرائيليون فسحة يلعب فيها دور القائد العثماني الغيور، الذي يهتم برعاياه من هنغاريا إلى الصومال، ومن الجزائر إلى أذربيجان. لكن تل أبيب لا تتخلى لأي كان عن أي شيء إلا عن المظاهر. وكانت حادثة سفينة "مرمرة" (29 05 2010) أصدق دليل على ذلك.
وجاء ما يسمى بـ"الربيع العربي" كهدية على طبق من فضة إلى أردوغان. إذ بعد بدء الاضطرابات في مدينة درعا السورية عام 2011، وجد سلطان بني عثمان الجديد الوقت ملائما لتذكير العرب بالتاريخ العثماني القديم، فلم يجد حرجا من التدخل في شؤون سوريا الداخلية، وأصبح يعمل جاهدا لعزل الرئيس السوري، وكأنه أحد ولاة الشام العصاة، مؤكدا أن بشار الأسد سيحزم حقائبه خلال أسابيع ويرحل، بينما سيدخل القائد التركي الفاتح مدينة دمشق على حصانه الأبيض ويقيم الصلاة في المسجد الأموي.
وبما أن حساب الحقل لم يطابق حساب البيدر، إذ لم يتوقع مستشارو أردوغان صمودا طويلا لسوريا ودعما روسيًا متواصلا لها، فقد هرع أردوغان إلى وضع يده بيد التنظيمات الإرهابية الناشطة في سوريا.
وفي عام 2014 فقط، أدرك المسؤولون الأتراك حجم الخطأ الفادح، الذي ارتكبوه، ولا سيما أن سياستهم الإقليمية الهوجاء هيأت الظروف الأولية لظهور "داعش" في المنطقة.
لكن مكابرة الأتراك استمرت في عام 2015، وحتى بعد بدء العمليات العسكرية الروسية في سوريا (30 09 2015)، التي أسقطت الورقة السورية من أيديهم (الأتراك). وعلى الرغم من تأجيل اللاعبين الكبار البت بمسألة تنحي الرئيس السوري في اجتماع فيينا، منتصف تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، فإن أنقرة لم تتخل عن سعيها لإزاحة الأسد عن منصبه.
وبعد انعقاد قمة منتدى مصدري الغاز في إيران (23 11 2015) بمساهمة فعالة من روسيا، توصلت القيادة التركية إلى استنتاج بأنه للحفاظ على دورها السياسي في الشرق الأوسط لا بد لها من المخاطرة واستعراض جبروتها في الميدان. وكان إسقاط القاذفة الروسية "سوخوي-24" (24 11 2015) فوق الأراضي السورية أحد معالم هذه السياسة.
غير أن تركيا، بعد إسقاط الطائرة الروسية، وفرض الاتحاد الروسي قواعد لعبة جديدة في سوريا، فقدت أي إمكانية للمناورة، ولذا لم تجد مفرا من الارتماء في أحضان إسرائيل من جديد.
وقد جرت في هذا الإطار مفاوضات سرية بين البلدين في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي في سويسرا، أعلن أردوغان على أثرها (وكالات - السبت 02 01 2016) عن حاجة تركيا إلى إسرائيل، ودعا إلى المضي قدما في تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.
يأتي ذلك على خلفية استفزازات تركيا المستمرة ضد روسيا، واستقوائها بالناتو.
بيد أنه إذا كان كثيرون يذكرون هزيمة نابوليون في روسيا وهتلر في الاتحاد السوفياتي، فإن القليلين يتذكرون الحملة، التي شنها العثمانيون الأتراك على القوقاز (1914-1918)، وفقدوا فيها 90 ألف جندي.
وكلنا أمل صادق بأن لا يعيد التاريخ نفسه في مستهل القرن الحادي والعشرين.