افراسيانت - د. عادل محمد عايش الأسطل - لم تكد تجف حادثة شارلي أبيدو الدامية، التي حصلت قبل عشرة أشهر من الآن، والتي راح ضحيتها 17 شخصاً، وحوادث العنف التي تلتها، حتى تلقت فرنسا الضربة الدموية التالية، باعتبارها الأعنف في تاريخها الحديث، فبالتزامن مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" بأن حياة تنظيم الدولة الإسلامية باتت معدودة، قام التنظيم بشن 7 هجمات متزامنة، في قلب العاصمة الفرنسية باريس، والتي أسفرت عن وقوع عشرات القتلى والجرحى، ما أوقع حالة اضطراب كبيرة بين الفرنسيين، ليس بسبب التفجيرات وحدها، بل بسبب شعورها بأنها باتت الآن مستهدفة أكثر من أي وقتٍ مضى، ليس من الخارج فقط، وإنما من الداخل أيضاً، حيث أن منفّذي الهجمات لا يحتاجون لجواز مرور أو لركوب طائرة.
من حق فرنسا حماية مواطنيها وحدودها وسياستها أيضا، ومن حق الرئيس الفرنسي "فرانسوا أولاند" أن يقود التحالف هو هذه المرّة باعتباره الضحية، وأن يُعلن حرباً لا هوادة فيها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، بعد أن قام بتحميله مسؤولية الهجمات الدموية القاسية، واعتبارها بمثابة إعلان حرب، ومن حقّه استخدام جميع الوسائل المتاحة لديه، ومن حقّه طلب العون والنجدة من الدول المتحالفة والمؤيّدة لمحاربة الإرهاب، لكن لا أحد يضمن نجاحه في كل ما ينوي إليه، وقد كانت هناك تجربة كبيرة، عندما قادت الولايات المتحدة تحالفاً دولياً لمحاربة الإرهاب، في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 20011، وتم لها أن احتضنت الفشل بجدارة.
هذه الهجمات التي نفذها تنظيم الدولة، لم تكن هكذا، أو لمجرّد القتل أو الانتقام فقط، بل هي تحمل رسائل مختلفة موزّعة على النحو التالي، فعلاوة على التذكير بأن التنظيم موجود وهو في ذروة نشاطه، فإنها رسالة واضحة، للفرنسيين تضم دعوة وتهديد في آنٍ معاً، بأن ليس عليهم المشاركة في الحرب ضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب، والتوقف عن إرسال طائراتهم لتنفيذ مهمة قصف عدائية، ومسارعة الانسحاب من المنطقة، وبالتحذير بتنفيذ هجومات أكثر قوة وخطورة في حال عدم قبولها الدعوة، ويجدر بنا القول بأن هناك من الفرنسيين يُعارضون مشاركة بلادهم في التحالف الدولي، مفضلين عدم الانصياع خلف الولايات المتحدة باعتبارها جزء كبير من الشر.
والرسالة الأهم، هي الموجّهة لبقية الدول المشاركة في الحلف والمؤيدة له، بأن عليها الاتعاظ قبل الوصول إلى ترتيبها على الخارطة، وبالتهديد بأن لا قوّة في العالم يمكنها وقف هذه الهجمات أو التقليل منها، وكانت التنظيم قد أرسل على جناح السرعة، للقادة في روسيا بأن ليس عليهم الانتظار طويلاً ليروا آثاره الدامغة عياناً في قلب العاصمة موسكو.
ترى الدول أن من الواجب التعاطف مع فرنسا قيادة وشعباً، من أجل التخفيف عن مُصابها، وتعزيز صمودها، وقد رأينا كيف عبّرت تلك الدول عن استياءها، وعن استعدادها لتقديم يد العون والمساعدة، ولكن الملفت هو أن إسرائيل كانت قد تقدّمت على تلك الدول وفاقت عليها في مجموع استعداداتها بشأن مؤازرتها والوقوف إلى جانبها، حيث سارعت إلى الإقدام على فعل أمور مميزة، باعتبارها فرصة جيّدة أتت إلى أعتاب بيتها.
على أن تلك التفجيرات تُمكنها من توظيفها في خدمتها ومجموع سياستها الاحتلالية، وسواء باتجاه عودة فرنسا إلى رشدها، بشأن إعادة نظرها في المواقف المعادية لإسرائيل، أو بشأن تخلّيها عن كتابة مبادرات أو اقتراحات بشأن القضية الفلسطينية لا تتماشى مع التطلعات الإسرائيليّة، إضافة إلى توصيل فكرة جامعة، بأن على فرنسا وبقية العالم الحر، الاعتراف بأن إسرائيل هي حائط الصد الأول عنها، ضد الإرهاب الإسلامي المنتشر في العالم.
وكان قد سعى رئيس وزرائها "بنيامين نتانياهو" إلى إبراز اسمه بقوة، من خلال إبراز غضبه الشديد باتجاه تلك التفجيرات، حيث عبّر عنه بإصدار أوامره بتنكيس الأعلام الإسرائيلية في كافة أنحاء البلاد والسفارات والقنصليات المنتشرة بين الدول، وأعلن وقوف إسرائيل إلى جانب الفرنسيين، بمشاركتهم الحرب ضد الإرهاب، وأبدى استعداده لفعل ما يمكنه من أجل المساعدة، ضد الإسلام المتطرف والجهات المتطرفة التي ترغب في القتل، مؤكداً على أن الإرهاب في إسرائيل شأنه شأن الإرهاب في فرنسا.
كما قام بإصدار أوامره لوكالات الأمن الإسرائيلية وأجهزة الاستخبارات بتزويد فرنسا - كل المساعدة الممكنة- باعتبار أجهزة الأمن والاستخبارات الإسرائيلية هي الأقوى ومحل ثقة لدى العالم، وأعلن عن تعهدات إضافية بتقديم مساعدة استخباراتية متّصلة، للحيلولة دون وقوع حوادث أخرى في المستقبل.
في مقابل استعداداته تلك، فقد أصرّ "نتانياهو" على دعوة الفرنسيين وكافة الدول، إلى رصّ صفوفها لدحر ما وصفه بـ (الإرهاب) وشجب النشاطات العدائية الموجهة ضد إسرائيل، وسواء كان داخل الأراضي الفلسطينية أو خارج إسرائيل، مثلما تعمل على شجب الاعتداءات في أي مكان آخر في العالم، على اعتبار أن الإرهاب هو المسؤول عن الفوضى وعدم الاستقرار، وليس المستوطنات، أو السياسة الإسرائيلية، التي تعمل على أساس العيش في سلام مع جيرانها.
خانيونس/فلسطين