افراسيانت - يدرك من قرر أن الجلسة العادية للمجلس الوطني الفلسطيني التي ستعقد في منتصف أيلول القادم أنه لن يتوفر لها النصاب، وأنها فترة غير كافية للتحضير لمؤتمر منظمة أهلية متوسطة الحجم، فكيف ستكفي لعقد أعلى سلطة في «منظمة التحرير» بعد غياب عقد جلسات عادية لمدة عشرين عامًا كانت حافلة بالأحداث والقضايا، التي تستوجب عقد جلسات عادية كل عام، بل كانت تحتاج إلى عقد جلسات استثنائية.
لقد شهدت هذه الفترة انتهاء المدة المحددة في «اتفاق أوسلو» للتوصل إلى اتفاق نهائي، وانتهت بتعميق الاحتلال وإعادة احتلال القوات الإسرائيلية للأراضي المصنفة (أ)، التي من المفترض أنها وفقًا لاتفاق «أوسلو» تحت سيطرة السلطة، وشهدت محاصرة واغتيال الرئيس ياسر عرفات، ونفّذ فيها شارون خطة فك الارتباط عن قطاع غزة، التي فتحت الطريق للانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي وانفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة.
وهُمِّشت القضية الفلسطينية خلال الفترة الفاصلة بين اجتماعين للمجلس الوطني، وتراجع الاهتمام العربي بها، إضافة إلى تضاعف الاستيطان مرات عدة، وتهويد الأراضي ومصادرتها، وتكثيف الاعتداءات من قبل جيش الاحتلال وقطعان المستوطنين، إذ بلغ معدلها ثلاثة اعتداءات يوميا طوال السنوات الماضية.
كما شهدت هذه الفترة ظاهرة القتل بدم بارد على الحواجز وأثناء المواجهات، والمضي قدمًا في تهويد القدس وأسرلتها وإنهاء ما سمي «عملية السلام»، إضافة إلى شن القوات الإسرائيلية ثلاثة عدوانات على قطاع غزة، ارتكبت فيها كل أنواع الجرائم، وسقط جراءها آلاف الشهداء الفلسطينيين وأضعافهم من الجرحى، وتم تدمير عشرات آلاف المنازل والمؤسسات، وتعرض قطاع غزة لأسوأ وأطول حصار.
وقد تعرض الشعب الفلسطيني خلال هذه الفترة إلى تضييق سبل العيش في الشتات، في العراق وسوريا وليبيا ومخيم نهر البارد وغيرها، وإلى عمليات إبادة وتهجير. كما تعرّض شعبنا في الداخل لأسوأ هجمة عنصرية تستهدف تعميق إسرائيل بوصفها دولة يهودية لا مكان فيها للفلسطينيين أصحابها الأصليين.
كل ذلك وغيره الكثير حدث ولم يستدع دعوة أعلى سلطة لدى الشعب الفلسطيني للانعقاد، لتتم الهرولة فجأة بسرعة لدعوة المجلس الوطني إلى الانعقاد من أجل معاقبة بعض الأشخاص وجعل اللجنة التنفيذية مطواعة بشكل كامل للرئيس.
تأسيساً على ما سبق، نكرر الدعوة التي حملها النداء الصادر عن مجموعة من الشخصيات الوطنية إلى تأجيل عقد المجلس الوطني مدة كافية، وذلك من أجل التحضير لجعل جلساته بمستوى التحديات والمخاطر التي تهدد الشعب الفلسطيني وأرضه وقضيته الوطنية، وقادرة على توظيف الفرص القائمة وتلك التي تلوح في الأفق.
قد تكون مثل هذه الدعوة صرخة في واد ولا تجد من يسمعها، بالرغم من أن صاحب القرار وكل من سيشارك في هذه المسرحية عليه أن يلاحظ أن هناك غالبية سياسية وشعبية تعارض هذه الخطوة التي ستوجه ضربة قوية لما تبقى من مكانة لـ «منظمة التحرير»، ويظهر ذلك من خلال ما تنشره مختلف وسائل الإعلام من مقالات وأخبار ومقابلات وتحقيقات وبرامج مختلفة، وما يُتداول على وسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني، فضلاً عن البيانات الصادرة عن الجبهتين «الشعبية» و «الديمقراطية» و «فدا» و «حماس» و «الجهاد».
هناك من يقول: لماذا الاعتراض على عقد المجلس الوطني، فهو خطوة قد تكون لاستعادة شرعية «المنظمة» وتفعيلها، وتمهيدًا لإنهاء الانقسام وضم مختلف ألوان الطيف السياسي إلى المنظمة؟ أما الإجابة فتتمثل بكون المنظمة المشلولة لا تستطيع أن تستوعب تنظيمات مثل «حماس» و «الجهاد»، بل هي عاجزة عن حمل من فيها.
والتعليق على ما سبق يبدأ بأن المكتوب يقرأ من عنوانه، فمن يريد إصلاح «المنظمة» وتفعيلها، عليه ألا يجعل عقد اجتماع المجلس الوطني بهذه الطريقة، ولا يجعل جدول أعماله يقتصر على تغيير بعض أعضاء اللجنة التنفيذية ووضع أشخاص موالين بدلاً منهم، واسترضاء «فتح» من خلال تغيير ممثليها لكي تصبح الطريق سالكة وآمنة لعقد المؤتمر السابع للحركة. فـ «فتح» تخشى على دورها في «المنظمة» في ظل أن تمثيلها في اللجنة التنفيذية يتبدى بإمّا معارضين مثل فاروق القدومي، أو مرضى، أو غير مضموني الولاء.
وردًا على من يقول بأن جلسة المجلس الوطني ستشهد نقاشًا سياسيًا وبجدول أعمال كامل نقول: إن جدول الأعمال الذي تضمنته الدعوة لا يشمل تقديم تقارير سياسية مالية شاملة، يستغرق الإعداد لها فترة أشهر عدة على الأقل. كما أن الإصرار على عقد الجلسة في رام الله وتحت الاحتلال يحرم الكثير من الأعضاء من المشاركة، إما لمنعهم من قبل الاحتلال، أو لمقاطعتهم، أو لعدم تمكنهم من الحضور مثل أعضاء المجلس الوطني من «حماس» و «الجهاد»، ما سيجعل إمكانية توفر النصاب صعبة إن لم تكن مستحيلة، وبالتالي ستصبح الجلسة غير عادية وستعقد بمن حضر، وليس من صلاحياتها تغيير البرنامج السياسي الذي فشل بعد أكثر من عشرين عامًا من السير وراء سراب «أوسلو» والدولة التي ستأتي عبر المفاوضات.
هناك من يتذرع بأن سبب الاستعجال هو أن الرئيس يريد أن يرتاح ويسلم الأمانة وسيستقيل من جميع مناصبه، وسيبدأ أولًا بالاستقالة من منصبه في رئاسة اللجنة التنفيذية، ثم من رئاسة حركة «فتح» عند عقد مؤتمرها نهاية تشرين الثاني القادم، وبعد ذلك من رئاسة السلطة بذريعة أن «المنظمة» استعادت شرعيتها وفاعليتها، وبمقدورها، هي التي أنشأت السلطة، أن تحلها، أو أن تتولى رئاستها من خلال قيام المجلس المركزي بتكليف شخص أو مجموعة من الأشخاص برئاسة السلطة إلى حين إجراء الانتخابات.
وهناك أقاويل عن احتمال حل المجلس التشريعي لأن مدته انتهت، وحتى لا تؤدي استقالة الرئيس إلى تنازع على رئاسة السلطة، لأن القانون الأساسي ينص على أن يتولى رئيس المجلس التشريعي رئاسة السلطة لمدة ستين يومًا إلى حين إجراء الانتخابات الرئاسية، بينما المجلس التشريعي معطل ولا يوجد اتفاق وطني على أن عزيز الدويك لا يزال رئيسًا له.
إن الخروج الآمن للرئيس يقتضي ترتيب البيت الفتحاوي، وترتيب المنظمة على مقاس المصلحة الوطنية، وبما يتسع لكل تيارات «فتح» والشعب الفلسطيني، وليس تفصيل مؤسسات «فتح» والمنظمة على مقاس شخص أو فريق من مجموعة أشخاص في أحسن الأحوال، وهذا لا يؤشر إلى خروج آمن.
لم تضع الفرصة بعد، خصوصاً إذا تم تأجيل عقد المجلس الوطني وتوظيف عقده في سياق إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، من خلال ضم مختلف أطياف الشعب الفلسطيني وليس الفصائل فقط، وإعادة بناء مؤسساتها بما يجعلها سريعة الحركة وفاعلة، عبر تسليحها باستراتيجية قادرة على توفير مقومات البقاء للقضية الفلسطينية والصمود للشعب.