افراسيانت - بقلم: محمد عياش* - تدخل القضية الفلسطينية في جدليات عقيمة .. وذلك بعد غياب تام عن العمل العسكري والفدائي , وقطاع غزة يبقى استثناء , وهذه المرة بتقسيم الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني على مزاج العدو الصهيوني ومزاج الرأي العام المتمترس خلف الرغبات الصهيونية , بالرغم من الحراك العربي المحموم لإنصاف إخوتهم الفلسطينيين وتمكينهم من نيل الاستقلال وإنهاء الصراع .
ستة وستون عاما ً على الاحتلال الصهيوني لفلسطين , والعالم يبارك التواجد الصهيوني .. بعد أن كرّس له المنابر الدولية لحمايته من الإدانة والشجب والاستنكار , وحتى محاولة عزله دوليا ً على طريقة حكومة بريتوريا في جنوب أفريقيا , فالولايات المتحدة الأمريكية استخدمت أكثر من خمسين ( فيتو ) لحمايته ودعمه ... والاحتلال يعتبر هذه القرارات الأمريكية الجائرة بالضوء الأخضر للمزيد من العدوان على الدول العربية المجاورة والعدوان بين الفينة والفينة على الشعب الفلسطيني المظلوم .
واشنطن بحزبيها تدعم ( إسرائيل ) ولا تجرؤ أبدا ً بتوجيه الملاحظات بحقها ! وإذا حصل بعض الاختلافات بوجهة النظر مثلا ً ينتهي حتما ً لمصلحة الكيان الصهيوني , فمثلا ً رئيس العدو الصهيوني في الشهور الأخيرة قاد حملة مع اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة دعما ً لمنافس أوباما في الانتخابات ؛ فكانت ردة فعل أوباما بالتوقيع على القانون الذي يعزز الشراكة الاستراتيجية مع ( إسرائيل ) ! .
السلطة الفلسطينية , مصممة في المضي قدما ً باتجاه إنهاء الاحتلال بعدما ضاقت ذرعا ً من المفاضات العقيمة مع الجانب الصهيوني .. الذي استغل الوقت طيلة المفاوضات بمزيد من بناء المستوطنات , والتضييق اليومي على المقدسيين , واستقدام الجماعات اليهودية المتشددة الذين يعرفوا ( أمناء الهيكل ) لإيجاد صيغة تشابه إلى حد كبير ما جرى في الحرم الإبراهيمي وتقسيمه زمانيا ً ومكانيا ً وهذه مرحلة أولى .
القارة الأوروبية تقريبا ً اعترفت اعترافا ً رمزيا ً بدولة فلسطين , وذلك لإفساح المجال لإقامة دولتين تعيشان جنبا ً إلى جنب , مع الصمت المطبق على الممارسات الصهيونية بحق الفلسطينيين , والخوف هذه المرة من التلاعب بالألفاظ هذه اللعبة التي تمارسها ( إسرائيل ) بإتقان والقصد إدخال الجانب الفلسطيني بقضايا سخيفة بعيدة كل البعد عن جوهر القضية , والتملص من الاستحقاقات الشرعية للشعب العربي الفلسطيني .
الرئيس أوباما لا يأبه للمظالم والأذيات الفلسطينية وهو القائل في حملاته الانتخابية : " أنا أؤمن بـ ( إسرائيل ) قبل قيامها " !! إذا ً الشيء من مأتاه لا يُستغرب , والرهان على هذا الرئيس الكسير الخاضع والخانع بكليتيه للكيان , يعتبر رهان خاسر ولا يحتاج للتحليل والتقييم ... وحكومة الاحتلال لا تعول عليه كثيرا ً لأنها مشغولة بالرئيس القادم لأنه في آخر شهوره في الرئاسة , فأوباما في أواخر حكمه سيكون بالرئيس المطيع خوفا ً من الانتقام منه وعائلته إذا جمح عن الطريق الصهيوني .
المؤشرات الصهيونية وموقفها من الاحتلال واضحة , وذلك بتصاعد وتيرة الاستيطان والاعتداءات على الشعب الفلسطيني , وربما تنفذ عدوان جديد على الضفة الغربية وتعمل على طرد جميع القادة الفلسطينية من الضفة ! وهذا ما تجلى من تصريحات الوزراء والقادة المتشددين .. فالعدو ينظر للفلسطينيين وتجربتهم المؤسسية على أنها إدارة المناطق بشرط أن يبتعدوا عن المطالب التاريخية , التي تعتبر ذروة التصادم بينهم , فهذه تعتبر من المحظورات والممنوعات على الفلسطينيين !
والسؤال الأهم , لماذا تنهي ( إسرائيل ) احتلالها ؟ هل ستنهي احتلالها تجاوبا ً مع رغبة المجتمع الدولي ؟ أم إنصافا ً واعترافا ً منها بمظلمة الشعب الفلسطيني ؟ كل ذلك مستبعد ولا يمكن التعويل عليه ؛ لأن الكيان الصهيوني كلفه الكثير حتى وصل إلى ما وصل .. ومن ثم مشروعه الكبير في أوله ... فلكل شيء ( أدبيات ) نعود لها كي نعرف مصاصها الحقيقي , فمثلا ً سوريا والاحتلال الفرنسي , فالشعب السوري ما كان له أن يحتفل بعيد الجلاء لو لم يقدم الآلاف من الشهداء , ولا يمكن أن يتذوق طعم الجلاء بإنهاء الاحتلال الفرنسي بشكل سلمي .. فهل الشعب الفلسطيني سينال استقلاله الكامل بأروقة المجالس والجمعيات الدولية والمنتديات والمحاكم ... والتي تعود بنهاياتها للقبضة الصهيو – أمريكية وتنصاع دولة الاحتلال لقراراتها ؟!.
إنهاء الاحتلال يقوم على أسس , وهذه الأسس هي , توحيد الشعب الفلسطيني في رؤية واضحة , ونبذ الخلاف والاختلاف , والعودة إلى الفكر المقاوم والممانع الذي يعتبر الضامن لعودة الحقوق المشروعة , فالاحتلال لا يزول إلا بالحديد والنار , وبغير ذلك يعتبر بمثابة الهرف والخرف والقفز بالخيال إلى عالم الميتافيزيقيا .
*كاتب وإعلامي