افراسيانت - بقلم الدكتور بهيج سكاكيني - ساعات وساعات امضيت في التحاليل لما سبق ولما تبع الانتخابات الإسرائيلية وعلى ما يمكن ان تكون تداعياتها وارتداداتها على العلاقات الإسرائيلية الأميركية، وعلى "السلام" المرتقب مع الفلسطينيين في ظل وجود بعض الحالمين والمنسلخين عن الوقائع على الأرض، الى جانب أولئك الذين يقومون بخداع شعبهم للحفاظ على كراسيهم، ومناصبهم، وحياة الرغد والرفاهية التي تحققت لهم لوجودهم في السلطة أو حولها الذين ما زالوا يتحدثون عما سمي "حل الدولتين".
ان الاعتراف المجاني بالكيان الغاصب مهد الى مزيد من الإجراءات العنصرية وممارسة التمييز العنصري القائم ممثلة بمصادرة الأراضي وبناء المستوطنات السرطانية وهدم البيوت.
كل ذلك حتى يتسنى للفلسطيني ان يعيش في بانتوستان شبيه بما كان عليه حال السود في جنوب أفريقيا في زمن حكم التمييز العنصري!!.
الى جانب ذلك انبرت العديد من وسائل الاعلام في الفصل بين التيارات الصهيونية الى حد من السطحية التي ذهب اليها البعض من التمييز بين ما سماه معسكر اليمين ومعسكر اليسار الصهيوني، وأشبعت التحاليل بالتفاصيل الدقيقة وتفاصيل التفاصيل ربما عن قصد او دون قصد لإخفاء الحقيقة القائمة انه لا فرق بين هذه الأحزاب في النهاية اللهم الا في الأسماء.
أما بالنسبة للذين راهنوا على سقوط نتنياهو، وكأن من سيأتي أفضل منه فلا شك انه قد خابت آمالهم. وكانت المراهنة على ذلك نابعة من أن نتنياهو قد أغضب البيت الأبيض الراعي والداعم والأب الروحي للكيان الغير شرعي بكل المقاييس السياسية والأخلاقية والدولية الحقة.
نعم انه قد أغضب الرئيس أوباما ووجه له صفعة واهانة غير مسبوقة وخاصة بالخطاب الوقح الذي تهجم فيه على الإدارة الأميركية وخاصة فيما يخص الملف الإيراني النووي.
ولكن من الضروري ان نتفهم ان العلاقات بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة هي علاقة استراتيجية عضوية علاقة الجسد الواحد وان الاختلاف بين الرئيس هنا والرئيس هناك ما هي الا خلافات هامشية تطال كيفية تحقيق الأهداف الاستراتيجية وعلى الدور الإسرائيلي ضمن هذه المنظومة.
أما عن الجانب الفلسطيني فقد كشفت الانتخابات الإسرائيلية كما هو الحال مرة تلو الاخرى عقم المراهنة على مسار المفاوضات العبثية التي مورست لأكثر من عقدين من الزمن منذ توقيع اتفاقية اوسلوا السيئة الصيت.
فالأحزاب الإسرائيلية ذات الثقل الفاعل لا ترتئي أي حل للقضية الفلسطينية يضمن ابسط الحقوق للشعب الفلسطيني، على الرغم من التنازلات الجمة التي قدمتها سواء السلطة الفلسطينية الحالية أو سابقتها التي أتت بناء على تفاهمات اوسلوا وما تبعها من تفاهمات واتفاقيات شرعت الاحتلال الإسرائيلي إقليميا ودوليا وفتحت الباب على مصراعيه لتطبيع العلاقات معه سواء من تحت الطاولة أوعلنا من خلال إقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية عربية وغير عربية، وخاصة مع الدول الإسلامية والافريقية التي لم تريد ان تكون اكثر كاثوليكية من البابا كما يقول المثل.
فالانتخابات الإسرائيلية تؤخذ من قبل كل الأحزاب الصهيونية على اختلاف الوانها واطيافها للمزاودة والتأكيد على ان هذه الأرض هي ارض إسرائيل "ارض الميعاد" للشعب اليهودي، ومن ثم على العالم ان يعترف بها كدولة يهودية.
ونتنياهو الذي صوره البعض على انه "رجل السلام" وحاول تسويقه على انه يؤمن "بحل الدولتين"، وذلك لاسترضاء الأوروبيين وتجنبا للمقاطعة الاقتصادية المحدودة لمنتوجات المستوطنات اليهودية السرطانية في الضفة الغربية، كشر عن انيابه واكد على ضرورة انتخابه لمنع إقامة "الدولة الفلسطينية".
البعض لا يريد أن يرى ان كل الممارسات لكافة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على ارض الواقع تؤكد على ان إسرائيل غير معنية بالسلام أو حتى بإقامة كيان هزيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وما زال هذا البعض يراهن على عودة المفاوضات مع أية حكومة إسرائيلية قادمة.
ولا يغرنك اجتماع اللجنة المركزية لمنظمة التحرير الفلسطينية والقرارات التي أخذت هناك، فالالتفاف على هذه القرارات يجري على قدم وساق وسرعان ما يذوب الثلج ونرى ما تحته.
خلاصة الكلام هنا ان هذا الكيان الغاصب هو استعمار احلالي اقصائي ولا يمكن التعايش معه وان الفكر الصهيوني بالنظرية والممارسة هو اقصائي وقائم على أسس استيطانية توسعية.
وفكرة "حل الدولتين" هي فكرة ولدت ميتة منذ اختراعها، وهذا ما أثبتته وتثبته الأيام.
ونتساءل الم يحن الوقت للحالمين اسقاط هذه المقولة والكف عن ترديد هذا الكلاشيه التي لم تعد تقنع حتى الطفل الفلسطيني؟
ما اثبتته الانتخابات الإسرائيلية ومنذ مدة ان المجتمع الإسرائيلي ينحى أكثر فأكثر الى مزيد من التطرف ومزيد من رفض الغير (الفلسطيني) ومزيد من سياسة الاقصاء وتغلغل العنصرية حتى النخاع، ليس فقط على الشعب الفلسطيني بل أيضا على المكونات اليهودية وخاصة على اليهود القادمين من الدول الافريقية.
وليس ادل على ذلك رفض أخذ عينة من متبرعة يهودية بالدم لصالح الجنود المصابين. والى أولئك الذين حلموا يوما "بمعسكر السلام" الممثل بحركة ميرتس، فقد تراجعت الأصوات التي تحصل عليها ولا نستبعد خروجها من تحت قبة الكنيست الإسرائيلي في الانتخابات القادمة لعدم حصولها على العدد الكافي من الأصوات اللازمة.
ولقد علق أحد اليساريين في إسرائيل على نتائج الانتخابات على انه "يجب تغيير الشعب". الشيء الإيجابي الوحيد الذي حصل في هذه الانتخابات هو توحد الصف العربي الفلسطيني في أراضي 48 وحصولهم على 13 مقعد كتلة موحدة، بالإضافة الى ان النسبة المئوية للتصويت في صفوف الشعب الفلسطيني في الداخل بلغ ما يقرب من 73 %.
ولا شك ان هذا الجهد الموحد أتى على خلفية هجوم مكثف وشرس للحكومة الإسرائيلية ومؤسساتها التي تطبق سياسات عنصرية تجاه السكان العرب الفلسطينيين سواء في المجالات التعليمية او الصحية أو الخدمات الاجتماعية، هذا بالإضافة الى العمليات المستمرة لمصادرة الأراضي وعلى نطاق موسع كما كان الحال في مشروع إفراغ النقب من سكانه الاصليين ومصادرة أراضيهم بالكامل وهو ما سمي بمشروع برافر.