افراسيانت - الأمر السخيف في حملة رجال نتنياهو من أجل إصلاح الضرر الكبير في خطاب “إسبرطة العظمى” الذي ألقاه، محاولة لتأطير أقواله كزلة لسان. هذا بحد ذاته تجديد للقواعد. زلة اللسان تعتبر في القاموس “قولاً انطلق من الفم بدون قصد”، (مثل الحالة التي سمى فيها ابنه الصغير افنر بـ “أبراهام”). لكن هذا ليس هو ما حدث هنا.
نتنياهو قرأ خطابه من ورقة. من المعروف أن هذا الشخص يحرص على خطاباته، يراجعها عدة مرات، يشطب ويضيف، وبالتأكيد خطاب اقتصادي سيلقيه في منتدى اقتصادي مهم.
الفقرة التي يدور الحديث عنها كانت بليغة ومبررة، وللأسف واقعية. فاعتبارها “زلة لسان” يشبه الشخص الذي يشتري بندقية وذخيرة مناسبة لها لتنفيذ عملية اغتيال. هو يتدرب على إطلاق النار، تنظيف السلاح، والتموضع على سطح بيت ويصوب نحو الهدف لفترة طويلة ويضغط على الزناد، وفي التحقيق يقول: انطلقت الرصاصة بالخطأ أثناء صيده للعصافير.
لكن بالنسبة للشخص الذي تعود على الكذب والنفي، ما هي الفائدة من محاولة أخرى لإخفاء الحقيقة، مهما ظهرت هذه الحقيقة فارغة ومثيرة للشفقة؟ لذلك، لا يمكن للمرء إلا التساؤل عن حالة رئيس الوزراء النفسية عند كتابة الخطاب. هل كان متزناً؟ كئيباً؟ مكتئباً؟ انهزامياً؟ البروفيسور حجاي لفين، رئيس جمعية أطباء الصحة العامة (الذي هو ليس طبيباً نفسياً)، يعتقد أن على نتنياهو عرض نفسه على أخصائي لفحص مستوى لياقته العقلية لأداء دوره. ظاهرياً، لهذه التوصية أساس. كان يمكن استخلاص ذلك بالتحديد من اليوم التالي للمؤتمر الصحافي المتسرع الذي عقد لإصلاح “سوء الفهم”، كما قال نتنياهو؛ سوء الفهم هو من مسؤولية المستمع، ومرة أخرى: جميعنا المسؤولون باستثنائه هو.
إذا كان سلوكه في الخطاب الأصلي يوحي بالاكتئاب، فقد شاهدنا مرحلة الهوس في اليوم التالي. “لي ثقة كاملة باقتصاد إسرائيل”، صرح في المؤتمر الصحافي. (المشكلة أن الاقتصاد لم يعد موثوقاً به). “الاقتصاد قوي جداً، وهو يدهش العالم. الأسواق تدرك فائدة الاستثمار في إسرائيل”. فائدة؟ في دولة على شفا العزلة الدولية؟ الأداء المزري والمثير للشفقة لم يخفف الضرر الذي لحق بالأسواق ولو بمايكروغرام، والأهم من ذلك أنه لم يخفف الصدمة الجماعية التي أصابت إسرائيل العاقلة والمنتجة، والتي تئن تحت عوائق حكومة هذا الشخص الخبيثة.
خلال ذلك، فتح جبهة زائدة مع الصين، التي اتهمها بفرض “الحصار” على إسرائيل مع قطر، بعد بضعة أيام على إعطاء الأمر للهجوم المجنون والفاشل في الدوحة، الذي وحد العالم العربي كله ضد إسرائيل. ومثل مشعل الحرائق، الظلامي والمريض، يقفز بين الساحات وهو يحمل وعاء وقود، يصب ويشعل، يشعل ويصب، ولا يعرف الشبع.
أثناء لقاء في مكتبه، تصرف بفظاظة مع المراسل الممتاز في قناة “كان” ميخائيل شيمش، وقدم درعاً واقياً للمشتبه فيها التي رفضت التحقيق معها، ماي غولان، وشوه سمعة رئيس الأركان إيال زامير الذي اتهمه بـ “التردد” بسبب موقفه من عملية “عربات جدعون 2” لاحتلال غزة.
كل “الداعمين” الذين خرجوا في ذلك المساء، تطرقوا إلى الموضوعين الأخيرين. ولكن موضوع الاقتصاد وموضوع سوء الفهم تم تجاهلهما وكأنهما صوت بجع. شهادة التأهيل التي أعطاها لغولان، إضافة إلى هجومه على المستشارة القانونية للحكومة والمدعي العام، اللذين تجرآ على إعطاء أمر بالتحقيق مع مشبوهين في الحكومة وفي الائتلاف، أوضحت إلى أي درجة نتنياهو “نقطة الصفر” البشرية للفساد والانحلال في إسرائيل. ورم عام عنيف ينتشر بسرعة.
لولا المعايير العصابية التي تركها هنا بحزم خلال سنوات التحقيق معه ومحاكمته، فإن شخصية تافهة مثل غولان، لم تكن لتتجرأ على التهرب من التحقيق معها، ومقارنة غالي بهراف ميارا مع المومسات والمدمنات، اللواتي تربت معهن في شبابها.
أمس، بعد أن أخفتها في شقتها التي تتمتع بالحصانة لعدم دخول الشرطة، أرسلت والدتها ريمونا إلى قسم التحقيق 433 بعد أن تم إعدادها جيداً حتى تظهر بعد فترة قصيرة في مركز الشرطة وتجر والدتها إلى الخارج، وهي تصرخ على رجال الشرطة المندهشين. كل مستشاريها الذين تم اعتقالهم سيكونون شهود نيابة ضدها، أحدهم سيكون شاهداً ملكياً.
إذا أدينت وحكم عليها ببعض المخالفات المنسوبة إليها فربما تصل إلى سجن “نفيه ترتسا”، وربما الالتقاء مع بعض معارفها السابقين، على فرض أنه سيتم رفع حصانتها في لجنة الكنيست، وهو الأمر غير المؤكد. الائتلاف فيه أغلبية. وإذا كان هناك شيء تتقنه هذه العصابة فهو حماية أعضائه، ولا أحد يعرف متى سيحتاجون هم أنفسهم إلى هذه الحماية.
فشل فظيع
ما هذه الروح العالية والنشوة التي شاهدناها هذا الأسبوع لدى الوزيرين سموتريتش وبن غفير؟ الأول يتحدث بعيون لامعة عن “طفرة العقارات” في القطاع وعن المفاوضات التي يجريها مع الأمريكيين حول “توزيع نسبة” الأراضي الموروثة. والآخر يصرخ بغضب في لقاء للشرطة ويعد بإقامة حي لرجال الشرطة في القطاع يطل على البحر، “بنايات شاهقة مع كل الأدوات”. وفي الوقت الذي يقتل فيه الجنود ويصابون، ويتم تعذيب المخطوفين تحت الأرض واستخدامهم كدروع بشرية فوقها، يحتفل هذان المشاغبان بأوهامهما المسيحانية.
كلاهما السبب الرئيسي للعملية الحالية، الغبية والدموية، في القطاع. وإن كانت المسؤولية الحصرية للرأس. “عربات جدعون 2” ستصبح فصلاً مظلماً بشكل خاص في تاريخ هذه الحرب الفظيعة. مرة أخرى، دخول جنود الجيش الإسرائيلي بدون هدف محدد إلى منطقة حضرية خطيرة، وتشبه محاولة تطهيرها كلياً، هي محاولة إخراج المياه بدلو من قارب مثقوب. مرة أخرى، مئات آلاف الفلسطينيين المعدمين يعانون من الجوع ويهربون من القصف نحو الجنوب، ومئات القتلى المدنيين يضافون إلى العدد المعروض في كل العالم، الذي يعتبر إسرائيل دولة وحشية ومنفصلة وتقاد على يد يمين متطرف وبربري، ورئيس حكومة منفلت العقال فقد عقله.
في الأسبوع القادم، سيضاف إلى لقب “السيد تخلي”، الذي تم إلصاقه (بحق) بنتنياهو، لقب “السيد فلسطين”. دول غربية كثيرة ودول ديمقراطية كبيرة التي بدأت إسرائيل تبتعد عنها، قد تعلن عن اعترافها بالدولة الفلسطينية، بشروط معينة أو بدون شروط. الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، ستكون تاريخية بكل معنى الكلمة.
بعد انتهائها الجمعة القادم، سيصعد مؤسس فلسطين، رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو، إلى المنصة في مشهد معروف مسبقاً، للعب دور الضحية، وسيوجه الاتهامات العنيفة مع سلسلة من الشعارات المعروفة: “كارثة يهود أوروبا”، “مذبحة 7 أكتوبر”، “هدية لحماس” و”نفي الصهيونية”. ستكون لغته الإنجليزية رائعة، وألاعيبه المعروفة ستملأ فضاء القاعة، لكن رائحة الفشل ستتغلب على كل شيء. “لماذا الآن؟”، سألت دبلوماسياً غربياً كبيراً مطلعاً على الأمور. “النقاش حول التوقيت مشروع”، اعترف. “لكن لنا رداً، لأن فكرة الدولتين هي الآن في خطر غير مسبوق. واقع البناء منفلت العقال في المستوطنات، البناء في منطقة إي1، سرقة الأراضي الفلسطينية، وضع اليد على مناطق وطرد السكان من قراهم ومن أراضيهم، إضافة إلى عنف المستوطنين المتزايد – كل ذلك تهديد كبير لحل الدولتين”.
نتنياهو يتهمكم بإعطاء هدية لحماس، لا سيما بعد 7 أكتوبر، قلت له. “هذه وبحق ليست هدية لحماس”، قال. “بالعكس، حماس تطمح إلى دولة واحدة إسلامية على حساب إسرائيل. نشرنا في نهاية تموز بياناً مشتركاً مع كل الدول الأوروبية تقريباً، ودول أخرى مثل كندا وأستراليا، وتركيا، والجامعة العربية، ودول إسلامية مثل إندونيسيا، الذي طالب بإنهاء الحرب وطرد حماس من القطاع ونزع سلاحها وتحرير جميع المخطوفين. وهي وافقت على التوقيع بشرط أن تعترف بريطانيا وفرنسا بالدولة الفلسطينية. ربما تكون هذه فرصة جيدة لإسرائيل لفتح صفحة جديدة.
الادعاء في إسرائيل، الذي ينشره رئيس الحكومة ووزير الخارجية ساعر، هو أن رؤساء أوروبا خضعوا لضغط المهاجرين المسلمين الذين يزداد عددهم في بلادهم، قلت. “هذا ادعاء يوازي ما قيل في حينه، وهو أن اليهود يسيطرون على اقتصاد العالم. المهاجرون المسلمون اندمجوا في الدول التي استوعبتهم، وأصبحوا جزءاً من السياسة، والاقتصاد والثقافة”، قال الدبلوماسي الغربي.
نتنياهو يهدد العالم بأن “خطوة أحادية الجانب من قبلكم ستواجه بخطوة أحادية الجانب من قبل إسرائيل. ويلمح بوضوح إلى ضم مناطق في الضفة الغربية. كيف ستردون، وهل ستردون؟” سألت. “بالتأكيد”، قال وأضاف. “سيكون الجواب قاسياً جداً. ثمة عقوبات أخرى ستفرض، في مجال التجارة والاقتصاد بالأساس. سيكون هذا أخطر بكثير مما يحدث الآن. يجب ألا يخطئ أحد في إسرائيل ويفكر بأننا سنعترف بالدولة الفلسطينية فيما تقومون بضم مناطق، وهكذا ينتهي الأمر. كل ضم – بالنسبة لنا لا يوجد ضم رمزي – سيستدعي تدهوراً خطيراً في العلاقات مع إسرائيل”.
ما الذي سيحدث إذاً؟ تساءلت بيأس. “الأسابيع القادمة ستكون مهمة جداً”، رد بشكل دبلوماسي.
يوسي فيرتر