افراسيانت - بقلم: الدكتور هشام عوكل – أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولية - لم يعد سراً أن زيارة وزير الخارجية الأمريكية "ماركو روبيو "إلى إسرائيل في توقيتها وسياقها، تمثل أكثر من مجرد لقاء دبلوماسي عابر. إنها تشكل إشارة واضحة إلى تحول جوهري في السياسة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية يتجاوز إطار "ضمان أمن إسرائيل" أو الرد على حملة فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة ٫ ليصل إلى إعادة صياغة كاملة للقضية نفسها — من قضية وطنية ذات طابع سياسي وقانوني إلى ملف إنساني–إغاثي قابل للإدارة والتفكيك.
في هذا السياق لم تعد غزة تُنظر إليها كأرضٍ محتلة تمتلك حقاً تاريخياً وقانونياً في التحرر بل كمساحة مُهدمة تحتاج إلى "إدارة أزمة" حيث يُختزل الفلسطيني من مواطن صاحب أرض وحقوق سيادية إلى فرد مُحتاج يُطلب منه فقط تقبّل المساعدات والرحيل. هذا التحول اللغوي ليس تطوراً شكلياً بل هو تحول استراتيجي مقصود: تفريغ القضية من بُعدها السياسي وتحويلها إلى مشكلة إنسانية مؤقتة يمكن حلها عبر توزيع السكان لا عبر استعادة الحقوق.
ويمكن قراءة هذا التحول في ضوء الضغوط المتزامنة الموجهة ضد مصر، والتي لا ترتبط فقط بسد النهضة بل تشكل جزءاً من منظومة ضغط شاملة تهدف إلى تقويض قدراتها الاستراتيجية ودفعها نحو قبول سيناريو يُعيد ترتيب الوضع في غزة فالمياه كمورد حيوي لم تعد مجرد مصدر للحياة بل أصبحت أداة ابتزاز سياسية تُستخدم لخلق حالة من الاستنزاف المائي والاقتصادي تجعل من قبول "استقبال لاجئين فلسطينيين" تحت شعار "الاستجابة للأزمة الإنسانية" الخيار الوحيد الممكن أو على الأقل الأقل سوءاً.
"لعنة الجغرافيا الفلسطينية "
أما في الجانب الفلسطيني الداخلي فإن الخطة المرسومة لا تسعى إلى تحقيق حل سياسي بل إلى إعادة تشكيل المعادلة الداخلية بشكل جذري:
حركة حماس ليست مجرد حركة مقاومة تُواجه بالقوة بل تُستهدف وجودياً: عبر نزع الشرعية عنها وتصويرها كسبب كل المآسي لتُزال من المشهد السياسي كطرف فاعل وتُحوّل إلى "إرهابية" تُبرر كل إجراء عسكري ضدها.
السلطة الوطنية الفلسطينية رغم ضعفها لا تُستبعد بل تُعاد إدخالها — ليس كسلطة سيادية تفاوض أو تبني دولة بل كواجهة إدارية شكلية تُستخدم لتبرير التدخلات الخارجية وتُعطي طابعاً "شرعيّاً" لعمليات التهجير والإعمار المُحظر.
لكن الأمر لا يتوقف عند حدود الضفة وغزة. فالمخطط يتضمن تدويل عملية التهجير: هناك إشارات متزايدة من دول في شرق آسيا وأفريقيا تُظهر استعداداً لاستقبال أعداد من الفلسطينيين، تحت مسميات "التضامن الدولي" و"المسؤولية الجماعية" وهكذا يُقسَّم الشعب الفلسطيني إلى جاليات متناثرة مُوزعة بين مخيمات في مصر واردن ومراكز إنسانية في أندونيسيا أو السنغال كلها تُدار تحت رايات إنسانية لكنها تُمحِّي جوهر الهوية الوطنية والحق في الأرض.
وفي خلفية هذا السياق تُمارس اسرائيل وامريكا سياسة ممنهجة لمنع إعادة إعمار غزة: حرمان القطاع من مواد البناء وتأخير ترميم المستشفيات وإبقاء البيوت مهدمة ليس كنتيجة لعجز أو إهمال بل كجزء من ضغط نفسي واستراتيجي: لجعل الحياة في غزة غير قابلة للعيش ولتحويل "الخروج" من الخيار الأخير إلى الخيار الوحيد.
"الرادارات العمياء"
ولا يمكن فصل الضربة الإسرائيلية التي استهدفت أهدافاً في قطر عن هذا السياق. فهذه الضربة — مهما كانت تفاصيلها الدقيقة — ترسل رسالة واضحة: حتى الدول التي تقدمت خطوات نحو التطبيع أو تلعب أدواراً وساطية لن تكون بمنأى عن العقاب إذا خرجت عن الخطوط الحمراء التي ترسمها واشنطن وتل أبيب. وجود القاعدة العسكرية الأميركية الكبرى في قطر لم يمنع سقوط الصواريخ ما يفضح حقيقة الحماية الأميركية: فهي لا تحمي الحلفاء بل تحمي إسرائيل فقط. أما باقي الحلفاء، فهم أدوات قابلة للإيقاف أو التضحية،
"مصلحة المشروع الاستراتيجي"
1. تدويل التهجير توزيع الفلسطينيين قسرًا في إفريقيا وآسيا تحت ستار "إعادة التوطين".
2. ممارسة الضغط على مصر من خلال استخدام الماء والاقتصاد لتجنيد مصر كشريك غير مباشر في التفكيك.
3. تحويل الفلسطيني من صاحب حق إلى "مشكلة إنسانية" تُحل بالتهجير لا بالعودة.
4. الأرض لم تعد وطنًا، بل فراغًا يُعاد تخطيطه باسم "التنمية"..
5. الحديث عن "صفقة كاملة": إطلاق 48 رهينة مقابل تفكيك حماس هو ليس تسوية... بل تفكيك مقاومة وتسليم للتهجير وتصفية للمشروع الوطني بأكمل
زاوية حادة تسئل تقول؟
إن فضح هذا المسار ليس مسألة تضامن بل واجب سياسي وأخلاقي لأنه إذا تمت إضاعة الأرض تحت غطاء الإغاثة فلن يبقى للشعب الفلسطيني شيء يُطالب به... إلا ذكريات.