افراسيانت - لطفي العبيدي - علامات خيبة أمل من أهداف نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة، الذين استبعدوا إنهاء القتال رغم الضغط الشعبي للتوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن المتبقّين لدى حماس. هذا الفشل المستمر، الذي يفضح هشاشة التخطيط العسكري،
ويطرح تساؤلات حقيقية حول قدرة الجيش على السيطرة على القطاع، إذا تم الشروع في احتلاله، كما يريد نتنياهو ومجموعته من المتطرفين، يثير الجدل الأوسع حول مسار الحرب ويُفاقم الغضب في الداخل مع عدم وجود نهاية في الأفق.
جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي يخوض حرب نتنياهو الأبدية، موجود في غزة منذ ما يقارب العامين. ومع ذلك لم يتمّ القضاء على حماس، ولم ينجح في استعادة الرهائن، ولم تُحقّق الأهداف الأولية التي وضعها نتنياهو بعد عملية 7 أكتوبر 2023. استطلاعات الرأي كما ذكرت «فايننشال تايمز» البريطانية، أشارت إلى أن أكثر من 60% من الإسرائيليين يريدون من نتنياهو إبرام صفقة مع حماس لإعادة الرهائن المتبقين، حتى لو كان ذلك يعني إنهاء الحرب.
لكن رئيس الوزراء، تحت ضغط من حلفائه السياسيين من اليمين المتطرف، أمثال سموتريتش وغيره، تعهّد بعدم وقف القتال، حتى يتم القضاء على حماس، رغم ارتفاع أصوات أحزاب المعارضة وعائلات الرهائن، التي تعتبر أن التصعيد سيُعرّض حياة الأسرى في غزة للخطر، مُجادلةً بأن الحرب تُسيّس لضمان بقاء ائتلاف نتنياهو، مع تصاعد التحذير في الأوساط العسكرية من استنزاف متزايد في القوة المقاتلة.
على مدى تاريخها، اختارت إسرائيل خوض حروب قصيرة وحاسمة، وكانت معظم الحملات تُقاس بالأيام والأسابيع، لتقليل العبء على جنود الاحتياط، الذين ستستدعيهم لتعزيز الجيش النظامي. وحتى الآن، ليس من الواضح إلى أي مدى تستطيع قوات الاحتلال الإسرائيلية تحمّل المزيد. محللون إسرائيليون يحذرون من أن جنود الاحتياط قد يتخلّفون مرّة أخرى،
إذا شعروا بأنهم مُلزَمُون بالتضحية بأنفسهم لتحقيق أهداف اليمين المتطرف المتمثلة في إعادة بناء المستوطنات في غزة وطرد جميع الفلسطينيين، وليس فقط تدمير حماس واستعادة الرهائن. ما يدعم ذلك مثلا أنّ بعض جنود الاحتياط ينهارون بسبب الظلم المتمثل في التضحية، بينما لا يتم تجنيد الغالبية العظمى من الرجال المتديّنين المؤهلين للتجنيد على الإطلاق.
فقد قضت المحكمة العليا الإسرائيلية العام الماضي، بأن الدولة لابدّ أن تبدأ في تجنيد الحريديم، بعد عقود من التأخير. ولكن من بين نحو 80 ألف شخص مؤهلين للتجنيد، لم يتم تجنيد سوى بضع مئات فقط. وفي الوقت نفسه، تعمل الحكومة بشكل محموم على صياغة قانون، لجعل الإعفاء الجماعي دائما لأكبر عدد ممكن من فئة الحريديم هذه. منذ يناير 2024 اعتبرت الأمم المتحدة ان غزة أصبحت غير صالحة للسكن. في الأثناء، بنيامين نتنياهو لا يسعى لتحرير غزة من حماس، بل يسعى لتفريغ غزة من سكانها الفلسطينيين.
وهذا يعني أن إسرائيل تسعى إلى تحقيق المشروع الإجرامي لإسرائيل الكبرى، بهدف «أقصى قدر من الأرض، وأدنى عدد من العرب». ويتجلّى هذا الهدف بوضوح في عمليات التهجير القسري المستمرة في الضفة الغربية والدعوات إلى «إعادة توطين» غزة.
الحفاظ على تحالف نتنياهو مع اليمينيين المتطرفين، والحفاظ على ائتلافه الحاكم في السلطة، وبقاؤه هو في منصبه، عوامل رئيسية في دوافع نتنياهو لإبقاء إسرائيل في حالة حرب.
من الصعب وصف الألم الذي يشعر به الإنسان وهو يشاهد شعبه يُدمَّر. ومن الأصعب تصوّر تصعيد إسرائيلي جديد، بعد أن شهدنا الكثير من المعاناة والجرائم التي ارتُكبت بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. أمام كل هذا تساءلت «الغارديان» البريطانية: كيف يُسمح بحدوث ذلك أمام أنظار العالم طوال هذه المدة؟
هل سيقف العالم مكتوف الأيدي؟
هكذا يظهر المشهد في لبنان أيضا محمّلاً بخسائر فادحة على المستويين السيادي والإنساني، ويؤكد أن الحلّ الجذري لا يكمن في مغامرات عسكرية، بل في إنهاء الاحتلال بجميع أشكاله.
لبنان بلد المقاومة المساندة لفلسطين، التي قدّمت التضحيات، يشهد اليوم واقعا جديدا يتمثل في احتلال إسرائيلي مفتوح الأمد لجزء من أراضيه، فبينما يواصل الاحتلال الإسرائيلي خرق القوانين الدولية بلا رادع، يجد لبنان نفسه في قلب معركة لم يخترها شعبه، بل فُرضت عليه، نتيجة حسابات سياسية وعسكرية.
وفي لحظة سياسية فارقة تتقاطع فيها الضغوط الخارجية مع الانقسامات الداخلية، والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، جاء قرار الحكومة اللبنانية الأخير بشأن تسليم سلاح المقاومة، ليشكّل نقطة تحوّل خطيرة في مسار الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
قرار يخضع لضغوط أمريكية إسرائيلية واضحة، لتوسيع حدود الهيمنة وتحجيم المقاومة، التي تُعرقل مشروع إسرائيل وطموحها في التوسع على حساب الدول العربية المجاورة، وليس فلسطين فقط. في الأثناء، إدارة ترامب تنظر إلى زيادة الضغوط باعتبارها النهج الأفضل لنزع سلاح حزب الله، لكن الطريق الأسهل ليس دائما هو الطريق الصحيح، فتصعيد الضغط على الحزب يغذّي الحجج نفسها التي يقوم عليها دعمه، وأبرزها مقاومة العدوان والاحتلال الأجنبي، وهذا الدعم لا يمكن شطبه بالرغبات ولا تجاهله بالإنكار.
يأتي هذا المشهد اللبناني الذي لخّصه «ناشيونال أنترست» بعد نحو عام من الهجمات المتبادلة بين حزب الله وإسرائيل، التي شرّدت عشرات الآلاف على جانبي الحدود، وسط دمار واسع في جنوب لبنان ذي الغالبية الشيعية، واحتلال إسرائيلي لخمس نقاط رئيسية داخل الأراضي اللبنانية. ورغم الوساطات الأمريكية التي أفضت إلى هدنة في نوفمبر، سرعان ما تبيّن أنها ليست أكثر من غطاء لمواصلة العدوان، عبر غارات شبه يومية على مواقع حزب الله، وحتى على العاصمة بيروت أحيانا.
كان الحفاظ على تحالف نتنياهو مع اليمينيين المتطرفين، وبالتالي الحفاظ على ائتلافه الحاكم في السلطة، وبقاؤه هو في منصبه، عاملا رئيسيا في دوافع رئيس وزراء مطلوب للعدالة الدولية، لإبقاء إسرائيل في حالة حرب.
وربما يجدّد حربا أخرى مع إيران، فقد بات واضحا الآن أنّ إسرائيل، وليس واشنطن، هي من بات يُحدّد متى يتمّ تجاوز الخط الأحمر الذي يستدعي التدخل العسكري، بعدما أرست سابقة واضحة في هذا الاتجاه. ومع ذلك، ستواصل الولايات المتحدة توفير القدرات والدعم العسكري عند الحاجة. وهي القادرة على إنهاء حرب الإبادة والتجويع في غزة، بمجرّد وقف الدعم العسكري والضغط على تل أبيب، فالإدارة الأمريكية تُدرك دون أدنى شك أنّه لا يوجد ما يدعو للاعتقاد بأن الهجوم المستأنف في شكل احتلال مباشر، سيحقق نجاحا أكبر في تجسيد الهدف المعلن المتمثل في تدمير حماس مقارنةً بالهجمات المدمّرة التي استمرت 22 شهرا. بل سيكون الهجوم مرحلة أخرى من التطهير العرقي الإسرائيلي للعرب الفلسطينيين.
في المحصلة، عارهم يمشي عاريا، فمجرم الحرب نتنياهو يواصل القتل وسياسة التجويع، ويرفض أي وساطة لوقف الانتهاكات الإنسانية اليومية ضد الأبرياء في غزة المنكوبة، أمام صمت دولي وخذلان عربي وعجز أممي، لا يقوى هؤلاء جميعهم على فرض عقوبات على دولة خارجة عن القانون، تمارس الاحتلال والإرهاب، وتُمعن في القتل والتجويع.