الانتخابات التركية : ماذا يجري بالخفاء؟

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - تقف تركيا اليوم على أعتاب انتخابات حاسمة ستكون من بين أكثر الانتخابات أهمية للشعب التركي لما لها من قيمة رمزية كبيرة، إذ ستجري في بداية المئوية الثانية للجمهورية التركية، وستحدد القائد الذي سينقل تركيا إلى القرن المقبل.


اختيار الرئيس رجب طيب أردوغان 14 من مايو/أيار موعدًا لإجراء الانتخابات المقبلة لم يأت من فراغ أو مصادفة، بل هو اليوم الذي أنهى فيه الحزب الديموقراطي بقيادة عدنان مندريس بالتصويت الشعبي عام 1950 فترة الحزب الواحد الذي سيطر على الجمهورية التركية منذ تأسيسها عام 1923.


هذه الانتخابات ستكون على نفس القدر من الأهمية بالنسبة للعديد من الملفات الإقليمية والدولية التي لعبت فيها تركيا دورًا نشطًا خلال السنوات الماضية.


أثبتت الحرب الروسية على أوكرانيا من جديد أهمية الموقع الجيوسياسي لتركيا، خاصةً لحلف الناتو، لذلك لا غرابة أن نرى الأوروبيين والروس والأوكرانيين والأمريكيين، يراقبون عن كثب النتائج التي ستتمخض عنها هذه الانتخابات وتداعياتها المستقبلية على العديد من الملفات الحساسة التي تنخرط فيها تركيا.


ويعكس ذلك اهتمام الصحف الأمريكية والغربية البارزة، التي سارعت إلى إنشاء مساحات وزوايا مخصصة لتحليلات عن الانتخابات المقبلة، القاسم المشترك بين أغلب هذه التحليلات هو الهجوم على النظام الرئاسي في تركيا - وهو ما تتبناه المعارضة التركية أيضًا - وتآكل دور المؤسسات، وانتقاد سياسات الرئيس أردوغان تجاه الغرب ووصفه بـ"الديكتاتور"، واتهامه بتحويل تركيا إلى دولة إسلامية واستبدادية، إضافة إلى غياب حرية الصحافة والمجتمع المدني الحر في البلاد، ويبدو الهدف من ذلك هو التأثير على خيارات الناخب التركي وتقديم الدعم للمعارضة وترويج تصور لدى الشعوب والمسؤولين الغربيين بأن تركيا دون أردوغان ستكون أفضل للغرب.


في مطلع العام الحاليّ نشرت شبكة بلومبيرغ الأمريكية مقالًا للصحفي الشهير بوبي غوش أشار فيه إلى أن نتيجة الانتخابات التركية ستشكل الحسابات الجيوسياسية والاقتصادية في واشنطن وموسكو، وكذلك في عواصم أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى وإفريقيا.


وأضاف غوش "القادة الغربيون سيكونون سعداء برؤية ظهر أردوغان" في إشارة إلى خسارته الانتخابات المقبلة، مضيفًا أن أردوغان قوض أمن الناتو من خلال الحصول على أنظمة دفاع صاروخية من روسيا، ستكون الولايات المتحدة وأوروبا في وضع أفضل دون تأثير أردوغان المربك في الشؤون العالمية، خاصة مع اشتداد المواجهة مع فلاديمير بوتين.


تشير المعلومات المؤكدة ان الامريكيين ومنذ فبراير الماضي يجرون اتصالات مكثفة مع مرشحي المعارشة وان هذه الاتصالات تهدف الى ايجاد منفذ للسياسة الامريكية في مسار الفائز ان كان من المعارصة .


على الرغم من الخلافات بين البلدين بشأن عدد من الملفات، فإن تركيا أثبتت أنه لا يمكن تجاوزها من الحسابات الأمريكية، فقد كانت العلاقة بين الولايات المتحدة وتركيا معقدة، اتسمت بفترات من التعاون والتوتر مع مجموعة من القضايا الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تُعقّد علاقاتهما الثنائية، مع ذلك تسلط الانتخابات التركية المقبلة الضوء على مستقبل العلاقات بين البلدين مرة أخرى، حيث يتساءل الكثيرون عن الحسابات الأمريكية في هذه الانتخابات.ولا ننسى هنا بان العلاقات مع حلف الناتو ايضا يشوبها التوتر خاصة بعد رفض تركيا الموافقة على انضمام السويد الى الحلف ما لم تلبي شروطها واهمها التوقف عن ايواء اعضاء من المعارضة ومن الاحزاب الكردية التي تصنفها تركيا منظمات ارهابية وهو ما لم تلتزم به السويد .


لقد دفعت هذه التوترات العديد من صانعي السياسة الأمريكيين إلى انتقاد سياسات أردوغان بشكل صريح، وبعضهم طالب الولايات المتحدة بقطع المساعدات عن تركيا أو اتخاذ إجراءات عقابية أخرى.


ومع ذلك، امتنعت الولايات المتحدة عن اتخاذ إجراءات عقابية قاسية ضد تركيا باستثناء بعض العقوبات على عدد من المسؤولين الأتراك وتعليق مشاركة تركيا في برنامج تصنيع الطائرات المقاتلة (إف-35)، ويعود ذلك إلى عدة أسباب أهمها: أولًا، لا تزال تركيا حليفًا إستراتيجيًا مهمًا للولايات المتحدة، لا سيما بالنظر إلى موقعها الجيوسياسي، ثانيًا، كانت الولايات المتحدة مترددة في اتخاذ إجراءات قاسية ضد تركيا، لأنها تخشى أن تدفع هذه الإجراءات الحكومة التركية إلى تعزيز علاقاتها مع روسيا أو القوى المعادية الأخرى.


على الرغم من هذه المخاوف، لم تتردد الولايات المتحدة في استخدام نفوذها لمحاولة تشكيل الأحداث في تركيا، فعلى سبيل المثال، في الفترة التي سبقت انتخابات 2018، أعربت الولايات المتحدة عن دعمها لأحزاب المعارضة، ولم تنجح هذه الجهود إلى حد كبير، فقد تمكن أردوغان وحلفاؤه من تحقيق نصر حاسم في الانتخابات، ومع ذلك، يعتقد بعض صانعي السياسة الأمريكيين أن الولايات المتحدة يجب أن تستمر في الضغط حتى لو كان ذلك يعني اتخاذ مواقف أكثر تصادمية تجاه الحكومة التركية.


تبذل واشنطن جهودًا جبارة لحرمان أحد شركاء روسيا الرئيسيين، وهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من السلطة، فالولايات المتحدة غير راضية بالمرة عن سياسة أنقرة سواء من حيث التفاعل مع موسكو أو في عدد من القضايا الأخرى.

إحدى الصحف التركية الشهيرة نشرت على الإنترنت معلومات عن "خطة قذرة" تنوي الولايات المتحدة تنفيذها في تركيا؛ سمتها خطة جلب زيلينسكي إلى السلطة في هذا البلد، بما يعني البحث عمن يلعب دور زيلينسكي ليكون حليفًا لأمريكا في تركيا.

وبحسب الصحيفة ؛ فإن الولايات المتحدة تخطط لجر روسيا وتركيا إلى الصراع في سوريا، وفي البحر الأسود وفي آسيا الوسطى، خاصة بعدما تحولت روسيا في حربها في أوكرانيا إلى تكتيكات حرب العصابات التي تطيل أمد الحرب بشكل يتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.

وذكرت الصحيفة أنه إذا فشلت الحرب الربيعية الأوكرانية التي تعدها واشنطن، فستعمد أمريكا إلى خلق أزمات لروسيا في أكثر من مكان؛ وعلى رأس هذه الأماكن تركيا، نظرا لموقعها الجغرافي وتقاطع المصالح مع موسكو في عدد من المناطق، ولكن العقبة الوحيدة التي أمامها هي الرئيس التركي الحالي؛ رجب طيب أردوغان.


وأوضحت الصحيفة أنه في بداية حكم أردوغان - قبل عشرين عامًا - لم يكن لدى الولايات المتحدة مشاكل معها؛ فقد كان انتهج الرئيس التركي الحالي - حينها - سياسة خارجية موجهة نحو أوروبا وأمريكا، داعيًا للتقارب مع شركاء حلف شمال الأطلسي "الناتو" ومع أوروبا، فيما أشاد الغرب به بعدما تمكن من إخراج تركيا من أزمتها الاقتصادية.

وتابعت الصحيفة قائلة إن تركيا بدأت تتجه نحو الشرق؛ بدءًا من عام 2014 عندما انتقل أردوغان من رئاسة الوزراء إلى الرئاسة، أو بدءًا من عام 2016، عام الانقلاب الفاشل وما أعقبه من أزمة رفض واشنطن تسليم فتح الله غولن، أحد من تتهمهم أنقرة بالتخطيط للانقلاب - إلى المحققين الأتراك؛ فبدأت تركيا باتباع سياسة خارجية أكثر استقلالية عن الغرب.

ونقلت الصحيفة عن فلاديمير أفاتكوف، أستاذ العلوم السياسية ورئيس قسم الشرق الأدنى وما بعد الاتحاد السوفييتي في مركز "إينيون راس"، قوله: "هذا ليس مفاجئًا؛ ففي النهاية  لم يعجب أردوغان أطماع زملائه في الخارج في ما يتعلق بتركيا؛ حيث تحتاج أمريكا إلى تركيا إما خاضعة تمامًا للمصالح الأمريكية، أو منطقة من الفوضى وجزءًا من قوس عدم الاستقرار".

في الوقت نفسه، أصبحت العلاقات مع روسيا أهم عنصر في سياسة تركيا السيادية الجديدة؛ فبفضل موسكو تمكنت تركيا من الخروج من معسكر المهزومين في سوريا، وتمكنت من تنويع ناقلاتها الغربية، فضلًا عن تحقيق الطاقة، وحتى السيادة العسكرية إلى حد ما.


الأمريكيين، لم يعجبهم مثل هذا التقارب؛ حيث حاولوا التخلص من أردوغان من خلال دعم انقلاب عام 2016؛ فقد كانت هناك العديد من المؤشرات على أن أجهزة المخابرات الأمريكية (أو بالأحرى وكالة المخابرات المركزية) كانت وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، لكن الانقلاب فشل وتمكن أردوغان من التملص من المتآمرين، وبعد ذلك قام بعملية تطهير واسعة النطاق للعناصر غير الموالية من الدوائر الأمنية والصحفية والبيروقراطية وغيرها.

يبدو أن واشنطن تستعد الأن لمحاولة أخرى وذلك لعدة أسباب؛ أولها أنه في الوقت الحالي ازدادت حاجة أمريكا إلى تركيا الموالية لها، بسبب المشاكل في الجبهة الاوكرانية؛ حيث ستمنح الانتخابات الرئاسية المقبلة في تركيا في الأسابيع المقبلة فرصة فريدة للغرب لإزاحة أردوغان بوسائل انتخابية قانونية. ولحسن الحظ، أن لدى أمريكا والغرب من تعتمد عليه في هذا الشأن.

"لقد تم اعتبار تركيا جزءًا من العالم الغربي طوال تاريخها الحديث، فمنذ عام 1952؛ أصبحت عضوًا في الناتو، ثم أصبحت مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي. وبناءً على ذلك، فإن النخب التركية - على الأقل تلك الموجودة في العاصمة (أي في كل من أنقرة وإسطنبول) - كانت غربية بشدة ".

و بسبب القطيعة الممنهجة مع الغرب التي انتهجها أردوغان؛ فقد عمدت أمريكا إلى العمل من خلال مجموعات الضغط والمنظمات السياسية. لذلك، فإنه لا يخفى على أحد أن حزب الشعب الجمهوري (أكبر قوة معارضة ومنافس أردوغان الرئيسي في الانتخابات المقبلة) يعمل عن كثب مع الغرب، ويجري معه المشاورات والاجتماعات، وفقًا لها.


اذن واشنطن تراهن على حزب الشعب الجمهوري وعلى زعيمه كمال كليتشدار أوغلو في الانتخابات المقبلة؛ حيث يعمل الأمريكيون بنشاط على بناء اتصالات معه، ويقوم الوفد المرافق للسيد كليتشدار أوغلو بزيارة واشنطن بنشاط، ويفعل الأمريكيون كل ما في وسعهم لتقوية المعارضة التركية.

ربما لن يكون اختيار الأمريكيين جيدًا؛ فقد كان كمال كليتشدار أوغلو على رأس الجمهوريين لفترة طويلة وخسر جميع أنواع الانتخابات أمام أردوغان، ولهذا فليس من المستغرب أن تكون صورة الخاسر الأبدي عالقة خلفه.

كانت هناك مقترحات لتسمية قادة آخرين لدور مرشح المعارضة لرئاسة تركيا؛ فعلى سبيل المثال، زعيمة "الحزب الجيد" ميرال أكشينار، وكذلك عمدة إسطنبول المنتمي لحزب الشعب الجمهوري أكرم إمام أوغلو، ولكن تبين - في النهاية - أن ميرال أكشينار غير مؤثرة بما يكفي للغرب، وتم إسقاط إمام أوغلو من قبل السلطات التركية نفسها.

أن أكشينار تأتي من خلفية قومية، ورغم أن الحزب الذي تقوده يلتزم بسياسة تمزج بين التأييد للغرب والقومية، لكنه ينحاز غالبا لهذه الأخيرة؛ فيما يعتبر حزب الشعب الجمهوري أكثر تأييدًا للغرب وأكثر نفوذًا من الحزب الجيد.

الانتخابات التركية الرئاسية المقبلة ليست مجرد اختيار بين حزبين أو رئيسين أو نظامين اقتصاديين؛ ولكنها في الحقيقة مواجهة بين عالمين مختلفين؛ فهنا قوى تركز على المصالح والقيم الوطنية، بقيادة رجب طيب أردوغان وحليفه دولت بهشلي زعيم حزب الحركة القومية، ومن من ناحية أخرى هناك قوى تركز على التوجه نحو الناتو والولايات المتحدة والاندماج في الاتحاد الأوروبي، وهو تحالف المعارضة الذي تقوده الولايات المتحدة من خلف الستار؛ ويرأسه رسميًّا كمال كليتشدار أوغلو

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology