افراسيانت - على الرغم من ان الولايات المتحدة الامريكية هى التى اسست ونظمت وسلحت ما يسمى بتنظيم داعش الارهابى وقامت بزرعه فى الشرق الاوسط،
وسهلت ويسرت لجميع الارهابيين والمجرمين والشواذ فكريا الانضمام لهذا التنظيم، وساعدته فى التغلغل داخل العراق وسوريا، من اجل اثارة الفوضى ومحاربة الجيوش النظامية واستنزافها، وبعد العمليات الاجرامية التى نفذها هذا التنظيم الشاذ وتمدده على الارض وسيطرته على العديد من المدن، بدأت الولايات المتحدة الامريكية تنفيذ باقى السيناريو الذى وضعته اجهزة المخابرات، وهو نشر قوات امريكية برية فى كل من سوريا والعراق للقضاء على تنظيم داعش بريا، وبالمعاونة الجوية، لتحقق بذلك اهدافها وهى تدمير تلك الدول بالكامل واستنزاف مواردها والقضاء على جيشها النظامى وبالاخص سوريا.
من المعروف ان القوات البرية الامريكية لم تحقق نصرا يذكر على مدار تاريخها، ولو نظرنا ما حدث فى فيتنام، ومن بعدها حرب الخليج الثانية دخلت الحرب البرية فى ظل تحالف دولى ضخم كان البطل فيه القوات البرية المصرية التى حققت انجازات برية عديدة وكانت اولى قوات تستطيع الدخول الى العاصمة الكويت ورفعت العلم المصرى على السفارة، ومن بعدها الحرب فى افغانستان، وهناك فشلت القوات البرية الامريكية، وراح ضحية تلك المعركة الالاف من الجنود الامريكيين مما دعا القيادة الامريكية للاستعانة بحلف الناتو للدخول الى افغانستان، ومن قبلها كان الموجود الامريكى فى الصومال من اجل السيطرة على الوضع المتفاقم من الحرب الاهلية هناك، ولم تستطع تلك القوات الصمود لاكثر من عامين بعد ان اعلنت الميليشيات المسلحة هناك حربها على الجيش الأمريكى بل انهم كانوا يقطعون رءوس الجنود ويلعبون بها الكرة فى الشوارع.
الاخطر من كل ذلك ما فعله الجيش الامريكى فى العراق بعد احتلاله فى عام 2003 بالتعاون مع بريطانيا، ولا تعد تلك الحرب انتصارا عسكريا، فالقوات الامريكية والبريطانية دخلت العراق بعد ان تم تنفيذ حرب استنزافية لمدة 12 عاما على الجيش العراقى وفى ظل حظر اقتصادى انهك الدولة والشعب، وبالفعل لم تكن هناك مقاومة تذكر بل ان القوات دخلت مدنا دون اطلاق رصاصة واحدة ، و لكن القوات الامريكية وقعت فى فخ الجماعات الارهابية والمسلحين الذين استهدفوا تلك القوات وانسحبت من العراق بعد 7 سنوات،تاركة خلفها دولة مهلهلة بلا جيش تقتلها الصراعات المذهبية والطائفية.
بعد الانسحاب الامريكى من العراق وتدميرها لها بالشكل الذى شاهدناه جميعا سعت الولايات المتحدة الى استكمال مخططها لتدمير الشرق الاوسط من خلال الربيع العربي، وتفشى ظاهرة الارهاب بشكل اصبح يهدد العالم بأسره رغم انها هى من صنعته، فهى تسعى الان للعودة مرة اخرى الى المنطقة، ولكن هذه المرة لاعادة تقسيمها وبالاخص سوريا فى الوقت الحالى التى اصبحت عصية على الجماعات المسلحة المدعومة من الغرب و تنظيم داعش الذى تم زرعه هناك.
بالطبع الولايات المتحدة الامريكية تهدف من نشر قواتها فى سوريا الى ابعد من حربها ضد تنظيم داعش، ولكن الهدف الحقيقى هو القضاء على الجيش العربى السوري، ودعم التنظيمات الارهابية الاخرى التى تقاتل النظام السورى على الارض من اجل اسقاطه، وتدمير الجيش السورى وتسريحه، واعادة تقسيم الدولة السورية مرة اخرى على اساس طائفى ومذهبى كما فعلت فى العراق من قبل، وسرقة النفط . كما يمكن لها ان تسقط ايضا ميليشيات حزب الله فى الجنوب اللبنانى فى نفس الوقت، مع العلم انه قد لا تدخل تلك القوات فى هذا الصراع ولكنها ستقدم كل الدعم للميليشيات الارهابية الموجودة على الارض والتى تتحالف معها الان، وربما يكون تنظيم داعش احد تلك التنظيمات.
ان ما يحدث الان على الارض ليس صدفة ولكنه مخطط له منذ سنوات عديدة ووضعت الخطط والبدائل فى حال الفشل، وما تريد ان تفعله امريكا الان بنشر قواتها على الارض هى الخطة البديلة والذريعة للدخول مرة اخرى للمنطقة، ولكن فى هذه المرة لن تتركها الا وهى مشتعلة ومهلهلة تماما.
التدخل التركي في شمال سوريا: استراتيجية واحدة وسياسات متباينة
اعتمدت تركيا على القوة العسكرية لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تطويق نشاط وحدات حماية الشعب الكردية، والتي تنظر إليها بوصفها الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وشنّت تركيا ثلاث عمليات عسكرية بين ٢٠١٦ و٢٠١٩ في ريف حلب الشمالي وعفرين وريف الرقة الشمالي وغرب الحسكة.
وبينما بقي الهدف الاستراتيجي واحداً خلال تلك العمليات، إلا أن السياسة التركية تجاه تلك المناطق تباينت على عدة مستويات. فعلى المستوى الأمني، فقد أظهرت القوات التركية قسوة شديدة للغاية في منطقة عفرين ("غصن الزيتون")، في حين كانت لينة في منطقة ريف حلب الشمالي ("درع الفرات")، مع تباين واضح في سياستها بين مدينتي تل أبيض ورأس العين رغم وقوعهما في منطقة عمليات واحدة ("نبع السلام"). كما أطلقت تركيا يد الفصائل الموالية لها ضد السكان الأكراد، ولا سيما في عفرين، في حين أبدت الفصائل درجة انضباط أعلى في بقية المناطق.
كذلك ميّزت السياسة التركية بين المناطق على المستوى الخدمي مثل الإمداد بالكهرباء وصيانة شبكات الطرق. كما مارست تركيا عمليات استهدفت تغيير التركيبة السكانية لمنطقة عفرين خصوصاً، حيث أسكنت عائلات النازحين والمقاتلين الموالين لها في منازل الأكراد المهجّرين، ونقلت النازحين التركمان من حمص واللاذقية إلى المناطق المتاخمة للحدود السورية-التركية.
ويعود هذا التباين في السياسات إلى هاجس الأمن القومي التركي المتصاعد، والذي يتمحور حول تفكيك مشروع الإدارة الذاتية الكردية وتأمين شريط حدودي بعمق ٥ كم داخل الأراضي السورية، ومن هنا تحظى المدن والتجمعات الواقعة على هذا الشريط بأهمية كبيرة وأولوية الحصول على الخدمات بهدف ترغيب السوريين بالإقامة فيها. أما تشابهات السياسة التركية عبر مناطق النفوذ الثلاث فشملت التمركز في معسكرات كبيرة محدودة ونقاط حراسة متقدمة لمواجهة مقاتلي وحدات حماية الشعب. كذلك تم اتباع التقسيم الإداري التركي نفسه في المناطق الثلاث ، ليجري تقديم الخدمات عبر المؤسسات التركية نفسها وإن بمعايير وحسابات مختلفة. ويعود هذا التشابه إلى رغبة أنقرة بضبط المنطقة أمنياً وإدارياً عبر نموذج مألوف ومنع اي طرف من لعب دور يتجاوز المصالح التركية.
مع انسحاب النظام السوري من مساحات واسعة شرقي البلاد في ربيع ٢٠١٢، بدأ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي – وجناحه المسلح المتمثل في وحدات حماية الشعب – ببناء مشروع حكم خاص به في شمال شرق سوريا وعفرين. وبعدما حاول المقاتلون الأكراد السيطرة على بلدة رأس العين الحدودية أواخر ٢٠١٢، ردّت تركيا بدعم فصائل من الجيش السوري الحر وفصائل إسلامية أخرى لطردهم، معلنةً بذلك معركة طويلة سيطر في نهايتها المقاتلون الأكراد على المدينة في تموز ٢٠١٣. ومنذ ذلك الحين، بدأت تركيا تتحسس خطر نشوء كيان كردي على حدودها الجنوبية، وهو الخطر الذي تفاقم مع انهيار المفاوضات مع رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم في أنقرة، ومن ثم انهيار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني في ٢٠١٥، وأخيراً اعتماد الولايات المتحدة على وحدات حماية الشعب كشريك رئيسي في حربها ضد داعش، الأمر الذي انتهى بسيطرة مقاتلين أكراد على منبج في آب ٢٠١٦. كل ذلك جعل استراتيجية أنقرة في سوريا محصورة بتطويق وحدات حماية الشعب، لتشنّ ثلاث عمليات عسكرية في ثلاث مناطق سورية في أوقات وسياقات مختلفة.
تباينت المواقف الدولية من التدخل العسكري التركي في كل عملية مرة تبعاً لتوتر العلاقة مع أنقرة: فقد رحّبت الولايات المتحدة بعملية "درع الفرات" ضد داعش في منطقة ريف حلب الشمالي (آب ٢٠١٦-آذار ٢٠١٧) واعتبرتها تصبّ في مصلحة الأمن القومي الأميركي، ووافقتها ألمانيا وفرنسا، فيما أعلنت روسيا تحفّظها على التدخل التركي. أما عملية "غصن الزيتون" ضد المقاتلين الأكراد في منطقة عفرين (كانون الثاني-آذار ٢٠١٨) فقد تفهّمتها واشنطن ولندن وموسكو، فيما عبّرت باريس وبرلين عن قلقهما من أن العمليات العسكرية لا تساعد على الاستقرار والحل في سوريا، ونوّهتا بنجاح المقاتلين الأكراد في محاربة داعش. أخيراً، حظيت عملية "نبع السلام" ضد قوات سوريا الديمقراطية في المنطقة الحدودية بين تل أبيض ورأس العين (تشرين الأول-تشرين الثاني ٢٠١٩) بتفهّم من جانب روسيا، التي عدّتها خطوة نحو إضعاف القوات الكردية الحليفة للغرب، فيما حذّرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من العملية.
ونتيجةً للمواقف الغربية الرافضة، امتنعت المنظمات الدولية عن تقديم المساعدة الإنسانية في منطقة نبع السلام بعد عام على السيطرة التركية عليها، حيث فضّلت تقديم المساعدة من دمشق بدلاً من غازي عنتاب وحمّلت بذلك أنقرة عبء تقديم الخدمات الإنسانية في هذه المنطقة كما فعلت من قبل في عفرين. وقد سعت تركيا لدعم ابعض الفصائل السورية في بناء هياكل حكم محلي فور انتهاء العمليات العسكرية، وذلك بإشراف الولايات التركية الحدودية المتاخمة لمناطق العمليات، حيث تشرف ولايتا كلّس وغازي عنتاب على منطقة ريف حلب الشمالي، وولاية هاتاي على منطقة عفرين، وولاية أورفة على منطقتي تل أبيض ورأس العين. كذلك تقدم أنقرة الخدمات الأساسية في المناطق الثلاث.
يبدو أن تركيا أطلقت يد فصائلها بهدف بعثرة الوجود الكردي وإبعاد خطر قيام كيان كردي بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي – والذي تعتبره الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني – على حدودها الجنوبية. وترى تركيا أن تحطيم الكتلة البشرية الكردية عبر سياسات بعيدة المدى، وخصوصاً في عفرين، سيقضي على مشروع الكيان الكردي، وهي تعتمد على إحلال سكان تركمان وعرب مناوئين للمشروع مكان السكان الأكراد، بما يحمي أمنها القومي في حال سحبت قواتها مستقبلاً. ولا تقتصر الرؤية التركية على منطقتي عفرين ورأس العين، بل تشمل كافة مناطق الشريط الحدودي، بما في ذلك القرى العربية، ومن هنا اعتمادها على فرقة السلطان مراد التركمانية لتأمين الشريط الحدودي بمسافة تتراوح بين ٣ و١٥ كم.
وبينما تشير التصريحات الرسمية التركية إلى عودة أكثر من ٤٠٠ ألف لاجئ سوري من مختلف الولايات التركية إلى الشمال السوري إلا أن هذه الأرقام لا تشمل إحصاءً دقيقاً لضحايا الترحيل القسري إلى سوريا بذريعة عدم امتلاكهم بطاقة حماية تركية (كِملِك) أو ارتكابهم مخالفات قانونية. من جهة أخرى، أصبحت مناطق النفوذ التركي بين ٢٠١٦ و٢٠٢٠ الملجأ الوحيد للنازحين قسرياً من مناطق خفض التصعيد، أي ريف دمشق وجنوب سوريا وريف حمص الشمالي وإدلب.
في عفرين، قامت تركيا بإسكان مهجّري الغوطة وحمص الشمالي، إضافة إلى عائلات المقاتلين التركمان، في منازل الأكراد الهاربين من العمليات العسكرية. وفي المقابل منعت وحدات حماية الشعب المدنيين الأكراد الذين فروا إلى مناطق ريف حلب الشمالي القريبة من العودة إلى منازلهم. وقد أدى ذلك لتراجع عدد السكان الأكراد في عفرين من ٥٠٠ ألف قبل الهجوم التركي إلى حوالي ١٥٠ ألف في نيسان ٢٠١٩. ويرجَّح أن عدد الأكراد الحالي لا يتجاوز ١٠٠ ألف بعدما فضل عدد كبير من الأهالي الهرب من تجاوزات الفصائل الموالية لتركيا.
وكرّرت تركيا السياسة الديموغرافية نفسها في رأس العين، والتي كان يقطنها سكان أكراد وشركس وشيشان وعشائر عربية. كان مجموع سكان المدينة قبل عملية نبع السلام حوالي ٢٩ ألف نسمة، والسكان الأكراد حوالي ٥ آلاف. ولم يعد إلى المدينة بعد انتهاء العمليات العسكرية سوى ١٢٪ من السكان السابقين،معظمهم من العشائر العربية التي نزحت موقتاً، بالإضافة إلى النشطاء والمطلوبين من قبل قوات سوريا الديمقراطية ممن كانوا يقيمون في تركيا.
أما في منطقة تل أبيض – والتي تضم مدينة تل أبيض وناحية سلوك – فقد بلغ عدد السكان عام ٢٠١٠ أكثر من ٢٥٠ ألف نسمة. وبحسب المجلس المحلي لمدينة تل أبيض فإن عدد السكان المدنيين الحالي ١٤٠ ألف، منهم نحو ٦ آلاف نازح من محافظات أخرى. وبالكاد سُجّلت عودة بعض العائلات من تركيا ، بخلاف التصريحات التركية التي زعمت عودة ٢٠٠ ألف سوري إلى مناطق نبع السلام بعد عام على انتهاء العملية.
وتسعى تركيا لإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا بعد فشلها في الضغط على الاتحاد الأوربي وتحصيل المزيد من المساعدات. ولكن ظروف الاضطراب الأمني والعمليات العسكرية، ناهيك عن تردي الوضع الخدمي والاقتصادي، تحول دون عودة اللاجئين المقيمين في تركيا إلى سوريا.
يمكن وضع جهود أنقرة لتشجيع عودة اللاجئين ضمن ثلاثة أهداف رئيسية: أولاً تخفيف الأعباء الاقتصادية عن كاهلها، خصوصاً في ظل تراجع الاقتصاد التركي؛ وثانياً تخفيف الضغط السياسي عن الرئيس التركي وحزبه من قبل المعارضة التي ترفض وجودهم؛ وثالثاً وهو الأهم استغلال العائدين لتحقيق عملية تغيير ديموغرافية تنتهي بتوطينهم في عفرين ورأس العين وعلى طول الشريط الحدودي.
وتعتقد تركيا أن توطين غير الأكراد في المناطق الكردية سيقضي على احتمال نشوء الحكم الكرديمع الاحتفاظ بنفوذ سياسي كبير بين أطراف الفصائل المسلحة. ولتحقيق الهدف الأخير على المدى القصير والمتوسط، يتعيّن على تركيا أن تبقى لاعباً أساسياً قادراً على التحكم بالتطورات الميدانية في الداخل السوري، والطريقة الوحيدة لذلك هي زيادة الوجود العسكري. ويبدو أن الهدف المضمر لهذا الوجود إنشاء أقاليم تابعة في عمق الأراضي السورية، تكون مرتبطة أمنياً واقتصادياً بأنقرة دون إلحاق رسمي سيشكّل مخالفة للقانون الدولي ويُدخل تركيا في مواجهة مع الجميع.
في المحصلة فانه لا فرق تذكر بين الاطماع الامريكية او التركية في سوريا . وان كل ما يقال عن محاربة الارهاب ما هو الا هلوسات دعائية لم تعد تنطوي على احد .