واشنطن - افراسيانت - تردد في واشنطن صباح الاثنين، 26 آذار 2018 أنه بات متوقعا أن يقوم مستشار الأمن القومي الأميركي القادم جون بولتون وأشخاص مقربون منه بإجراء تغييرات كبيرة داخل مجلس الأمن القومي، بهدف إبعاد عشرات من المسؤولين الحاليين في البيت الأبيض، بدءاً بأولئك الذين عملوا في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وفق مصادر متعددة.
وتشمل هذه العملية المسؤولين الذين يُعتقد بأنهم ليسوا موالين للرئيس دونالد ترامب، وأولئك الذين سربوا أخبارا عن الرئيس لوسائل الإعلام، وفريق سلفه، وأولئك الذين عملوا في الإدارة في عهد أوباما.
وقال أحد تلك المصادر إن بولتون "سيُقيل كل المسؤولين الذي عيَّنهم" سلفه إتش آر ماكماستر، فيما رأى مسؤول سابق في البيت الأبيض أنه يتعين على المسؤولين من عهد أوباما العاملين حالياً في مجلس الأمن القومي "البدء في جمع أغراضهم" استعداداً للرحيل.
وتشير المصادر إلى أن بولتون أجرى مكالمة هاتفية مساء يوم الخميس، 22 آذار 2018، بعد ساعات من اختيار ترامب له لمنصب مستشار الأمن القومي، مع مستشارين سبق لهم العمل معه – ومن بينهم ماثيو فريدمان، وهو مستشار سياسي وانتخابي في الحزب الجمهوري، ومقرب من اللوبي الإسرائيلي "إيباك" وقدَّم النصيحة لبولتون عندما عمل (بولتون) في وزارة الخارجية وفي الأمم المتحدة.
وعلم أن "فريدمان يقوم حاليا بالتنسيق مع ممول ترامب الكبير المليلردير شيلدون آدلسون (وهو أيضا مول حملة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو الانتخابية الأخيرة) من أجل تطهير البيت الأبيض، وتعيين أشخاص يتفقون على معاداة إيران والانسجام الكامل مع موقف إسرائيل" في حين أشارت مصادر أخرى إلى أنه "من السابق لأوانه التكهن بشأن تطهير البيت الأبيض".
يشار إلى أن الملياردير شيلدون آدلسون الذي يملك الصحيفة الإسرائيلية المتطرفة "إسرائيل هايوم" ويدعم الاستيطان وكان له الأثر الأكبر في إقناع ترامب بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، كانت له الدور الاكبر على ما يبدو في إقناع ترامب بإقالة إتش.آر. مكماشتر وتعيين بولتون مستشاراً للأمن القومي مكانه.
ومن الواضح أن ترامب وبولتون يتفقان بشأن الحاجة إلى تبني سياسة خارجية أكثر تشدداً، لا سيما فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني و"ضرورة الانسحاب من هذا الاتفاق المشين" وملف كوريا الشمالية، حيث أن كلاهما يعارضان الجهود الدبلوماسية متعددة الأطراف، سواء من خلال الأمم المتحدة أو العمل مع الاتحاد الأوروبي. وهو ما يدفع خبراء (ومسؤوليين سابقين في إدارة ترامب) إلى التكهن بأن بولتون سيسارع بتعيين فريقه الخاص في مجلس الأمن القومي، الذي يعد مركزاً لتبادل الآراء حول السياسات، ولدمج وجهات النظر المختلفة لمؤسسات الحكومة الأمريكية.
ومن المتوقع أن تكون أول ضحية تغيير في "مجلس الأمن القومي" ناديا شادلو، التي تشغل حالياً منصب نائب مستشار الأمن القومي للشؤون الاستراتيجية، والتي تولت قيادة الفريق الذي صاغ استراتيجية الإدارة الأميركية التي تم إصدارها مؤخراً، والتي كانت تقليدية على نحو مفاجئ وأعادت التأكيد على العديد من مواقف السياسة الخارجية الأميركية التقليدية. كما أنه من المحتمل أن تستهدف عملية التطهير أيضاً نائب ماكماستر، ريكي وادل. ومع ذلك، يصعب التكهن ما إذا كان بولتون سيذعن لتوصيات حلفائه ومستشاريه بشأن الموظفين الذين يحتاج لإقالتهم، لكنه يبدو عازماً بوضوح على الإطاحة بالمسؤولين الذين عملوا في عهد أوباما، إلا أن المراقبين يعتقدون بأن بولتون يحتاج إلى بعض الوقت لتغيير فريق الموظفين في مجلس الأمن القومي نظراً للحاجة إلى معالجة التصاريح الأمنية، وهذا يعني أنه من المحتمل أن يظل بولتون عالقاً مع موظفيه الحاليين خلال اجتماع قمة مايو بين ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون.
من جهتها حذرت ويندي شيرمان، وهي وكيل سابق في وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ورئيسة فريق المفاوضين الأميركيين في الاتفاق النووي مع إيران، في مقال نشرته لها صحيفة نيويورك تايمز الاثنين (26/3)تحت عنوان "خطة ترامب وبولتون لعزل الحلفاء وتشجيع الأعداء"، من أن مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد، جون بولتون، "لم يعارض قط أي حرب واجهته حتى الآن، إذ أنه يدافع عن غزو العراق عام 2003، وينادي الآن بمهاجمة كوريا الشمالية؛ كما يعتقد أنه كان على الولايات المتحدة أن تقصف إيران قبل سنوات، بدلاً من التفاوض على اتفاق دولي لمنعها من الحصول على سلاح نووي".
وتقول شيرمان بشأن الاتفاق النووي الموقع بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن وألمانيا، مع إيران في شهر تموز من عام 2015 بان "هذا الاتفاق عرقل منذ دخوله حيز التنفيذ عام 2016، مسار طهران لامتلاك سلاح نووي وحال دون نشوب سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، كما وتبين جميع المقاييس أن إيران تمتثل للاتفاق، الذي التزمت بموجبه بعدم بناء سلاح نووي مطلقاً وبإخضاع نفسها لعمليات مراقبة دقيقة، ورغم ذلك، يبدو أن ترامب ملتزماً بإنهاء الاتفاق النووي، ويؤكد تعيينه لبولتون التوقعات بشأن الانسحاب من هذا الاتفاق قريباً".
وتلفت شيرمان في مقالها إلى أن يوم 12 أيار المقبل سيوافق الموعد النهائي التالي الذي يتعين على الرئيس بموجبه مواصلة إعفاء إيران من العقوبات والتصديق على التزامها ببنود الاتفاق. و"إذا لم يفعل ذلك، فسوف تكون العواقب وخيمة، فمن المرجح أن تتحرك إيران بسرعة، دون أي قيد، لتخصيب اليورانيوم؛ وسيعلن فيلق الحرس الثوري الإسلامي أنه لا يمكن الثقة أبداً في الغرب، وسيستخدم ذلك القرار لتقويض الرئيس الإيراني الأقل تشدداً، حسن روحاني، كما سيزيد تدمير الاتفاق النووي من الأنشطة الخبيثة للحرس الثوري في الشرق الأوسط، ما سيجعل التحدي الذي يواجه أمن إسرائيل والحلفاء الأميركيين الآخرين أكثر صعوبة".
وتعتقد شيرمان ان من شأن هذه الأنشطة أن تقود بدورها، إلى زيادة الدعوات الأميركية للعمل العسكري ضد إيران باعتباره الخيار الوحيد القابل للتطبيق بعد تلاشي خيار المفاوضات.
وتعتقد شيرمان انه "سيكون من الصعب وقف مسيرة الصراع العسكري، خاصة مع تولي بولتون قيادة مجلس الأمن القومي. وعلاوة على ذلك، سيضع قرار إلغاء الاتفاق الإيراني مسماراً آخر في نعش العلاقات بين دول المحيط الأطلسي. فقد أعطى ترامب مهمة إصلاح الاتفاق إلى الشركاء الأوروبيين في المفاوضات النووية وطالب بأن يوافقوا على بنود جديدة بشأن صواريخ إيران البالستية وعمليات تفتيش المنشآت العسكرية الإيرانية، وطالب بتغيير الجدول الزمني للاتفاق النووي حتى لا تنتهي مدة القيود المفروضة على إيران.
يشار إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعد واحداً من أكثر الرؤساء الأميركيين في التاريخ الحديث تشدداً من حيث لهجته الخطابية، فقد تفاخر بحجم "زره النووي"، وهدد مراراً باللجوء إلى العمل العسكري، واستخدم عبارات صبيانية لإهانة خصوم الولايات المتحدة. غير أنه خلال الأشهر الـ15 الأولى من ولايته الرئاسية، توخى ترامب الحذر عندما تعلق الأمر باستخدام القوة العسكرية فعلياً وبوضع القوات الأميركية في وحه الخطر ، ولذلك، قد يمثل الأسبوعان الماضيان نقطة تحول رئيسية في عهده. فمن خلال اختيار جون بولتون كمستشار جديد للأمن القومي ومايك بومبيو كوزير جديد للخارجية، قام ترامب بترقية اثنين من أكثر الجمهوريين تشدداً في واشنطن.