افراسيانت - تُعتبر الولايات المتحدة الأميركية، في إستراتيجيتها العميقة، غير المُتأرجحة تبعاً لتأرجح الإدارات المتعاقبة أو المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين، أنّ أمنها القومي يتجاوز الحدود إلى ما ورائها، وأن عناصر ومعطيات هذا الأمن القومي الصحيحة، تتطلب مستشاراً لها، يملك شخصية الموظف الأمني العنيف، الحقوقي.
يُظهر بولتن في جميع مهامه نزعة الكره لإيران وللعرب ولقضاياهم
استناداً لدستور الولايات المتحدة الأميركية، يُكلف مستشار الأمن القومي بمهام مساعد الرئيس لشؤون الأمن القومي، وهو أكبر مساعدي المكتب التنفيذي للرئيس، يقوم باستعراض ودراسة وتقييم جميع استنتاجات وبحوث وتلخيصات مجلس الأمن القومي، وله صلاحية طلب إعادة درسها أو عرضها مباشرة على الرئيس، ويتم تعيينه مباشرة من قبل الأخير دون موافقة مجلس الشيوخ، وهو يشترك مع وزير الخارجية بخصوصية صلاحية الرئيس بتعيينه، ولكن ينفرد عنه بأنّ مهمته مرتبطة بالرئيس بشكل كامل، على العكس من وزير الخارجية المُقيّد إلى حدٍ ما في مهماته، بطريقة غير مباشرة من قبل لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس، والتي عادة ما تكون فعّالة و نافذة في الحزب الحاكم أو حزب الرئيس.
هذا في الشكل وفي طريقة التعيين وفي الصلاحيات استناداً للدستور الأميركي، ولكن عملياً لناحية تاريخ وشخصية وخلفية كل من المسؤولين المذكورين، لا شك أنّ هناك العديد من النقاط المشتركة تجمع بين مايك بومبيو وزير الخارجية الأميركي الجديد و بين جون بولتون المستشار الجديد للأمن القومي، والتي يمكن التعّويل عليها لمحاولة استنتاج أو استدراك، ما يمكن أن تكون عليه مناورة الرئيس ترامب المرتقبة على الصعيد الدولي، وبالأخص حول المواضيع الأكثر سخونة حالياً، في الحرب الباردة مع روسيا والتي من المُرشّح أن تتحول إلى غير باردة، أو في موضوع الاتفاق النووي مع إيران، أو في موضوع أزمة الصواريخ الكورية الشمالية، البالستية التقليدية أو النووية.
انطلاقاً من الوظائف التي تولاها بولتون، من مساعد وزير الخارجية للشؤون الدولية، إلى نائب وزير الخارجية لمراقبة التسلح، فسفير بلاده في الأمم المتحدة، كان يُظهِر في جميع مهامه ومن خلالها، نزعة الكره لإيران وللعرب ولقضاياهم، وكان يُظهر أيضاً نزعة التشدّد بمواجهة أيّ ملف يؤثر سلبا على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، بالإضافة طبعاً لدوره الأساس في تكوين وتسويق أدلّة وتبريرات كاذبة عن امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، استند عليها لشن الحرب على العراق، وذلك كالتالي:
-كان من أشدّ المعارضين للاتفاق النووي مع إيران، ومن أكثر المُحَذِّرين للرئيس السابق أوباما من خطورة-كما يدّعي بولتون طبعا-توقيع إدارته لهذا الاتفاق، والذي بنظره سوف تخضع الولايات المتحدة من خلاله لإيران.
-كان أيضاً من أكثر المتحمسين للخَيار العسكري ضد كوريا الشمالية، ومن موقعه الدائم في الأمم المتحدة كسفير لبلاده، طالما نادى بتوجيه ضربات عسكرية استباقية لتلك الدولة، ووقف دائماً مع فكرة الاستعاضة عن العقوبات لردعها عن تجاربها النووية والصاروخية، بعمل عسكري حاسم ضدها.
-طالما كان صديقاً لإسرائيل، لناحية المواجهة الباردة مع إيران، أو لناحية دعم إعتداءآتها (إسرائيل ) على المقاومة في لبنان (حرب تموز عام 2006)، و في حربها المدمِّرة أكثر من مرة على غزة، وكان من الناشطين الفاعلين خلال عمله في إدارة الرئيس بوش الأب، على اعتماد الأمم المتحدة قراراً، ألغى قراراً سابقاً لها، كان يساوي الصهيونية بالعنصرية، سبق واتخذته عام 1975.
-استطاع، وبخبرة ديبلوماسية خبيثة غير معهودة، تسويق تبريرات ومزاعم كاذبة، تم اختلاقها وطرحها وربطها بمعطيات مُركبّة، أسسّت لقرار أمميّ بشن حرب على العراق، على خلفية امتلاك الأخير لأسلحة دمار شامل، مما تسبب في تدميره وهلاك الملايين من شعبه، و التأسيس لخلق أكثر من قاعدة تشدّد وتوتّر ساهمت لاحقاً بتمدّد الإرهاب وانتشاره في المنطقة والعالم.
وقد تكون الوظيفة الأكثر حساسية في ما استلمه بولتون سابقاً، والتي ربما هي اليوم بأساس تعيينه مستشاراً للأمن القومي، هي تلك التي تولاها سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة، وحيث كان قد عايش خلالها وعن قرب الصراع الديبلوماسي مع روسيا، و مناورة الحرب الباردة بين الدولتين، و صدمات الرفض الروسي الدائم و "المزعج" عبر حق النقض-الفيتو–لقرارات أُممية كانت بلاده (الولايات المتحدة الأميركية) تدفع الأمم المتحدة لطرحها على التصويت، عبر نفوذها المباشر عليها، أو عبر نفوذها الناتج عن خضوع أغلب الدول الأوروبية لسياستها، خاصة تلك الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أي فرنسا وبريطانيا، فهو لا شك بنظر الرئيس ترامب، يحمل في جعبته، ومن خلال خبرته الديبلوماسية تلك، الكثير من أساليب وطرق المواجهة ضد روسيا في هذه المعركة الأشد ضراوة حالياً.
من هنا، وحيث تعتبر الولايات المتحدة الأميركية، في إستراتيجيتها العميقة، غير المُتأرجحة تبعاً لتأرجح الإدارات المتعاقبة أو المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين، أنّ أمنها القومي يتجاوز الحدود إلى ما ورائها، وأن عناصر ومعطيات هذا الأمن القومي الصحيحة، تتطلب مستشاراً لها، يملك شخصية الموظف الأمني العنيف، الحقوقي (له تاريخ في العمل القانوني كمستشار ومحامي)، صاحب خبرة الصراع الديبلوماسي مع روسيا، ومٌبتكر خَلق التبريرات الكاذبة لمواضيع حسّاسة، تُحرّك الأمم المتحدة ومجلس الأمن، كامتلاك أسلحة دمار شامل، وأيضاً يملك التزاماً قوياً بمواجهة كوريا الشمالية، و طبعاً بمواجهة الصين من ورائها، ويملك أيضاً، وهذا مهمّ جِدّاً، التزاماً وانحيازاً إلى إسرائيل وإلى سياستها العدوانية في الشرق الأوسط، لذلك جاء تعيين جون بولتون مستشاراً للأمن القومي في هذه المرحلة الحساسة .