افراسيانت - حلمي موسى - دفعت العمليات الأخيرة ضد منشآت يهودية في فرنسا والدنمارك إلى تكثيف النقاش حول وجوب الهجرة إلى فلسطين المحتلة من عدمها. وثار سجال حاد في إسرائيل والدول الأوروبية في أعقاب دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يهود أوروبا إلى الإسراع في الهجرة الى إسرائيل لتجنب مخاطر «اللاسامية الجديدة» التي يمثلها في نظره «الإسلاميون» في الغرب. وكثفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، بتعليمات أو حث من أجهزة الأمن، تقاريرها عن الأخطار التي تنتظر اليهود في الغرب بسبب تنامي الحضور المسلم أو العربي في تلك الدول.
وقد أشارت وكالة «بلومبرغ» الاقتصادية، في تقرير موسع لها، إلى أنه برغم العمليات ضد منشآت يهودية في أوروبا وبرغم دعوة نتنياهو للهجرة إلى إسرائيل، قلة قليلة فقط من اليهود هاجرت من أوروبا إلى إسرائيل.
ويقدم التقرير معطيات تبين أنه في العام الأخير هاجر إلى إسرائيل من فرنسا مثلاً، سبعة آلاف و231 يهودياً، وهو ما يشكل قفزة في معدلات الهجرة، مقارنة بعدد ألفي شخص الذي كان متوسط الهجرة في السنوات الأخيرة، فإن العدد نفسه لا يمثل إلا 1.5 في المئة من يهود فرنسا.
غير أن عدد المهاجرين اليهود من باقي دول أوروبا أقل من ذلك بكثير، وهو يصل إلى ألف و688 يهودياً فقط، وهو عدد ضئيل جداً مقارنة بأعداد اليهود في أوروبا.
وتنقل «بلومبرغ» عن إميلي دهان، وهي يهودية فرنسية في الأربعين من العمر، قولها إنه «عندما وقعت العمليات قلت في نفسي كفى، هذه هي اللحظة التي خشينا منها. ولكن هل هذا يدفعني إلى ترك بيتي، وحياتي ودولتي؟ هذا هراء. أنا فرنسية وهذه العمليات أوضحت لي أنني فرنسية».
وفي هذا السياق، يؤكد الخبير في الميول الديموغرافية في «الجامعة العبرية» في القدس المحتلة، سرجيو ديلا فرجولا «أننا بتنا نرى هنا يهوداً أكثر يهاجرون من فرنسا إلى إسرائيل... لكن الحديث يدور عن أقلية». وبحسب «بلومبرغ»، يعيش في بريطانيا حالياً حوالي 300 ألف يهودي، هاجر منهم إلى إسرائيل 627 شخصاً فقط. في ألمانيا يعيش 120 ألف يهودي فقط، 103 منهم هاجروا إلى إسرائيل في العام الماضي.
وتنقل الوكالة عن شاب يهودي في التاسعة والعشرين من عمره، هاجر قبل خمس سنوات من إسرائيل إلى برلين، قوله إن «الشخص الوحيد الذي يدعو اليهود إلى ترك أوروبا هو نتنياهو». وفي المقابل يقول جاك بلوخ، وهو يهودي فرنسي، إن «الاندماج الاجتماعي والاقتصادي في إسرائيل ليس سهلا. إذ لا تكفي المخاوف للهجرة إلى إسرائيل، الأمر يتطلب قوة نفسية لهذا الغرض».
ويشرح إسرائيلي واقع الحال في إسرائيل، فيكتب أن «البنى الاجتماعية فيها هي خليط من تلك التي كانت قائمة في دول أوروبا الشرقية وفي دول عربية، ولذلك فإن المهاجر إليها من دول أنغلوسكسونية يجد صعوبة في العيش فيها، وهو يضطر إلى تبني ثقافة اجتماعية روسية أو بولندية أو مغربية أو عراقية. ولكن آخرين يعتقدون أن العيش في أوروبا حالياً أقرب ما يكون إلى الثلاثينيات، حينما لم يكترث اليهود للنصائح ويهربوا من النازية، الأمر الذي سهَّل عملية إبادتهم لاحقاً».
وكشفت صحيفة «هآرتس» النقاب عن أن يهود الدنمارك لا يريدون الهجرة إلى إسرائيل، برغم العملية التي وقعت مؤخراً. ويخالف بعض يهود الدنمارك الدعاية الإسرائيلية، حيث إن أحدهم قال إن من نفذ عملية القتل الأخيرة «قد يكون جهادياً، لكنه قبل كل شيء شخص عاطل عن العمل وعضو عصابة. إنه شخص خاسر بلا مستقبل. هذا يثبت وجوب العمل بجدية أكبر لاستيعاب وتكييف الجالية المسلمة وعرض مستقبل أفضل على جيلها الصاعد».
وردَّ آخر على دعوة نتنياهو للهجرة، قائلاً «لا أخطط لترك الدنمارك، ولكن شكراً على الدعوة يا نتنياهو، لكنني أتنازل عنها. بجد، أنا فخور لأني دنماركي وأنا واثق أنني لا أفكر في أن علينا المشاركة في معركة نتنياهو الانتخابية».
وبرغم أن كثيرين من أبناء الجالية اليهودية في الدنمارك عاشوا فترات في إسرائيل، إلا أنهم لا يفضلون البقاء فيها. وقالت كاتيا ليهمان، التي عاشت سنتين في كيبوتس، إن «الحياة في إسرائيل خشنة جداً بالنسبة لي، وأنا ببساطة أفضل أن أكون دنماركية». وأبدت غضباً شديداً على نتنياهو «الذي أهاننا. نحن هنا يمكننا الهجرة وقتما نريد. وأعتقد أن النتيجة الأساسية لما جرى أننا نشعر أننا دنماركيون أكثر الآن».
ويؤمن باحث يهودي أميركي يعيش في إسرائيل، يدعى شموئيل روزنر، أن السجال حول يهود أوروبا هو في جوهره سجال حول إسرائيل ومكانتها بالنسبة إلى يهود العالم. وأشار إلى أن السجال الدائر مصطنع لأنه يجري في حمى معركة انتخابية لا مكان فيها إلا للشعارات بين إسرائيل الواقع وإسرائيل الخيال.
ويؤكد روزنر أنه لم ترق للحاخام الأكبر ليهود الدنمارك يائير ملكيئور دعوة نتنياهو اليهود للهجرة، وأنه قال إن «الإرهاب ليس سبباً للهجرة إلى إسرائيل». ويتفق مع ذلك الرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز الذي قال ليهود العالم: «لا تأتوا إلى إسرائيل بسبب موقف سياسي، وإنما لأنكم تريدون العيش هنا».
عموماً، في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد الشبان الذين يتركون إسرائيل للعيش في الدول الأوروبية لأسباب اقتصادية، يصعب جداً على نتنياهو إقناع يهود أوروبا بالهجرة إلى إسرائيل لأسباب أمنية. تقريباً كل الدول الغربية أكثر أماناً لليهود من إسرائيل.