افراسيانت - أحمد حافظ - يشكل المجتمع القبلي في سيناء أنظمة حاكمة مصغرة راسخة أكثر من نظام الدولة ذاته وهي تتميز بقدرة التأقلم مع كل تطور، فهي في صف النظام عندما يكون قويا وهي ضدّه و”حاكمة نفسها” عند الحاجة؛ ويشكل هذا المجتمع القوي ضلعا مهما في الحرب على الإرهاب في سيناء لكن بقدر أهميته تكمن خطورته خصوصا في ما يتعلق بمسألة تسليح القبائل. وهي خطوة ولئن يمكن أن تؤتي ثمارها في الحرب على الإرهاب فإن تداعياتها ستكون أشد وطأة.
ورغم ما يمثله استنفار القبائل في سيناء حاليا ضد تنظيم الدولة الإسلامية وإعلانها الحرب عليه من معنى إيجابي يصب في مصلحة جهود محاربة الدولة المصرية للإرهاب هناك إلا أن عسكريين وسياسيين حذروا من خطورة هذا التطور ليس على الأمن فحسب، بل على هيبة وتماسك الدولة المصرية.
وكانت حدة الأوضاع في سيناء اشتعلت بعد أن دخلت قبيلة الترابين، وهي ثاني أكبر القبائل في سيناء، على خط المواجهة مع تنظيم داعش وأعلنت أنها سوف تحمل السلاح ضده، على إثر قيام مسلحيه باستهداف 3 أفراد من أبناء القلبية، وهو ما رد عليه شباب الترابين بقتل 3 مسلحين بعد خطفهم.
وقال مصدر عسكري إنه لن يتم السماح لأي تنظيم مدني بحمل السلاح في سيناء حتى لو كان ذلك بهدف مواجهة تنظيم داعش لأن ذلك ينذر بتحويل المعارك هناك إلى صراع مسلح، ومن ثم تصبح سيناء صورة من لبنان أو سوريا أو العراق، وهو ما يمثل خطا أحمر لن يُسمح لأحد بتجاوزه.
داعش ينقل الإرهاب إلى جنوب سيناء
هذا وحذرت دوائر سياسية مصرية من نقل الإرهاب إلى جنوب سيناء وتشتيت جهود الأجهزة الأمنية، بعد تنفيذ داعش عملية إرهابية أمام دير سانت كاترين الثلاثاء الماضي.
ويمثل انتقال هجمات داعش من شمال سيناء إلى جنوبها خطورة بالغة إذا وجد التنظيم ثغرة تمّكنه من التواجد بكثافة في الجنوب، ما يعني القضاء على السياحة في منتجعي شرم الشيخ ودهب المصريين.
وتوقع متابعون أن تكون لتبني داعش الهجوم على الكمين الأمني تداعيات سلبية على أمن منتجعات جنوب سيناء، التي بدأت تنتعش نسبيا بعد رفع بعض الدول الأوروبية والإسكندنافية حظر السفر إليها، وتصنيفها كمنطقة آمنة من جانب وزارة الخارجية الأميركية.
وجاء الحادث بعد نحو عشرة أيام من استهداف كنيستين في طنطا والإسكندرية (شمال القاهرة)، أودى بحياة 46 شخصا، وإصابة 70 آخرين، وأعلن تنظيم “داعش” مسؤوليته عن العمليتين.
وقال خبراء عسكريون إن الحادث يستهدف إحراج الأمن المصري بالأساس، لا سيما وأن جنوب سيناء يشهد إجراءات أمنية مشددة في إطار مساعي النظام لطمأنة الدول التي سحبت رعاياها هناك عقب سقوط الطائرة الروسية في نهاية أكتوبر 2015، التي كان داعش أعلن مسؤوليته عن إسقاطها.
وأشار اللواء جمال مظلوم الخبير العسكري إلى أن داعش يريد من وراء الحادث إظهار قدرته على التواجد في أماكن يُفترض أنها محصنة أمنيّا كنوع من استعراض العضلات، لقناعته بأن ردة الفعل من جانب بعض القوى الداخلية والخارجية على الحادث سوف تكون كبيرة والخسائر المعنوية أكبر.
وأضاف : أن التنظيم يسعى لتشتيت الأمن المصري، والقيام بهجمات في شمال سيناء وجنوبها ومحافظات أخرى، لتخفيف الضغط الواقع عليه حاليا في وسط سيناء، عقب تكثيف الضربات الأمنية المتلاحقة للتنظيم.
وأشار خبراء عسكريون إلى أن دخول القبائل على خط المواجهة مباشرة مع التنظيمات المسلحة في سيناء ربما يقوض جهود الدولة في القضاء على الإرهاب، إذ قد يتحول الصراع بين بعض القبائل وداعش إلى صراع بين القبائل فيما بينها في حال نجاح التنظيم في استقطاب البعض من شباب أي قبيلة للانضمام إليه.
ورأى خبراء أمن أن وجود حركات مدنية مسلحة، بخلاف قوات الجيش والشرطة، يقضي على نفوذ وهيبة الدولة، ووقتها لن تستطيع قوات الأمن التفرقة بين الإرهابي حامل السلاح وأبناء القبائل ممن يحملون الأسلحة، ما يجعل من سيناء بؤرة لصراع مسلح طويل الأمد، يمكن أن تتحول إلى مواجهات بين الأمن وأبناء القبائل أنفسهم.
وتسعى قبيلة الترابين إلى حشد باقي القبائل في سيناء لمواجهة داعش بالسلاح بذريعة مساعدة قوات الأمن في القضاء على عناصر التنظيم، بعدما قتلت نحو 400 مواطن، منهم ما يقرب من 36 شيخ قبيلة وعشيرة، لأنها اتهمتهم بالتعاون مع الحكومة.
وتسيطر على شمال سيناء 15 قبيلة تعيش كل منها على مساحة من الأراضي تمثل لها النفوذ والسلطة بين باقي القبائل، (والتي يبلغ عدد أفرادها جميعا نحو 300 ألف نسمة)، وهي قبائل السواركة، والترابي والبياضية وبلى والملاعبة والأخارسة والعقايلة والسماعنة والعيايدة والدواغرة والرميلات والرياشات والمساعيد والعكور والفواخرية.
قال اللواء محمود زاهر الخبير العسكري الذي أمضى معظم مدة خدمته في سيناء، إن أجهزة الأمن تعتبر أن وجود تنظيمات مدنية مسلحة بسيناء لمواجهة التنظيمات الإرهابية “كارثة”، وبالتالي لن تسمح بذلك تحت أي ظرف، لأن هذا يعني انتهاء دور الجيش والشرطة، وترك سيناء ساحة للحروب بين أبنائها والمسلحين، وقد يخرج الأمر تماما عن سيطرة الدولة المصرية.
وأضاف : أن كل السيناريوهات المتوقعة لحمل أبناء سيناء للسلاح خطيرة، لأنه قد يتحول الصدام مع داعش إلى وقوع صراعات مسلحة لتصفية حسابات القبائل مع بعضها، بعيدا عن محاربة الإرهاب، وهو ما يخدم التنظيمات الإرهابية.
ويطرح البعض من المراقبين حلا وسطا لإدخال قبائل سيناء في المواجهة مع الإرهاب عن طريق زيادة أعداد شبابهم الملتحقين بالجيش والشرطة، ما يعطي شرعية لحملهم السلاح في مواجهة التنظيمات الإرهابية، وهو المطلب الذي تنادي به أكثر القبائل هناك منذ فترة طويلة.
غير أن ثمة تحديا كبيرا يواجه الحكومة في هذا الشأن، وهو أن الكثير من القبائل مجنّسة وبعض سكانها ليسوا مصريين بالأصل، وهو ما يناقض عقيدة الجيش والشرطة في مصر.
وكان الكثير من المتهمين الذين ألقت أجهزة الأمن القبض عليهم أثناء محاولاتهم القيام بعمليات إرهابية، أو ضلعوا بالفعل في حوادث إرهابية تابعين لبعض القبائل، أمثال السوراكة. وكان هناك نحو 10 متهمين بارتكاب حوادث أو تفجيرات بسيناء، ثبت أنهم من أبناء تلك القبيلة، ونجح تنظيم أنصار بيت المقدس في استقطابهم.
لذلك، يرى باحثون في الشأن السيناوي أن السبيل الوحيد لدمج قبائل سيناء في القتال ضد العناصر الإرهابية أن تكون هي العنصر المعلوماتي الأبرز للإبلاغ عن تحركات عناصر تنظيم داعش ما يسهل مهمة قوات الأمن في القضاء عليهم، فضلا عن تعهد القبائل بعدم توفير أي حماية لأي إرهابي حتى لو كان تابعا لأي قبيلة بسيناء.
يمكن للدولة استثمار الروح القتالية عند القبائل التي تريد مواجهة الإرهاب بسيناء في أن تزيد من استقطابها لصالحها
وقال أحمد كامل البحيري الباحث والمتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة إن دخول القبائل على خط المواجهة المسلحة مع داعش في سيناء يمنحها قوة ونفوذا يضاهيان قوة الدولة ذاتها ويمنحها مع الوقت حق المطالبة بمقابل المشاركة في المواجهات المسلحة، ما قد يدخلها مستقبلا في صراع مع الدولة نفسها.
وأضاف : “يمكن توظيف غضبة القبائل سياسيا من خلال الاعتماد عليها في جمع المعلومات، باعتبارها الأكثر دراية بدروب ودهاليز وتضاريس سيناء، وعلى معرفة كاملة بأماكن الإيواء للعناصر المسلحة، لأن المعلومات الدقيقة تمثل نسبة 80 بالمئة من عناصر القضاء على الإرهاب في سيناء”.
وذهبت دوائر سياسية إلى أنه يمكن النظر إلى خطوة حمل بعض القبائل للسلاح لمواجهة داعش أو أي تنظيم آخر متطرف بسيناء من زاوية إيجابية، إذ يعني ذلك أن ما يثار عن تخلي هذه القبائل عن أجهزة الأمن في حربها على الإرهاب في سيناء يجافي الواقع، وهو ما كانت تروج له جماعة الإخوان المسلمين ووسائل إعلامها.
وقال متابعون إنه يمكن للدولة استثمار هذه الروح القتالية عند القبائل التي تريد مواجهة الإرهاب بسيناء حتى بحمل السلاح، في أن تزيد من استقطابها لصالحها.