افراسيانت - شهاب المكاحلة - تحول العنف الذي تمارسه الشرطة الأمريكية ضد المواطنين السود إلى عنف مضاد على عمليات إطلاق النار القاتلة.
فقد قُتل يوم الجمعة، (08/07/2016)، خمسة من رجال الشرطة، وأصيب أكثر من 6 آخرين ومدني بجروح في مدينة دالاس الأمريكية خلال تبادل إطلاق النار مع قناص في الوقت الذي يقوم فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بزيارة عمل إلى بولندا، للمشاركة في اجتماع حلف الناتو، والذي اكتفى بالدعوة إلى تطهير الشرطة، في حين منعت السلطات الأمريكية الرحلات الجوية فوق مدينة دالاس.
وجاءت تلك الأحداث على خلفية قتل الشرطة الأمريكية اثنين من المواطنين السود، لتؤكد انتشار ظاهرة العنصرية، وازدواجية تعامل السلطات مع المواطنين الأمريكيين؛ ما أثار حنق السود وغيرهم من سياسة التمييز العنصري.
فبعد إعلان حالة الطوارئ في جميع دوائر الشرطة الأمريكية في جميع الولايات خوفاً من تكرار سيناريو دالاس، التي وقعت فيها حرب شوارع بين الشرطة وقناص إثر خروج مسيرات تندد بمقتل اثنين من الأمريكيين السود برصاص الشرطة، أعلن قائد شرطة مدينة دالاس في ولاية تكساس الأمريكية ديفيد براون أن الشرطة استخدمت إنساناً آلياً متفجراً للتخلص من القناص المشتبه بإطلاقه النار على ضباط الشرطة قبل أن يختبئ في مرآب للسيارات يقع وسط المدينة.
ومن الواضح أن الولايات المتحدة تواجه اليوم تحديا صعبا. فمنذ قتلِ الشرطة عددا من الأمركيين الإفريقيين الأصل في أكثر من ولاية، بدأ شعور الإحباط يخيم على السود؛ ما أنذر باندلاع تلك الفتنة العنصرية بين البيض والسود، والتي تطل برأسها في عدة ولايات، وخاصة أن الحكومة الأمريكية تعامل السود بتمييز وكأنهم مواطنون من الدرجة الثانية أو أقل من ذلك.
من كان منزله من زجاج لا يرمي الآخرين بالحجارة!
مع تزايد حدة التململ بين الأمريكيين أنفسهم، تجد الحكومة نفسها أمام تحد كبير هو الحفاظ على وحدة المجتمع الأمريكي ومنع الفتنة التي باتت سمة بارزة فيه، ولا سيما أن الفتنة العنصرية تلك تشكل احتقاناً ظهرت نتائجه على الملأ في عدة ولايات، والخشية الآن من أن تعم تلك الظاهرة بقية الولايات في وقت واحد؛ ما يعني ثورة شعبية داخلية.
ففي يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين، أقدم رجال من الشرطة الأمريكية على قتل اثنين من السود في ولايتي لويزيانا ومينيسوتا؛ ما زاد غضب الشارع الأمريكي على سياسات التمييز العنصري تلك. وهنا لا بد أن تعي الحكومة أن من كان منزله من زجاج فلا يرمي الآخرين بالحجارة.
إن الاحتقان الذي يسود الشارع الأمريكي لا يمكن تهدئته بسهولة، بل من المتوقع أن يتصاعد وتزداد حدته، وهو ما سيؤدي إلى ازدياد الشقاق بين الولايات أنفسها. ولعل ما تطالب به ولاية تكساس من إجراء استفتاء، على غرار الاستفتاء الذي جرى في المملكة المتحدة، سيقود إلى مطالبة الولايات الأمريكية الأخرى باستفتاء مماثل ينذر بتفكك الجمهورية.
ويبدو أن صبر المواطنين الأمريكيين السود وغيرهم من المهاجرين قد نفد؛ ما سيقود إلى المزيد من أعمال العنف ما لم تغير الحكومة سياسة التمييز العنصري، التي كانت دائماً سبباً لتدخل الجيش الأمريكي في حروب خارجية تحت ذريعة حماية حقوق الإنسان والمساواة بين البشر ومحاربة العنصرية والفتن. ففي أقل من 30 يوماً شهدت الولايات المتحدة أحداث أورلاند بولاية فلوريدا، وشهدت شغباً وإرهاباً في أكثر من ولاية.
وليس كل ما يعلنه الإعلام الأمريكي صحيحا. بل ما يحدث أكثر مما تنقله وسائل الإعلام المُسيًسة. إن ما يحدث في الولايات المتحدة عموماً هو غيض من فيض، وهو فقط قمة جبل الجليد التي تظهر، ولكن معظم أجزائه مخفية. وهذا ما يخشاه الساسة الأمريكيون الذين تداعوا عقب وقوع الحادث الى عدة اجتماعات أمنية وسياسية وعسكرية للتباحث في نتائج أحداث الشغب التي اندلعت، ومن يقف وراءها؟ ومن المستفيد منها في النهاية؟
هل انتهى الحلم الأمريكي؟
لا يُنكرنَّ أحد أن الواقع، الذي تعيشه الولايات المتحدة اليوم ومنذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، بدأت تتكشف أوراقه تباعاً، وأظهرت ثُغَرا كبيرة في المجتمع الأمريكي ونقاط الضعف التي يعاني منها. فتلك البوتقة التي كانت ما عادت اليوم بوتقة.
و"الـحلم الأمريكي" يبدو اليوم إلى أفول، ومفهوم البوتفة المنصهرة في إشارة الى أن المجتمع الامريكي من كافة الأصول ما عادت تجدي نفعاً في ظل العنصرية والتمييز الطبقي. وإن نظرة متفحصة إلى الإحصاءات تشير الى أن نسبة البطالة بين أوساط السود هي أكثر من ضعفي نسبتها في أوساط البيض. كما أن نسبة توظيف المتعلمين من السود مقارنة بالبيض هي 25%. كذلك، فإن السود يعاقبون بفترات حبس أطول من البيض لنفس الجريمة المرتكبة. وتشير الإحصاءات الأخيرة الى أن اكثر من 70% من عائلات السود تعيش تحت خط الفقر. كما أن الكثير من أبنائها يلجأون إلى تجارة السلاح والمخدرات وطرق الكسب غير المشروعة. علاوة على أن معظم حالات الانتحار في الولايات المتحدة هي في أوساط السود.
وانتشرت عقب الاحتجاجات هاشتاقات بعنوان "صلوا من أجل أمريكا" تحمل دعوات أصحابها إلى أن يعم السلام في الولايات المتحدة الأمريكية. وانتشر وسم آخر بعنوان "Blue Lives Matter" في إشارة الى أن حياة الشرطة الأمريكية مهمة، إذ إنهم يرتدون بزة زرقاء. وجاءت هذه الهاشتاقات ردا على المسيرة الاحتجاجية التي قام بها السود في دالاس بعنوان "Black Lives Matter" أو حياة السود مهمة. وهنا يكمن الصراع والصدام بين أنصار كل من الشرطة ومعارضيهم على أنشطة الأجهزة الامنية وآلية التعامل مع السود.
فعلى الحكومة الأمريكية أن تتوقف عن إسداء النصح للآخرين والدول الأخرى والالتفات الى الداخل الأمريكي، لأنه يشكل لها قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي وقت. ولا بد لها من التعامل مع المسألة بحذر كبير.