المسؤولون في إقليم كردستان العراق لم يعد يغريهم الحكم الذاتي الموسع الذي تنفق الحكومة المركزية عليه بشكل كبير.
افراسيانت - أربيل (العراق) - يعمل أكراد العراق على استثمار الأزمات الأمنية والسياسية التي تعيشها الحكومة المركزية في بغداد من أجل فرض الأمر الواقع والحصول على إقرار محلي وإقليمي بانفصال الإقليم عن المركز وتقسيم العراق على أساس عرقي وطائفي.
وأعلن مسؤول كردي كبير إنه بمجرد إلحاق الهزيمة بداعش يجب تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات منفصلة للشيعة والسنة والأكراد، في خطوة قال مراقبون إنها قد تؤدي إلى تصعيد جديد مع حكومة حيدر العبادي الغارقة في الأزمات.
وقال مسرور البارزاني، رئيس المجلس الأمني لحكومة إقليم كردستان العراق وابن مسعود البارزاني رئيس الإقليم، إن عدم الثقة وصل إلى مستوى لا يسمح بالبقاء مع الحكومة “تحت سقف واحد”.
وأضاف المسؤول الكردي في مقابلة مع وكالة أنباء رويترز أن “الفيدرالية لم تنجح وبالتالي إما أن تصبح كونفيدرالية وإما انفصالا كاملا… إذا كانت لدينا ثلاث دول كونفيدرالية فستكون لدينا ثلاث عواصم متساوية لا تعلو واحدة على أخرى”.
ويرى مراقبون أن الأكراد دأبوا على الضغط على الحكومة المركزية حين تكون في وضع صعب سياسيا وأمنيا، لكن تصريحات نجل رئيس الإقليم توحي بأن المسؤولين في الإقليم الكردي لم يعد يغريهم الحكم الذاتي الموسع الذي تنفق الحكومة المركزية عليه بشكل كبير.
وأشاروا إلى أن ورقة الأكراد الحالية هي قدرتهم على لعب دور متقدم في مواجهة داعش تحت المظلة الأميركية، وهم يعتقدون أن الوضع الإقليمي موات للحصول على امتيازات جديدة من الحكومة، فضلا عن المجاهرة بالدعوة إلى الانفصال.
لكن الجديد في تصريحات البارزاني الابن هو مغازلة السنة ومحاولة استدراجهم لتبني خيار التقسيم، مستفيدا من مخلفات معركة الفلوجة وهيمنة الخطاب الطائفي.
وقال البارزاني إنه يجب أن يمنح السنة نفس الخيار في المحافظات التي يمثلون فيها الأغلبية في شمال العراق وغربه.
وأضاف “ما نعرضه هو حل… لا يعني هذا أن يعيشوا تحت سقف واحد لكن من الممكن أن يجمعهم حسن الجوار. بمجرد أن يشعروا بالراحة لأن لديهم مستقبلا مشرقا وآمنا يمكنهم أن يبدأوا التعاون مع بعضهم البعض”.
وقال مراقب سياسي عراقي فضل عدم ذكر اسمه إن “مشروع التقسيم موضوع على المنضدة منذ سنوات في انتظار ما تسفر عنه الأحداث المأساوية التي تعيشها الطوائف تحت مظلة نظام المحاصصة الذي يشارف على نهايته بسبب فشل الزعامة الشيعية في إقامة دولة تضم الجميع”.
وأكد أن العنصر الأساس في المضي نحو الانفصال يبقى مرتبطا بطريقة إدارة معركة الموصل.
وقال “موضوع الموصل أكثر تعقيدا من موضوع الفلوجة”، مشيرا إلى أن الأكراد “وإن كانوا لا يحلمون بضم الموصل إلى إقليمهم فإنهم ما فتئوا يحرضون على أن تبحث الموصل عن مصير لا يجمعها بالعراق أو بالإقليم السني، بما يعني التمهيد لانتزاعها من العراق المقسم وانضمامها لاحقا إلى تركيا”.
وقبل معركة الموصل، قال البارزاني إنه يجب أن تتفق المجموعات المختلفة التي تعيش في المدينة مقدما على طريقة التعامل في ما بعد.
وكان يعيش في الموصل، قبل أن يسيطر عليها داعش، نحو مليون نسمة معظمهم من السنة، لكنها كانت تضم أقليات عرقية ودينية بينها المسيحيون والشيعة والإيزيديون والأكراد والتركمان.
وذكر البارزاني “أعتقد أن الجزء الأهم هو كيف ستدار الموصل بعد هزيمة تنظيم داعش (الدولة الإسلامية)”.
وتابع “لا نريد أن نرى التحرير ثم فراغا سيتحول على الأرجح إلى فوضى”.
وحذرت أوساط عراقية من أن إدارة معركة الفلوجة تحت شعارات طائفية ستقوي النزعات إلى المطالبة بالانفصال لدى سنة العراق الذين باتوا يشعرون أن الحكومة لا تمثلهم، وأنهم واقعون تحت حكم طائفي ربما ينتهي إلى تهجيرهم وتشريدهم.
واعتبر المراقب العراقي أنه “لو أديرت معركة الموصل بالطريقة التي تدار بها معركة الفلوجة فإن شبح التقسيم سيكون مجسدا في أسوأ صوره. وهو أمر سيعطي الأكراد فرصة تاريخية لإعلان انفصالهم النهائي عن العراق”.
وقد لا يكتفي زعماء الإقليم، الذين يشعرون أنهم المستفيد الوحيد من الوضع القائم، بالأراضي الواقعة تحت سيطرتهم حاليا، وهم يضعون نصب أعينهم منطقة كركوك الغنية بالنفط في شمال العراق.
ولا يستبعد المراقبون أن يجد المسعى الكردي نحو الانفصال الدعم من جهات إقليمية، حتى وإن كانت تعارض إقامة إقليم كردي على غرار تركيا وإيران مادام هذا المسعى سيقود إلى إضعاف العراق، فضلا عن الدعم الأميركي.