افراسيانت - عمر عبد الستار - بعد انسحاب كتلة الصدر من البرلمان ومعها النواب المعتصمون؛ ثم اقتحام الصدريين له في الثلاثين من الشهر الماضي، قاطع "التحالف الكردستاني" مجلس النواب والحكومة في بغداد.
وإثر قرار نواب "التحالف الكردستاني" (60 نائبا) عدمَ العودة الى بغداد، وقرار نواب "كتلة الأحرار" (30 نائبا) تعليقَ حضورهم، ومعهم النواب المعتصمون؛ استبعدت مصادر سياسية عقد جلسات برلمانية خلال الأيام القليلة المقبلة على الأقل.
وبناء على ذلك، تشير مصادر مطلعة إلى أن البرلمان لن يشهد اجتماعاً رسمياً على الأقل في الأيام العشرة المقبلة. ويدور حديث عن إمكان نقل جلساته إلى إربيل، وعن أن رئاسة البرلمان قررت عدم البدء بترميم المبنى شبه المحطم ريثما تنتهي لجنة خاصة تتولى وزارة الداخلية الإشراف عليها من التحقيق في قضية تحطيم وتدمير أثاث وممتلكات في البرلمان.
ويأتي ذلك مترافقا مع توقف جلسات لمجلس الوزراء، بسبب استقالة ستة وزراء وإقالة خمسة آخرين من دون أداء الوزراء الجدد اليمين القانونية. وقد حال ذلك دون تحقيق النصاب القانوني؛ ما يمهد لدخول العراق مرحلة فراغ دستوري كبير، ولا سيما أن مجلس الوزراء فشل فعليا ولمرتين في عقد جلسته الأسبوعية.
فبعد أن كان مقررا عقد جلسة وزارية يوم الثلاثاء الماضي، وتعذر مجلس الوزراء بأن الثلاثاء عطلة رسمية، فأجلها إلى يوم الخميس؛ ثم فشل المجلس مرة أخرى في عقد جلسته نتيجة عدم اكتمال النصاب القانوني بسبب عدم تأدية الوزراء الجدد اليمين، ليتم تأجيل الجلسة إلى يوم غد الأحد (08 05 2016)؛ في وقت يشكك فيه القانونيون بعقد الجلسة للأسباب نفسها.
من جانبها، حذرت الأمم المتحدة من تفاقم الأزمة في العراق. وقال يان كوبيش، الممثل الخاص للأمين العام الأممي في العراق، في كلمة له أمام مجلس الأمن الدولي، إن "البلاد تعيش اليوم حالة شلل وتعطيل في عمل الحكومة والبرلمان بسبب الأزمات السياسية العميقة". وأضاف، أن "الأزمات العميقة قد اجتاحت بغداد والبلد بشكل عام"؛ مؤكداً أن الأزمة السياسية في العراق تنذر بمضاعفات معقدة، فضلاً عن أن البلد يواجه أيضاً تحديات أمنية وإنسانية واقتصادية، وفي ملف حقوق الإنسان.
وإن استمر الحال على ما هو عليه، فهذا يعني أن العراق على أعتاب فراغ دستوري وعجز عن اتخاذ قرار داخلي أو خارجي، بسبب عدم وجود وزراء أو برلمان، وسط فوضى الفعل الصدري في اقتحام الخضراء وترديد "إيران برا برا" من تحت قوس النصر في ساحة الاحتفالات، واختلاف أطراف "التحالف الوطني" حول كيفية مواجهة الصدر، ورد الفعل الإيراني على ذلك.
فقد هاجم مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي زعيم "التيار الصدري" في العراق السيد مقتدى الصدر وأنصاره، واصفاً تحركهم الأخير باقتحام مبنى البرلمان ودوائر حكومية في المنطقة الخضراء وسط بغداد، بأنه "تحرك غير قانوني". واتهم ولايتي، خلال استقباله رئيس بعثة الأمم المتحدة في العراق يان كوبيش، أطرافاً لم يسمها بـ”محاولة تغيير المعادلة في العراق، الذي يمر الآن بمرحلة حساسة للغاية”. وأوضح ولايتي أن إيران ستمنع كل المحاولات التي تهدف إلى تقسيم العراق، واستهداف أمنه.
في هذه الاثناء، هيمن "فصيل بدر" على حزام بغداد، بحجة التحوط من استغلال "داعش" الظروف السياسية المتأزمة واحتلال بغداد. ونزلت إلى شوارع بغداد عناصر مسلحة تنتمي إلى "سرايا الخراساني" وتتبع مباشرة للحرس الثوري الإيراني، وهي ترفع الأعلام الايرانية. ودهمت بعض الفيلات في منطقتي العرصات والمسبح الراقيتين، وطلبت بالقوة من السكان مغادرة بيوتهم بدعوى حاجة "الحشد الشعبي" إليها.
ياتي ذلك في وقت أغلقت فيه القوات الأمنية، الجمعة (07 05 2016)، مداخل بغداد، ومنعت دخول وخروج المركبات. وفيما قطعت عدداً من الجسور في العاصمة، شددت الإجراءات الأمنية قرب ساحة التحرير، التي شهدت تظاهرة لمئات من أنصار الصدر، وأغلقت الشوارع المحيطة بها.
كل ذلك كان ضمن ردود الأفعال على فعل الصدر في اقتحامه الخضراء. لكن الصدر، وكما عوَّد أنصاره وخصومه، بعد كل اعتصام أو اقتحام، فاجأ الجميع ضمن لعبة "حصان طروادة"، وذهب إلى طهران والتقى الأمين العام لمجلس الأمن القومي علي شمخاني ومسؤولين في الحرس الثوري. وحذر الصدر مَن التقاهم من المسؤولين في قم وطهران، كما أشارت مصادر برلمانية عراقية، من ممارسة الضغط عليه، لأنه لن يغيّر قناعاته «الوطنية»، وإلا فإنه سيضطر إلى الانتقال للإقامة في تركيا أو السعودية.
والسؤال هنا: ما هي خطوة الصدر المقبلة بعد عودته من إيران؟ وهل ستكون مثل خطوته بعد أن عاد من لبنان، فكانت جلسة الـ26 للبرلمان التي أطاحت النوابَ المعتصمين، ثم كان اقتحام البرلمان في 30 أبريل/نيسان؟ وهل سيزيح بقية وزراء حكومة حيدر العبادي، ثم ينتقل بعدها إلى إزاحة مليشيات يتوعدها وتتوعده؟
ختاما، يمكن القول إن الصدر قد حقق أكثر من هدف في أربعة اعتصامات واقتحام واحد. ولا يزال يفكر في خطوة مقبلة ويستعد لها. وهو في كل مرة يقتحم ثم ينسحب، لئلا يخرج الأمر عن السيطرة، بعد أن رفع المرجع الديني السيد علي السيستاني يده وصمت منذ الخامس من فبراير/شباط الماضي عن عملية سياسية لا تعرف التكنوقراط ولا الطريق اليه. ولعل السيستاني لن ينطق ما دام الأمر لم يخرج عن السيطرة، والصدر ممسكا بزمام المبادرة؛ ولكل حادث في طريق حكومة التكنوقراط حديث.