افراسيانت - سامي لسمر - يُعدُّ النوروز من أقدم الأعياد، التي يحتفل بها الأكراد؛ وعلى الرغم من كونه عيدا قوميا للفرس والأذربيجانيين والأرمن وغيرهم، فإنه يبقى أكثر التصاقا بالأكراد.
وترتبط خصوصية "عيد نوروز" بالنسبة إلى الأكراد بالأسطورة التاريخية، التي تتحدث عن ثورة قادها كردي، يدعى "كاوا الحداد" ضد ملك جائر متسلط، اسمه "زحاك"، وأن هذه الثورة أنهت حكمه؛ فأطلق الثائرون اسم يوم الانتصار "نوروز" - ويعني يوما جديدا - على ذلك اليوم.
وأصبح الأكراد يعتزون بهذا العيد لما فيه من معان بالنسبة إليهم، والتي حملها الكردي في جعبته على مر العصور؛ ولطالما ارتبط هذا العيد بالسياسة، وكان رمزا تعتز به القوميات، التي تحتفل به؛ ولعله لذلك ظل يزعج مختلف السلطات، وخاصة في العصر الحديث.
وعلى الرغم من أن النوروز هو العيد الأهم لجميع الأكراد، فإن الاحتفال به ظل ممنوعا في تركيا حتى عام 1994، حين أصبح عيدا وطنيا، قبل أن تطاله دائرة الحظر من جديد. وهو ما يمكن أن يحول نار "النوروز" هذه المرة إلى لهيب مواجهات بدأ الحديث عنها، بعدما منعت السلطات التركية إقامة الاحتفالات في مدن اسطنبول، وأنقرة، وأرضرورم، وأرزينجان، وقارص، وشانلي أورفة؛ فضلا عن المحافظات ذات الغالبية الكردية؛ وذلك بذريعة ما تشهده المنطقة والبلاد من الأحداث والهجمات الإرهابية، وبحجة أن هذه المناسبة قد تثير أرضية خصبة للتحريض وأعمال الشغب والأحداث الدموية؛ وأنه لذلك ينبغي الحفاظ على أمن واستقرار البلاد بتجنب إقامة هذه الاحتفالات، بحسب السلطات الرسمية.
وفي المقابل، تصر الجهات الكردية، المنظمة لاحتفالات العيد، على إقامتها في ساحات المدن المذكورة. وهو ما جعل التوقعات، في غالبيتها، تشير إلى أن نهاية الأسبوع سيتسم بالحساسية الشديدة لسببين: أولهما، تهديدات حزب العمال الكردستاني بتوسيع دائرة الاشتباكات إلى مدن غرب تركيا؛ وثانيهما، توقعات باندلاع مواجهات بين أنصار الحزب الكردي وقوات الشرطة في المدن، التي رفض محافظوها منح رخص لتنظيم الاحتفالات الرسمية؛ الأمر، الذي تكرر في أعياد سابقة، تحول فيها العيد إلى ما يشبه احتجاجات سياسية بطابع قومي من قبل الأحزاب والحركات الكردية؛ وكان التركيز في احتفالاتهم على الأبعاد السياسية للنوروز، الذي وظفوه لتذكير الحكومة التركية والعالم بقضيتهم.
غير أن طابع المواجهات قد يتخذ بعدا آخر هذه المرة، مع اتساع الهوة بين أنقرة والأحزاب الكردية، إثر العمليات العسكرية، التي شنها الجيش التركي في جنوب شرق البلاد. وكذلك تصريحات المسؤولين الأتراك، التي أعادت العلاقة بين تركيا وكردها إلى المربع ألأول؛ ولا سيما تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزب "العدالة والتنمية"، ودعوته إلى رفع الحصانة عن نواب "حزب الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد؛ واتهامه الحزب بأنه واجهة لحزب "العمال الكردستاني".
وبالتالي، لم تُبق السلطات التركية جهة كردية إلا ووضعتها في قفص الاتهام والحظر. وبعد أن نجحت في تمهيد الطريق للأكراد للانتقال من ميدان المعارك إلى ميدان السياسة، تبدو بهذه الخطوات وكأنها تمد جسورا باتجاه واحد، وهو العودة إلى المواجهة العسكرية، التي أدت إلى سقوط عشرات الألوف من الضحايا منذ ثلاثة عقود.
أوضاع داخلية تركية تشابكت مع أحداث في المنطقة، جعلت الحلم الكردي بدولة تجمع قوميتهم قاب قوسين أو أدنى. ولعل ذلك هو ما دفع الحكومة التركية إلى التضييق أكثر على كردها، ولا سيما أن استقواء الأكراد عند جيران تركيا سيحفز أشقاءهم في الأناضول، لتحقيق مطالبهم - وأقلها التمتع بحكم ذاتي -. وربما كان ذلك هو ما جعل السلطات تسعى لتوسيع حملتها العسكرية من استهداف "العمال" إلى أحزاب سورية كردية، باعتبارها تنظيمات إرهابية.
عيد النوروز في العام الماضي جاء على وقع الحديث عن السلام والمفاوضات بين الحكومة الكردية، ووصل الأمر إلى الحديث عن إطلاق سراح الزعيم الروحي لحزب العمال عبد الله أوجلان، وتمنى آنذاك أردوغان أن يكون النوروز فاتحة لبدء عهد جديد في تركيا وتعميق السلام وروابط التآخي.
غير أن العيد هذه السنة يختلف شكلا ومضمونا عما سبقه من الأعياد؛ فحديث السلام والمفاوضات استبدل بالحصار وأزيز الرصاص، ودعوات حرق الأسلحة في نار النوروز، قد تتحول إلى رمضاء تحرق أطرافا من الثوب التركي.