افراسيانت - عمر عبد الستار - فيما نجح متظاهرون في تجاوز أحد حواجز المنطقة الخضراء المحصنة، نصب آخرون الخيام والسرادق أمام بواباتها، وسط هتافات وطنية، نددت بسياسات الحكومة وأحزابها.
اختراق المتظاهرين للحاجز الأول في المنطقة الخضراء، دفع القوات الأمنية إلى فتح جسر السنك ومنطقة العلاوي وسط بغداد أمام المتظاهرين، ووصل الألوف منهم إلى بوابة المنطقة الخضراء العسكرية (باب الأمانة العامة لمجلس الوزراء). وردد المحتجون شعارات تطالب بإطاحة رؤوس الفساد، وتغيير مسار العملية السياسية في البلاد؛ ومنها "عدنا اطلابه ويا الباع الموصل" ويقصدون بذلك المالكي.
وقال السيد مقتدى الصدر في بيان وجهه إلى المتظاهرين: “سوف يعتصم المتظاهرون اعتصاما سلميا أمام بوابات المنطقة، ولدينا غير الاعتصام أساليب أخرى، ستكون فاعلة بما لا يقل عن الاعتصام أثرا ونفعا". وحذر الصدر أنصاره قائلا: "لكن لا صدام! لا سلاح! لا قطع طرق! لا اعتداء! …لا عصيان للجان المسؤولة عن الاعتصام!".
وكان زعيم "التيار الصدري قد هدد، في بيان سابق له، باقتحام المنطقة الخضراء في حال إخفاق رئيس الوزراء حيدر العبادي في تشكيل حكومة تكنوقراط خلال 45 يوماً، بدأت يوم 12 فبراير/شباط الماضي. ويطالب الصدر بإنهاء المحاصصة السياسية، التي أقرها كبار قادة الأحزاب السياسية الحاكمة منذ 13 عاما، واختيار وزراء تكنوقراط، وفتح ملفات الفساد، الذي ارتكبته الأحزاب الكبرى.
وعلى الرغم من أن التظاهرات اتخذت شعارات تنادي بالوحدة الوطنية بين مكونات الشعب العراقي، ومنها مثلا "إخوان - سنة وشيعة، وهذا الوطن مَنبيعه"، فإنها أخذت تخيف الحكومة، و"التحالف الوطني"، والبرلمان، في خشية من أن تتطور لتطيح العملية السياسية, أو أن تتحول المظاهرات إلى أعمال عنف، ولا سيما أن القوات الأمنية كانت عاجزة عن ردع المتظاهرين، وإيقاف زحفهم نحو المنطقة الخضراء.
وفي الوقت، الذي طالب فيه نواب "التحالف الوطني" أمس "رئيس الجمهورية بالقيام بواجباته الدستورية لحفظ امن وسيادة البلاد"، أصدر ائتلاف "دولة القانون" بيانا، تلاه المالكي، وجاء فيه إن "هذه التحركات محاولات لفتح ثغرة في جدار الوحدة الوطنية، وإن الاحتكام إلى الشارع خطأ ينتهي بتدمير البلد والمجتمع".
من جهته، تحفظ أمين عام منظمة بدر هادي العامري على بيان ائتلاف "دولة القانون"، داعيا “عقلاء القوم” إلى تدارك الموقف والبحث عن حل للأزمة. كما دعا المجلس الأعلى الإسلامي، بقيادة السيد عمار الحكيم من جهته، “إلى اجتماع عاجل لقوى "التحالف الوطني" من أجل إيجاد حلول سريعة للخطر الجدي.
وفي ظل انسحاب المرجع الديني السيد علي السيستاني من الحديث في السياسة، انتقد المرجع الديني السيد كمال الحيدري تظاهرات الصدريين، قائلا إن المنطقة تشهد تقاطعات سياسية، تساهم فيها قوى دولية وإقليمية، الهدف منها إرساء معالم مرحلة جديدة، ترسمها القوى الكبرى، التي تريد الحفاظ على مصالحها بأي ثمن كان.
وعند الغوص عميقا في أسباب الأزمة السياسية الحالية في العراق، والتي تم الترويج لها سابقا بأنها "سنية - شيعية"، أو أنها بين "داعش من جهة وبين "الحشد الشعبي" من جهة أخرى"، يتضح أخيرا أنها صراع على الزعامة أكثر من أي شيء آخر. وقد كشفت الأحداث الأخيرة أن هناك صراعا حادا بين غريمين داخل "التحالف الوطني": نوري المالكي ومقتدى الصدر. وقد اتضح ذلك، وبخاصة، بعد سحب السيستاني يده من الحديث في السياسة، وحديث العبادي عن الحاجة إلى تغيير وزاري جوهري؛ ثم كان الحراك الصدري المطالب بالإصلاح، وإزاحة رؤوس الفساد، وعزل المليشيات الوقحة حسب تعبيره.
وقد سبق أن جرت بين الصدر والمالكي "صولة فرسان"، قادها المالكي في ولايته الأولى ضد الصدريين في عام 2008، وخلّفت مئات القتلى والجرحى، وأفضت إلى تسليم الصدر بالهزيمة، وإعلانه تجميد نشاط جيش المهدي. وتبعتها محاولات صدرية لسحب الثقة من المالكي في ولايته الثانية.
وهم الآن يتصارعون في صولة معاكسة، يشنها الصدر ضد المالكي، منذ أزيح المالكي عن موقع رئاسة الوزراء في آب/أغسطس 2014، ثم عن موقع نائب رئيس الجمهورية في آب/أغسطس 2015. وقد أصبح الصدر، بعد الحراك الاحتجاجي الأخير، في مواجهة مباشرة مع المالكي.
ويُعد الصدر سليل عائلة لها مكانة كبيرة، وكان لها دورها في معارضة نظام الرئيس الراحل صدام حسين. لكن المالكي أزاحه، لأنه كان أكثر من الصدر تمتعا بثقة أطراف إقليمية ودولية، ذات دور كبير في تحديد ملامح المشهد السياسي العراقي بعد عام 2005.
ولعل فرصة كبرى قد سنحت اليوم لصولة صدرية على المالكي، في فورة غضب جماهيري من تردّي أوضاع العراق على مختلف المستويات، بسبب سياسات المالكي، التي أضاعت نينوى والأنبار وصلاح الدين؛ إضافة إلى هدر مئات مليارات الدولارات خلال الفترة ما بين 2006-2014.
وربما تكون هذه الفرصة قد فتحت للصدر بابا كبيرا ليظهر كزعيم شعبي من داخل "التحالف الوطني"، في وقت يفقد الآخرون مثل زعامته وامتداده الشعبي. وها هو يقود ويهدد باقتحام المنطقة الخضراء، والاعتصام على أبوابها، انطلاقا من هذه الجمعة. ثم ليثأر من المالكي شخصيا وحزبيا: شخصيا لفساده، وحزبيا لإزاحة حزب "الدعوة" عن تصدر المشهد داخل "التحالف الوطني".
وهكذا، بدا أن الأزمة في العراق عبارة عن خلاف سياسي عميق بين أطراف "التحالف الوطني"، أكثر مما هي بين "التحالف الوطني" والقوى السياسية الأخرى.
وقد كشف هذا الخلاف أيضا عن فشل أطراف حاولت أن توظف الحرب مع "داعش" سياسيا ضد أطراف أخرى. وقد تَستغل "داعش" هذا الفشل وهذه الخلافات لتفاجئ الجميع، فتضرب، وهم في غفلة ساهون.