عن "الدولة" و"اللا-دولاتيين".. بعض الحق الذي يُراد به باطل

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - عريب الرنتاوي - ثمّة "قاسم مشترك أعظم"، بين القوى المُستَهدَفَةِ بالشيطنة من قبل أطراف وعواصم عربية ودولية: عداؤها لـ "إسرائيل"، واشتباكها معها بمعارك مباشرة أو بإسناد بعيد. 


قادتني إحدى الشاشات العربية، لحوار ساخن، حول مستقبل ما أسمته المحطة، المليشيات والفصائل المسلّحة، وما إذا كان الإقليم، على وشك أن يدلف عتبات مرحلة "الدولة"، بعد أن تغيب الميليشيات عن المشهد، ودعّمت أسئلتها بمجريات أزيد من عامين من الحروب والجبهات المفتوحة، في غزة ولبنان واليمن، مروراً بسوريا والعراق.


وكان واضحاً من سياق الحلقة والنقاش، أنّ المقصود حصراً بالفصائل، هي حماس وحزب الله والحشد الشعبي وأنصار الله اليمنيين، إذ تركّزت معظم الأسئلة، إن لم نقل جميعها، على هذه الأطراف، لكأنّ المنطقة على امتدادها، باتت خالية من المليشيات والفصائل المسلّحة، وأنّ ما يعيق انبلاج عصر الدولة المستقلة العادلة والسيّدة، هو اختفاء هذه الفصائل حصراً عن المسرح، الأمر الذي أوحت الأسئلة بأنه قيد التنفيذ، وجارٍ العمل عليه من قبل واشنطن و"تل أبيب".


في الإجابة عن هذه الأسئلة والتساؤلات، انصرفت مداخلاتي للحديث عن وجوب عدم وضع جميع هذه الأطراف في سلّة واحدة، فهي نشأت في دول ومجتمعات مختلفة، وفي سياقات تاريخية متباينة، وتتفاوت من حيث ماهية علاقتها ببيئتها الاجتماعية، ونظرة الرأي العامّ العربي إليها، كما أنّ بعضها نشأ في مراحل زمنية تباعد ما بينها، سنوات وعقود عديدة... وضع الجميع تحت تصنيف واحدٍ، فيه ظلم وافتئات من جهة، وغير علمي من جهة ثانية، ويخفي عند البعض، نوايا غير حسنة من جهة ثالثة.


ومضيت في الحديث للتمييز بين عدة "أنماط" يتوزّع عليها اللاعبون "اللا-دولاتيون – Non-State Actors" في الإقليم، بناء على ما سبق قوله، وذهبت إلى ذكر ثلاثة منها:


أوّلها؛ فصائل وقوى نشأت في مواجهة الاحتلالات الأجنبية، وبالأخصّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وأطراف من الدول المحيطة، تلكم نشأت تاريخياً قبل ستة عقود من السنين على أقلّ تقدير، وليست وليدة اليوم، وهي حركات تحرّر وطني بامتياز، ولا يمكن القبول بأيّ تصنيف آخر لها، حتى وإن قارفت بعض الأعمال والممارسات، داخل بلدانها أو في "البلدان المضيفة" لها، أو ضدّ "الآخر"، تنتمي إلى عوالم ميليشياوية، وأحياناً من قماشة عنفيّة-إرهابيّة.


ثانيها؛ تلك التي نشأت وتطوّرت على جذع الفشل المتطاول والمتمادي للدولة الوطنية العربية، دولة ما بعد الاستقلالات العربية، سيما في بلدان ومجتمعات تتميّز بتنوّع قومي وعرقي ومذهبي وجهوي ومناطقي وعشائري، فشل الأنظمة العربية المتعاقبة في بناء "دولة المواطنة"، السيدة العادلة، دولة جميع أبنائها وبناتها، جميع كياناتها ومكوّناتها، أفضى إلى تعميق "مظلوميّة" بعض المكوّنات، ولجوئها إلى السلاح وتحصّنها بهوياتها الفرعية "القاتلة"، بل وميلها لطلب التدخّل الأجنبي، وتورّطها في مقامرات انفصالية، ستزيد لاحقاً من عمق الاضطرابات المجتمعية، من دون أن تجلب حقوقاً أو تستردّ أمناً واستقراراً.


ثالثها؛ نشأ في مواجهة موجة تطرّف ديني، عاتية وعارمة خلال العقدين الفائتين، بلغت ذروتها في الإعلان عن ولادة "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، "داعش" لم تكن تفصيلاً عارضاً في "التاريخ الجاري" لهذه المنطقة، و"دولتها" جاوزت فرنسا في اتساعها، وكانت تقف على مشارف عاصمتين تاريخيتين للعرب والمسلمين، صادف أنهما عاصمة الخلافة الأموية وعاصمة الخلافة العباسية... ذلك ليس تفصيلاً يمكن القفز من فوقه بخفّة.


في مطلق الأحوال، وفي مختلف الأنماط سالفة الذكر، ما كان لهذه القوى "اللا-دولاتية"، أن تنمو ويتعزّز دورها، من دون تدخّلات خارجية، ستأخذ أشكالاً مختلفة، باختلاف الظروف والسياقات... بعض هذ التدخّل، كان إيجابياً عموماً كما في حالات دعم المقاومة، وبعضه كان وبالاً على الحركات والمنطقة وأحياناً على "الداعمين" أنفسهم.


الأمثلة الأبرز على النمط الأوّل من اللاعبين "اللا-دولاتيين"، يتجلّى في فصائل المقاومة الفلسطينية، التي نشأت في مواجهة الاحتلال ولغرض تحرير فلسطين، التي سقطت في قبضة احتلال استيطاني بغيض، في غيبة هذه الأطراف، وعندما كان النظام الرسمي العربي، هو صاحب القرار في خوض حربَي 48 و67، اللتين انتهتا كما هو معروف، بضياع كلّ "فلسطين التاريخية"، ومعها سيناء والجولان وأطراف من جنوبي لبنان، وبقاع على الحدود الشرقية للكيان، في الأردن... وستنضوي هذه القوى في إطار منظّمة التحرير، وتتولّى قيادتها، وإعادة صوغها، قبل أن يُعترَف بها ممثّلاً شرعيّاً وحيداً للشعب الفلسطيني، وتحتلّ مقعدها في الجامعة العربية والتعاون الإسلامي وعدم الانحياز والأمم المتحدة.


وحين بدأت إمارات الشيخوخة تُطلّ برأسها على الحركة الوطنية الفلسطينية، جاءت نشأة حماس التي تحتفي هذه الأيام بالذكرى الـ38 لتأسيسها، ولادة طبيعية، فالمجتمعات، كالطبيعة، تكره الفراغ، و"الإسلام السياسي" في فلسطين والإقليم، كان قد بدأ مشوار صعوده، بعد الضربات والهزائم التي تعرّضت لها الحركات والمشاريع القومية واليسارية... خلاصة القول، إنّ أيّ محاولة لإدماج هذه القوى الفلسطينية، التحرّرية، في سياقات "ميليشياوية"، أو إدراجها في سياق "حروب المحاور" والنزاعات الجيوسياسية بين أقطاب إقليميين، هي محاولة بائسة، تفتّأت على الوقائع والتاريخ، ولن تكتسب أية مصداقيّة، حتى وهي تتسلّح ببعض الشواهد والوقائع، على "التدخّلات الخارجية" في مسارات العمل الفلسطيني المقاوم، أو أيّ سلوكيّات شاذّة، من المؤكّد أنها صدرت عن بعض هذه القوى، والاستثناء هنا، يكرّس القاعدة، ولا ينفيها.


في السياق ذاته، ندرج المقاومة اللبنانية، التي كانت نشأت قبل نشأة حزب الله، وخاضت معارك كبرى مع الاحتلال الإسرائيلي، وتصدّت لمسلسل عدواناته المتلاحقة، إلى أن اكتسبت زخماً غير مسبوق، بنشأة الحزب أفضى إلى التحرير من دون قيد أو شرط في أيار/مايو 2000، ونجاحات مبهرة في خلق حالة توازن وردع متبادل، وتثبيت قواعد اشتباك لم ترضخ لمثلها "إسرائيل" منذ نشأتها، قبل أن تنتهي الحرب الأخيرة، باختلال شديد في توازنات القوى، وتبدّلات جوهرية في قواعد الاشتباك، وهي الوضعيّة التي دفعت بكثيرين لقراءة التاريخ بـ "أثر رجعي"، وادّعاء حكمة، لم نعرفها عنهم من قبل، وليبدأ "التنظير" عن قدرة "الدولة" على اجتراح معجزات "الحماية والردع والتحرير والتنمية والازدهار"، وليكتشف هؤلاء فجأة "قوة الدبلوماسية" التي "ما بيغلبها غلّاب"، ضاربين عرض الحائط، بإرث متراكم من الفشل، في تنفيذ طوفان من قرارات الشرعيّة الدولية واتفاقات وقف النار، أمام عدو توسّعي متغطرس، وإمبريالية كشّرت عن أنيابها، وأسقطت دفعة واحدة، ورقة التوت التي طالما تدثّرت بها في العقود الفائتة.


صحيح أنّ ثمة فوارق لا يجوز لأحد أن يتجاهلها بين الحالتين الفلسطينية واللبنانية، بالذات بين حماس وحزب الله، إن لجهة حجم الارتباط بطهران واختلاف الماهية والهوية العقائدية والمذهبية والأدوار المشتقّة منها في السنوات العشر الفائتة، واستتباعاً، لجهة النظرة العربية العامّة، رسمياً وشعبياً لكلٍ منهما، لكنّ هذه الفوارق، لا تخرجهما من التصنيف الأساس، كحركات مقاومة ببرنامج تحرّر وطني.


في المقابل، كيف يمكن النظر لحركات وفصائل كردية مسلّحة، وغالباً، انفصالية كما في العراق (البيشمركة)، وبقدر ما في سوريا (قسد)، وكيف يمكن تصنيف "الحرس الوطني" في السويداء، وقبلها حركة أنصار الله، التي بدأت كتعبير عن رفض الإقصاء والتهميش، قبل أن تحتلّ منزلة بين منزلتي "الدولة" و"اللادولة"، وتنخرط في حرب إسناد مقدّرة لوقف الإبادة والتطهير في غزة، وكيف يمكن النظر إلى فصائل الجنوب اليمني، من سلفية وانفصالية وإخوانية، والتي تحتلّ موقع "الأولى بالرعاية" من قبل ناقدي الفصائل المصنّفة حركات تحرّر وطني حقيقية، وكيف يمكن النظر للتشكيلات العنفيّة – الإرهابية (سلفية جهادية) التي تورّطت أطراف عربية ودولية في دعمها، وتقديم التسهيلات لها، وكيف نفسّر الدعم السخي المقدّم لمليشيات "الجنجويد" بعد أن غيّرت اسمها، وباتت تعرف باسم "قوات الدعم السريع"، وكيف نفسّر الصراع في ليبيا على دعم ميلشيات، وأنصاف حكومات، ارتباطاً بهويات محلية وتدخّلات إقليمية وصراع جيوسياسي بين لاعبين إقليميين ودوليين معروفين؟


حين يبرز بعض الثعالب في ثياب الواعظين، يتعيّن علينا أن نذكّرها، بأدوار قذرة، غالباً تحت راية "محاربة الإسلام السياسي"، لم يكن لها من نتائج سوى تدمير دول ومجتمعات، وتفتيت هويات وبنى ومؤسسات، وخلق كوارث إنسانية يتعذّر وصفها، وتهديد مستقبل الأوطان والمواطنين، وما يجري في جنوب اليمن والسودان، وقبلها في سوريا والعراق، ليس سوى بعضٍ من الثمار المرّة، لسلوك هؤلاء الذين يتغنّون صبح مساء، بـ "الدولة الوطنية".


أما المثال الأبرز على اللاعبين "اللا-دولاتيين"، الذين تعاظم دورهم في مواجهة الإرهاب، و"داعش" بالذات، فهو الحشد الشعبي، الذي لم ينشأ بفتوى إيرانية، بل بفتوى "الجهاد الكفائي" لمرجعيّة السيستاني، عندما كانت جحافل "داعش" تطرق أبواب بغداد، وعندما كان الجيش العراقي، الذي كان نشأ برعاية بول بريمر، ينسحب القهقرى من أمامها، كما حدث في ثاني مدينة عراقية: الموصل.


هنا، من غير الصائب بحال، أن يُختصر الحديث عن دور الحشد بوصفه جسراً لإدامة النفوذ الإيراني في العراق، مع أنّ وجود الحشد يوفّر لطهران، مدخلاً واسعاً لتعزيز حضورها على الساحة العراقية، هنا لا بدّ من باب الحفاظ على "المصداقيّة" عند الحديث عن "الدولة العادلة والسيدة والمستقلة"، الإشارة إلى احتلالات أخرى ما زالت رابضة على أجزاء من أرض العراق، من شماله إلى وسطه وغربه، فالقواعد الأميركية ما زالت منتشرة هناك، والوجود العسكري التركي، لم يتقلّص، وقد لا يتقلّص، حتى بعد المصالحة التاريخية بين أنقرة و"سجين إيمرلي".


ثمّة "قاسم مشترك أعظم"، بين القوى المُستَهدَفَةِ بالشيطنة من قبل أطراف وعواصم عربية ودولية: عداؤها لـ "إسرائيل"، واشتباكها معها بمعارك مباشرة أو بإسناد بعيد، وبما يذكّر بالمرسوم الرئاسي التنفيذي الصادر عن البيت الأبيض، والذي خصّ جماعات الإخوان في "دول الطوق" بالتصنيف كمنظّمات إرهابية، وترك عشرات الفروع الإخوانية الأخرى، خارج الرصد والملاحقة، الأمر الذي يفضح مرامي المرسوم، وفي صدارتها تحصين "إسرائيل"، وإرضاء جماعات الضغط الصهيونية، والاستجابة لنداءات الاستغاثة التي تصدر عن عواصم عربية كارهة للإسلام وليس للإسلام السياسي فحسب.


أما "القاسم المشترك الأصغر"، إن جاز التعبير، فيتجلّى في كون هذه القوى والفصائل على علاقة متفاوتة في درجة عمقها ومتانتها مع طهران، وفي سياق مسلسل الحروب متعدّدة الأسلحة والساحات، و"المعارك بين الحروب" التي تخوضها واشنطن و"تل أبيب" ضدّ طهران، وتسعى في حشد حلفائها لخوضها معهما.
أما المليشيات الانفصالية التي تخطب ودّ "إسرائيل" (جنجويد السودان)، وتَعِد بالتطبيع معها (اتصالات المجلس الانتقالي الجنوبي مع "تل أبيب")، فلا جُناح عليها، ولا يجري تناولها بسوء، بل ويتكثّف العمل مع من وصل منها إلى السلطة (كما في الحالة السورية)، من أجل إدماجها في مسار إبراهيمي، فيما العدو ما زال يحتفظ باحتلالاته القديمة والجديدة لأجزاء استراتيجية واسعة من الأرض السورية، ويمارس شتى صنوف العربدة والاستباحة.


يتحدّثون عن "انقلاب حوثيّ" جرى قبل سنوات على صنعاء و"الشرعيّة"، وجيّشوا لإسقاطه، ميليشيات متعدّدة المشارب والأيديولوجيات وتحالف عربي ـــــ دولي طويل عريض، لكنهم، يغمضون أعينهم، عن "انقلاب" القوى الانفصالية في الجنوب اليمني على "شرعيةٍ" هم من نصّبها وفرضها على اليمنيين، ويقفون صامتين حيال اجتياح هذه المليشيات، لمحافظتي المهرة وحضرموت، إنهم يلعبون "لعبة مزدوجة"، فمن جهة، يتباكون على وحدة اليمن وشرعيّته، ومن جهة ثانية، يغمضون أعينهم عمّا يفعله عيدروس الزبيدي، مثله في ذلك مثل حميدتي، اللذين ما كان لأيّ منهما أن يفعل فعلته النكراء، من دون دعم كثيف وسخي من بعض الأطراف المتباكية.


خلاصة القول:


أولاً؛ من الجائر، وغير العلمي، وضع جميع اللاعبين "اللا-دولاتيين" في الإقليم في سلة واحدة، والحاجة لفرز حركات التحرّر الوطني من بينها، ماسّة وأكثر من ضرورية، فيما تشتدّ الحاجة كذلك، لتصنيف المليشيات التي تحوّلت إلى "معاول هدم" للدول والمجتمعات، وتسميتها واحتواء نفوذها.


ثانياً؛ في الحالة الفلسطينية بخاصّة، واللبنانية بدرجة ثانية، من يتصدّى بالشيطنة لفصائل المقاومة وحركات التحرّر الوطني، عليه أن يقنعنا بأنّ لديه بديلاً فاعلاً لإنهاء الاحتلالات وكبح جماح "إسرائيل"، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه الوطنية المشروعة، وتخليص لبنان من رجس الاحتلالات والانتهاكات. وبخلاف ذلك، فإنّ من الأجدى لهذه الأطراف أن تستأنف صمتها، وهي التي صمتت دهراً، وعندما نطقت، نطقت كفراً... من عجزوا عن إدخال شربة ماء أو حبة دواء لنساء غزة وأطفالها، من دون إذن نتنياهو، طيلة 26 شهراً من حرب الإبادة، عليهم أن يكفّوا عن الإدلاء بمواعظهم وإرشاداتهم، وليحتفظوا بفائض حكمتهم لأنفسهم.


ثالثاً؛ من دون إطلاق مسارات إصلاحية، تضمن قدراً من "الحكم الرشيد" في دول الأزمات المفتوحة، ولا أتحدّث هنا عن تحوّلات ديمقراطية عميقة، يصعب تجفيف الأسباب الكامنة وراء تفاقم "الهويات القاتلة" التي فرّخت العديد من المليشيات والجماعات المسلّحة التي انتشرت كالبنت الشيطاني في إقليمنا العربي.


ثمّة عمليات سياسية جادّة وجدّية، يتعيّن أن تنتهي إلى بناء الدولة الجامعة، واستعادة الهوية الجمعيّة، وإدماج كلّ الكيانات والمكوّنات في نظام سياسي متجدّد، أما "الشيطنة" و"الاستئصال"، فيجب أن تكون حصراً من نصيب "مجرمي الحرب" وحدهم، وشعوبنا العربية التي اكتوت بنيرانهم، تعرفهم جميعاً، وتعرفهم بالاسم، ودائماً من على قاعدة "عدم الإفلات من العقاب" و"العدالة الانتقالية".


رابعاً؛ ليس الغرب وحده، المُبتلى بداء "المعايير المزدوجة"، فلدينا عواصم عربية وإسلامية أشدّ ابتلاءً بهذا الداء، والمؤسف حقاً، أنّ سهام نقدها وحقدها، إنما ينصبّ حصراً على فصائل وقوى معادية لـ "إسرائيل"، وتحتفظ بهذا القدر أو ذاك، بعلاقة مع إيران، من دون أن تكلّف هذه العواصم نفسها عناء طرح السؤال: لو أنّ هذه القوى وجدت لديها الحضن الدافئ، هل كانت ستتجه إلى طهران؟... لو أنّ هذه العواصم، تملّكت رؤى وبرامج وأدوات، لكبح الهيمنة الإسرائيلية، وإجبار "تل أبيب" على التخلّي عن نهمهما وشهيتها التوسّعية واحتلالاتها المتمادية للأرض الفلسطينية والعربية، هل كانت هذه القوى لتنشأ أصلاً، أو يتعزّز نفوذها وحضورها على ساحات الإقليم؟.

 

©2025 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology