
افراسيانت - العلاقات الأمريكية الأوروبية لم تعد قائمة على التحالف بقدر ما باتت تقوم على الإهانة والضغط. هكذا تصفها صحيفة “الغارديان” التي اتهمت الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالسعي لإضعاف الحلفاء التقليديين لواشنطن والهيمنة عليهم، مشددة على أن القادة الأوروبيين بحاجة إلى تعلم كيفية الرد على هذا النهج.
تقول , الصحيفة أن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشار الألماني فريدريش ميرتس باتوا يجيدون التعامل السريع مع الأخبار السيئة القادمة من واشنطن. فقد تم ترتيب اجتماعهم مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في 10 داونينغ ستريت بشكل عاجل، إلا أن هذا الارتجال الدبلوماسي، بحسب الصحيفة، لا يكفي لمواجهة التهديدات الهيكلية التي يمثلها ترامب على الأمن الأوروبي.
وقالت الصحيفة إن الرئيس الأمريكي ومبعوثيه يمارسون ضغوطاً على زيلينسكي للقبول باتفاق سلام غير عادل يخدم المصالح الأمريكية والروسية.
استراتيجية الأمن القومي التي أصدرها البيت الأبيض الأسبوع الماضي قدمت دليلاً إضافياً على ازدراء الإدارة الأمريكية للقيم الديمقراطية الليبرالية، ورغبتها في تقليص الضمانات الأمنية التي أسست النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية.
الأحداث القاتمة التي سبقت موسم الأعياد كشفت حدود الاكتفاء بردود الأزمة وتجاهل استفزازات حركة “ماغا”. ذلك أن استراتيجية الأمن القومي التي أصدرها البيت الأبيض الأسبوع الماضي قدمت دليلاً إضافياً على ازدراء الإدارة الأمريكية للقيم الديمقراطية الليبرالية، ورغبتها في تقليص الضمانات الأمنية التي أسست النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، بالتوازي مع الضغط على الاتحاد الأوروبي للتخلي عن قيمه ومبادئه الأساسية.
أن الوثيقة الأخيرة بدت بمثابة نسخة رسمية لما طرحه نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث تضمنت توقعات بـ”محو الحضارة” الأوروبية بسبب الهجرة والتكامل الأوروبي، كما حملت دعوات لترسيخ “المقاومة” ضد المسار الأوروبي ودعم التيارات القومية.
وفي ظل التهديدات الأمريكية المتزايدة، لا يمكن اعتبار إدارة كهذه حليفاً فعلياً، فترامب وأنصاره من دعاة “أمريكا أولا” ينظرون إلى الاتحاد الأوروبي باعتباره عبئاً أمنياً ومنافساً اقتصادياً وخصماً ثقافياً يجب تقويضه. بحسب مراقبين، فإن استراتيجية الأمن القومي الأمريكية والرئيس ترامب يسعيان لجرّ أوروبا نحو حالة من الضعف والتبعية للصناعة والتكنولوجيا الأمريكية، ما يجعلها عرضة للابتزاز السياسي.
وفي سياق متصل، كرر ترامب مواقفه التصعيدية في مقابلة مع مجلة “بوليتيكو”، حيث هاجم القادة الأوروبيين ووصف أوروبا بأنها “مجموعة دول متهالكة” يديرها “رجال ضعاف”. وانتقد فشل الأوروبيين في ضبط الهجرة ووضع نهاية للحرب الروسية الأوكرانية، مشيراً إلى أنه سيدعم مرشحين سياسيين في أوروبا يتماهون مع رؤيته للقارة. هذه التصريحات تمثل أعنف هجوم يشنه ترامب على الديمقراطيات الأوروبية حتى الآن، وتهدد بزعزعة علاقات الولايات المتحدة مع دول محورية مثل فرنسا وألمانيا.
وقال ترامب في المقابلة: “أعتقد أنهم ضعاف، ولا يعرفون ماذا يفعلون. أوروبا لا تعرف ماذا تفعل”.
وتأتي تصريحات ترامب في وقت حساس للمفاوضات الرامية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، بينما يخشى القادة الأوروبيون من احتمال تراجعه عن دعم كييف. وبدلاً من طمأنة الأوروبيين، أكد ترامب أن روسيا في موقع أقوى من أوكرانيا. وأثارت استراتيجية الأمن القومي الجديدة استياء واسعاً في العواصم الأوروبية، حيث قدمت رؤية عدائية للوضع السياسي الأوروبي، متعهدة بـ”تعزيز المقاومة” للسياسات الأوروبية السائدة، خصوصاً في ما يتعلق بالهجرة.
وباستدعاء خطاب شعبوي، هاجم ترامب مدناً أوروبية مثل لندن وباريس بزعم أنها “تئن تحت وطأة الهجرة”. وخص عمدة لندن صادق خان بوصفه “كارثة”، مدعياً أنه انتخب بسبب أصوات المهاجرين.
وفي حديثه مع “بوليتيكو”، أكد ترامب أنه سيواصل دعم مرشحين مفضلين لديه في الانتخابات الأوروبية، حتى لو أثار ذلك غضب السكان المحليين. وقال: “سأدعم أي مرشح… لقد دعمت فيكتور أوربان”، في إشارة إلى رئيس الوزراء المجري اليميني المتشدد.
وعن الحرب في أوكرانيا، قال إن القادة الأوروبيين “يتحدثون ولا يفعلون شيئاً”، .
هذا ودعا وزير الخارجية الفرنسي جون نويل بارو، أوروبا إلى تسريع خطواتها نحو تحقيق "الاستقلال الإستراتيجي"، معتبرا أن إستراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة التي نُشرت، الجمعة الماضي، تمثل تحولا واضحا في أولويات واشنطن، وتعطي الأفضلية لشؤون الأميركتين في وقت تتحدث عن "تراجع" أوروبا.
وقال بارو في الجمعية الوطنية (البرلمان) إن الوثيقة الأميركية "لحظة توضيح وحقيقة" تفرض على أوروبا الثبات على مسارها وتسريع خطواتها، مضيفا أنها "تثبت أن فرنسا كانت محقّة" منذ عام 2017 عندما دعت إلى استقلالية إستراتيجية أوروبية.
وتوقّعت الإستراتيجية الأميركية ما سمّته "المحو الحضاري" لأوروبا ودعت إلى مكافحة "الهجرات الجماعية".
وأشار وزير الخارجية الفرنسي إلى أن شعوب أوروبا "ترفض الاستسلام في حروب الغزو أو الحروب التجارية"، في إشارة إلى الخطة الأميركية لإنهاء الحرب في أوكرانيا التي تعتبرها دول أوروبية مواتية للمطالب الروسية، وإلى زيادة الرسوم الجمركية الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وأضاف بارو أن "شعوب أوروبا ترفض أن تصبح قارة تابعة وهرمة"، وتريد أن تكون القارة "قوة ديمقراطية لا يسمح أحد لنفسه بأن يقرر عنها".
وأثار نشر إستراتيجية الأمن القومي الأميركية الجديدة انتقادات أوروبية واسعة، إذ وصف المستشار الألماني فريدريش ميرتس أجزاء منها بأنها "غير مقبولة" من وجهة نظر أوروبية.
إعادة التسلح
وفي موقف فرنسي آخر، صرّحت وزيرة الدولة في وزارة الجيوش أليس روفو، ، أن أوروبا يجب أن تسرّع عملية إعادة التسلح لمواجهة "التحول الصارخ" في العقيدة العسكرية الأميركية.
ووصفت روفو، أمام نواب الجمعية الوطنية، الإستراتيجية الأميركية بأنها "تفسير بالغ القسوة" للأيديولوجية الأميركية.
وبحسب وكالة رويترز، أحدثت الوثيقة الأميركية التي نُشرت، الأسبوع الماضي، "صدمة" في أوروبا، بعد أن تحدثت عن "محو حضاري" محتمل للقارة.
وأكدت روفو أن أوروبا "لن تحظى بالاحترام إلا إذا عرفت كيف تفرضه"، مضيفة أن العالم يعيش في "عالم من آكلي اللحوم"، ما يستدعي تقوية القدرات الدفاعية الأوروبية.
يبدو ان المسالة لن تتوقف عند هذا الحد , فالاستياء الاوربي بلغ مستوى عاليا من التوتر والافاق المستقبلية بين امريكا في عهد ترامب واوربا تنذر بمزيد من التصادم.

