افراسيانت - سامر إلياس - يكشف الاهتمام المتزايد بمشاركة روسيا بمؤتمر ميونخ للأمن 2016 عن عودة أمجاد روسيا، المؤثرة دولياً، وصعوبة التخلي عن موسكو خلال بحث قضايا الأمن والسلم في العالم أو حل أي من النزاعات.
الرئيس فلاديمير بوتين سيكون أبرز الغائبين عن دورة العام الحالي بعد اعتذاره، لكن الحضور الروسي لن يتأثر كثيرا. فروح خطاب بوتين في عام 2007 لا تزال تخيم على قاعات المؤتمر، ويستحضرها رجال الأمن والسياسة العالميين إضافة إلى الإعلام العالمي.
ومن الواضح، أن الظروف تغيرت كثيرا منذ مؤتمر ميونخ للأمن عام 2007، الذي شنّ فيه بوتين هجوما شديد اللهجة على الولايات المتحدة، بسبب سياسة الهيمنة، التي تنتهجها، وانتقد الأحادية القطبية في إدارة العالم، ودورها في اندلاع نزاعات مسلحة حصدت عددا كبيرا من الضحايا؛ مؤكدا أن "محاولة حل المشكلات بطريقة أحادية الجانب أدت إلى حصول مآس إنسانية جمة".
وما حذرت منه روسيا، انعكس قتلا ودمارا على العراق، وفشلا ذريعا في تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان والصومال وغيرهما. وفي المقابل، فإن الدور الروسي ازداد أهمية في معالجة القضايا العالمية وتحديات الإرهاب والأمن.
وإن تكليف رئيس الوزراء دميتري مدفيديف، المعروف بتوجهاته الليبرالية، بترؤس الوفد الروسي، والمشاركة الفعالة لرئيس الدبلوماسية سيرغي لافروف، المعروف بحنكته ومواقفه المبدئية، يحملان رسائل عدة. ولعل أهمهما استحالة المراهنة على حدوث انقسامات داخل النخبة الحاكمة في روسيا، كما كان الوضع في نهاية عصر الاتحاد السوفيتي، وفي سنوات حكم الرئيس بوريس يلتسين.
وتعكس تشكيلة الوفد الروسي رغبة في الانفتاح ومواصلة التعاون مع الغرب في حل جميع القضايا الدولية، ولكن ليس على حساب مصالح روسيا القومية والاستراتيجية.
وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية، التي تسبب بها تراجع أسعار النفط والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا على خلفية الأزمة الأوكرانية وانضمام القرم، فإن القيادة الروسية لا تزال تحظى بشعبية تفوق 80 في المئة وتحسد عليها. ما يغلق الباب أمام أي محاولات غربية للمراهنة على احتجاجات شعبية تسهم في قلقلة الأوضاع الداخلية.
ومن المؤكد أن روسيا لا تشارك في المؤتمر الحالي بحثا عن مجد سابق، أو للمطالبة بمنحها بعضا من الاهتمام والاحترام بمراعاة مصالحها الجيوستراتيجية والاقتصادية، والأخذ بموقفها في إدارة شؤون العالم في ظل عالم متعدد الأقطاب، والكف عن النظر إليها كطرف خاسر في الحرب الباردة عليها دفع أثمان باهظة، على حساب شعوبها ودورها في محيطها السوفيتي، وعلاقاتها التقليدية في مختلف القارات.
ومن نافلة القول، إن نقاش أجندة مؤتمر ميونخ الحالي، والتوصل إلى أي تفاهمات لا تستقيم من دون مشاركة روسيا الفاعلة.
ففي السنوات الأخيرة ازداد ثقل روسيا السياسي عالميا، وعادت بقوة إلى مناطق كانت قد فقدتها في تسعينيات القرن الماضي العجاف، عندما ظن "الإصلاحيون" والليبراليون أن التماهي مع مواقف الغرب سيعجل بدمج روسيا في العالم، ويساهم في تقوية اقتصادها، وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين. لكن هذه السياسة جلبت كوارث للشعب الروسي، وأضعفت نفوذ روسيا في محيطها الحيوي، وكادت أن تتسبب في انفصال أجزاء من الاتحاد الروسي.
ومع ازدياد قوة روسيا العسكرية، والسياسية والاقتصادية، وتشعب علاقاتها ومشاركاتها في حل القضايا العالمية - لا يمكن بحث كيفية منع اندلاع النزاعات الدولية، وإعادة النظر في آليات إدارة شؤون الأمن على نطاق العالم، من دون الأخذ بوجهة النظر الروسية في مؤتمر ميونخ وغيره.
ففي السنوات الأخيرة، استطاعت موسكو بقوتها وتحالفاتها مواجهة العقيدة الهجومية، التي يتبناها حلف شمال الأطلسي منذ الحرب الباردة، ووقفت في وجه توسع الناتو شرقا. كما كسر الكرملين الهيمنة الأمريكية على مراكز الثقل العسكري والسياسي والإعلامي في العالم، واستخدمت روسيا الأسلحة للدفاع عن مصالحها ودعم حلفائها؛ ما أجبر كثيرا من الساسة على إعادة الحديث عن العالم متعدد الأقطاب لإدارة دفة النظام الدولي بدلا من سياسة القطب الواحد.
ولا يمكن إنكار دور روسيا في محاربة الإرهاب، وهو الخطر الذي يهدد جميع بلدان العالم، أو مساهمتها في حل بعض القضايا المعقدة، كالملف النووي الإيراني؛ وهو ما حال دون حصول مواجهة عسكرية غير محمودة النتائج على المنظومة الأمنية والاقتصادية في العالم.
وأخيرا، فإن خطاب بوتين، المدوي في ميونخ عام 2007، لن يغيب عن أجواء هذا العام مع فارق مهم؛ وهو زيادة التأييد لدعوات إحلال الأمن والسلام ومنع النزاعات، مع الإقرار بدور روسي فعال، وليس من باب المشاركة فحسب.