افراسيانت - أشرف الصباغ - انتهى لقاء ميونيخ حول الأزمة السورية بتصريحات حول اتفاقات مثيرة للتفاؤل والتساؤل في آن واحد.
لقاء ميونيخ جاء بين لقائين في جنيف. الأول، انتهى في المنطقة الوسط بين الفشل والتأجيل. والثاني (المقرر عقده في 25 فبراير/شباط الجاري) قد ينتهي بما انتهى إليه لقاء ميونيخ، في 11 فبراير/شباط الحالي، بتصريحات حول اتفاقات ظاهرها يحمل كل علامات التوافق، وباطنها يؤكد استمرار "العناد" الجيوسياسي والعسكري. وفي الحقيقة، فلقاء ميونيخ لم يأت بأي جديد غير ما ورد في لقاءات وتصريحات سابقة على لسان غالبية أطراف النزاع في داخل سوريا وخارجها. فالحديث جرى عن انتخابات خلال 18 شهرا، وضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المنكوبة في سوريا. وقبل هذا وذاك، جرى الحديث عن هدنة أو وقف القتال بعد أسبوع من "تأكيد الحكومة السورية والمعارضة عليه". ولكن لا أحد يعرف بالضبط الفترة التي ستسبق هذا الأسبوع. ولا أحد أيضا يعرف إلى الآن ما هي المعارضة وما هي قوائمها من جهة، وهل هذه المعارضة تعترف بالحكومة السورية أم لا، من جهة أخرى.
التفاؤل الذي يحيط بما أسفر عنه لقاء ميونيخ له أسباب قد تخص وسائل الإعلام والحملات الإعلامية المتبادلة بين مختلف الأطراف، وقد تتعلق أيضا ببث الأمل في نفوس ملايين اللاجئين والنازحين والمشردين السوريين في داخل سوريا وخارجها. ولكن هذا التفاؤل يتحطم على صخرة الواقع عندما ننظر إلى إحدى نتائج لقاء وزراء دفاع دول حلف الناتو في بروكسل، والتي تدور حول إمكانية ضم الحلف كعضو إلى ما يسمى بالتحالف الأمريكي ضد "داعش". فقد أعلن وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر، عقب انتهاء اللقاء الذي استمر لمدة يومين، أن الولايات المتحدة تدرس إمكانية التحاق حلف شمال الأطلسي كعضو في التحالف الدولي المناهض لتنظيم "داعش"، مؤكدا على أن دول الحلف اتفقت على تكثيف ضرباتها ضد "داعش". وفي الوقت نفسه دعا كارتر دول الخليج إلى تكثيف مساهمتها في الجهود العسكرية ضد التنظيم خلال الفترة المقبلة. فماذا يعني كل ذلك؟!
من الصعب أن يمر تصريح كارتر هذا بدون إثارة الرأي العام وخلط الأوراق وصب المزيد من الزيت على النار. لأن التصريح عندما يتزامن مع تصريح آخر يتعلق باتفاق دول الناتو على ردع روسيا والتوسع شرقا وعسكرة أوروبا الشرقية، نصبح أمام مشهد آخر يثير القلق والتشاؤم، ويؤكد على رغبة الولايات المتحدة وحلفها الأوروأطلسي على المضي قدما في التحضير لمجموعة من الحروب والصدامات الجزئية في مناطق مختلفة من العالم، وعلى رأسها الشرق الأوسط، ومنطقة أوروبا الشرقية المتوزعة على البلقان والبلطيق والبحر الأسود.
على خلفية هذا المشهد المرعب بالفعل، قد تبدو تحذيرات رئيس الوزراء الروسي دميتري مدفيديف في محلها. فالرجل حذر من اندلاع حرب عالمية وتعطيل المفاوضات السورية، في حال تدخل قوات أجنبية فى الحرب بسوريا.
تحذير مدفيديف موجه إلى الولايات المتحدة وحلفائها العرب في المقام الأول. ولكننا يمكن أن نتعامل معه باعتباره موجها أيضا إلى حلف الناتو وتركيا ودول أوروبا الشرقية، وإلى كل الصقور الذين يتحدثون بلباقة سياسية ودبلوماسية في العلن، ويصبون الزيت على النار في الخفاء، ويشعلون الحروب وراء الأبواب المغلقة.
لقد حذر مدفيديف من تلك الحرب المستمرة التي ستستنزف طاقات وثروات الجميع، مشددا على أن لا أحد يربح في مثل تلك الحروب المستمرة. وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تقف روسيا مكتوفة اليدين، توجه المواعظ لهذا الطرف أو ذاك. فهناك مصالح لروسيا كدولة كبرى وعضو دائم في مجلس الأمن، ولديها شبكة واسعة من العلاقات الدولية في القارات الست. من هنا تحديدا أكد مدفيديف على أن وجود روسيا العسكري في سوريا دفاع عن مصالحها الوطنية، وذلك مع الأخذ في عين الاعتبار أن القيادة السورية توجهت إلى روسيا بطلب هذا الدعم العسكري. هذا التصريح يذكرنا دائما بأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة غير شرعي ولم يطلب منه أحد التدخل العسكري. وإذا كانت هناك اتفاقات ما بين واشنطن وهذه العاصمة العربية أو تلك، فإنها اتفاقات لا يمكنها أن تمنح أي طرف حق التدخل العسكري في دولة أخرى بدون السماح بذلك من حكومة تلك الدولة.