افراسيانت - بقلم: حاتم استانبولي - مشكلة اللاجئين تتفاقم المئات يموتون في البحار وعلى الطرق وفي الشاحنات. وشخصيات رواية غسان كنفاني تحضر من جديد, وليس لها حل بالأفق المنظور, وحلها لن يكون برفع الأسوار, او اغلاق المنافذ والحدود , بل بالحل الجذري لأسبابها.
ان اقدم مشكلة لاجئين هي اللاجئين الفلسطينيين وهي في الجوهر مشكلة وطنية , واللاعبين الدوليين في ذلك الوقت كانوا يدركون ان هذه الأزمة التي لن يكون لها حل سريع. لذلك اخذوا قرارا بانشاء منظمة تابعة للأمم المتحدة تخص استيعاب لجوئهم وتمويل بقائهم في الدول المضيفة , مع وعود لهم بتحسين اقتصادياتهم ودعم نظم حكمهم القائمة.
وبعد ذلك اصبح اللاجئين يبحثون عن اماكن اخرى للجوء وبدات عملية تسريب ممنهجة لهم الى منافي جديدة يحاولون من خلالها تذويبهم في المجتمعات الجديدة . وبعد مرور السنين تبين لهم ان الأجيال الجديدة اللاجئين هم نسخة عن ابائهم وامهاتهم ولكن مع ثقافة جديدة تحاكي ضرورات العصر في مواجهة المغتصب , وبدأ يدرك بعض المتنفذين في الدول الصانعة لمشكلة اللجوء ان الحل يكمن في الحل السياسي للأزمة وليس يتهجير المهجر.
ولكن الآن لم تصبح مشكلة اللاجئين تقتصر على الفلسطينيين بل اصبحت مشكلة عامة لشعوب المنطقة بدأ من العراق الى سوريا ولبنان وليبيا. وسنرى قريبا الآلاف من اليمن.
وهذه المشكلة اذا ما دققنا بها فان اسبابها واحدة, تكمن في المحاولات الدائمة لقوننة وتشريع (دولة اسرائيل), ان كل ازمات المنطقة التي عانت وتعاني منها بدأت عندما اغتصبت فلسطين وبدات المحاولات لتطويع المنطقة من اجل قبول والتعايش معها, واستعملت كافة الوسائل من اجل ذلك القوننة في المحافل الدولية ومن ثم تطويع دول المنطقة عبر سياسة ا(لترغيب والترهيب), وعندما لم تفلح هذه السياسة مع الدول المركزية في المنطقة , بدات سياسة جديدة في تفكيكها واعادة تركيبها , والتلاعب في مكوناتها الداخلية لتغيير ثقافتها المشتركة القائمة على اساس التعايش المشترك بين مكوناتها.
لثقافة جديدة قائمة على اساس الأقصاء والألغاء والتهجير والقتل . واندفعت اعداد هائلة من اللاجئين الجدد . وبعد ان اغلقت الدول الأقليمية المشاركة في تقويض صيغة العيش المشترك في هذه الدول حدودها امامهم.
بدأت تندفع الى الدول الغربية التي ساهمت ورعت سياسة تفكيك المجتمعات المحلية . وتحولت مشكلة اللاجئين الى مشكلة داخلية في المجتمعات الغربية , ستغير الشكل السياسي للنظم , حيث بدأت بوادر صعود اليمين المتطرف وتوسعت قاعدته بشكل مضطرد.
وسياسة التضليل للمواطن الغربي متواصلة حيث هم لا يدركون ان مشكلة اللاجئين احد اهم اسبابها هي سياسات حكوماتهم الخارجية والتي دفع ثمنها هؤلاء اللاجئين.
وبالرغم من ان البعض في مركز القرار يعلمون ان نسبة كبيرة من اللاجئين سوف يكون لهم انعكاسات ايجابية على المجتمعات الغربية من ناحية توفير كفآت علمية بلا مقابل ( فمثلا الطبيب في الدول الغربية لكي يصبح طبيبا يكلف الدولة اكثر من مائتي الف دولار ) ناهيك عن التخصصات الأخرى.
ان اللجوء في جوهره هو تفريغ للمجتمعات من كفآتها المتخصصة والتي انتجتها مجتمعاتنا ليقدم بلا مقابل لمجتمعاتهم.
ولذلك فان الصراخ المخادع من قبل ساستهم هو في جوهره نفاق سياسي واخلاقي . وسنبقى ندفع الثمن غاليا من لحمنا الحي طالما لم ندرك ان لغة الحوار هي التي يجب ان تحكم اي خلاف بين مكونات مجتمعاتنا.
والحوار يحتاج الى ديمقراطية والديمقراطية بحاجة لثقافتها القائمة على اساس الأحترام المتبادل , ومحاولة سماع الآخر , والغاء صيغة تمجيد الفرد لصالح تمجيد العمل الجمعي المشترك.
والأهم ادراك ان مشكلة المنطقة ستبقى دائمة, ما دام لا حل عادل لجوهر المشكلات, وهي مشكلة الشعب الفلسطيني في عودته الى ارضه ومن ثم خياراته الوطنية في شكل دولته القادمة.