افراسيانت - اتهم حزب المعارضة الرئيسي في تركيا الرئيس رجب طيب أردوغان باستغلال ذكرى وفاة مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية العلمانية الحديثة في محاولة لتحقيق مكاسب سياسية قبل الانتخابات في عام 2019. واستقبل كثيرون بسخرية حديث أدروغان بخصوص الحفاظ على إرث أتاتورك. فلسان حاله لا ينطق بما يجري على أرض الواقع من عمليات متواصلة لاقتلاع الدولة التركية التي بناها أتاتورك من جذورها، والانقلاب على الجمهورية التركية كما فعل أتاتورك قبل حوالي مئة عام حين انقلب على الإمبراطورية العثمانية التي يتطلع أردوغان إلى إحياء إرثها في تركيا.
اذن ! - ماذا عسى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يفعل، وهو يتطلع بقلق إلى انتخابات 2019 سوى الثناء على أتاتورك مع احتفال الأتراك بالذكرى الـ79 لوفاته.
لكن، لم يكن أردوغان مقنعا وهو يتحدث عن مناقب “أبوالأتراك” وإرثه الذي يجب الحفاظ عليه، وهو الذي سعى، ومازال، على مدى سنوات إلى تغيير ملامح تركيا الأتاتوركية العلمانية بملامح تركيا الأردوغانية الإخوانية العثمانية.
من جهة يقول الرئيس التركي ورئيس حزب العدالة والتنمية، ذو الأيديولوجيا الإسلامية، إن “أتاتورك من الزعماء الذين قادوا بلادهم إلى التحرير، وحققوا انتصارات وإنجازات كبيرة عبر التاريخ”، ومن جهة أخرى يعمل هو وحزبه ضد قيم مؤسس الجمهورية، خلال فترة وجوده في السلطة، والعبارات التي كان يستخدمها لا تزال محفوظة في الذاكرة.
وتنتقد دنيس أوز، الكاتبة في موقع “أحوال تركية” الذي يصدر باللغات التركية والإنكليزية والعربية، هذه الممارسات، مشيرة إلى أن حزب العدالة والتنمية حظر عيد ذكرى أتاتورك والشباب والرياضة من بين الأعياد الوطنية التي حظرها حزب العدالة والتنمية.
وتمت إزالة اسم مصطفى كمال أتاتورك من الملاعب والمدارس والشوارع والأزقة؛ بالإضافة إلى العمل على تغيير مناهج التعليم وتحويلها بمناهج إسلامية، ناهيك عن سن العديد من القوانين التي تبعد البلاد أكثر فأكثر عن توجهها العلماني الذي أرساه كمال أتاتورك يوم أعلن عن قيام الجمهورية التركية (29 أكتوبر 1923).
وتذكر أوز أن مجلس بلدية مقاطعة يركوي بولاية يوزغات، المنتمي إلى حزب العدالة والتنمية قرر تقسيم شارع أتاتورك إلى جزأين، وتم إطلاق اسم رئيس الوزراء بكير بوزداغ على الجزء الآخر.
وتضيف الصحافية التركية أنه تم هدم ملاعب أتاتورك في ربوع تركيا، واحدا تلو الآخر، والشروع في بناء الملاعب الجديدة باسم “الساحة”. ومن هذه الملاعب رصدت:
*إغلاق إستاد أتاتورك في قونية، ولعب المباريات في “إستاد يني قونية”.
*هدم إستاد أتاتورك في قيصري، واستخدم “إستاد قيصري سبور قادير هاس” في عام 2009 بدلا منه.
*هدم إستاد أتاتورك في أنطاليا، وأنشئ بدلا منه إستاد جديد يسمى “ساحة أنطاليا”.
*إغلاق إستاد أتاتورك في بورصة، وتم بناء إستاد جديد يسمى “ساحة التماسيح”.
*هدم إستاد أتاتورك في ريزه ليحل محله مركز تسوق، ولعبت مباريات نادي ريزه سبور في إستاد مدينة ريزه الجديد.
أردوغان لم يكن مقنعا وهو يتحدث عن إرث أتاتورك الذي يجب الحفاظ عليه وهو الذي يسعى إلى تغيير ملامح تركيا العلمانية
*هدم إستاد أتاتورك في إسكيشهير، وأنشئ إستاد جديد باسم “ساحة إس إس” بدلا منه.
*هدم إستاد أتاتورك في ديار بكر، وأعلن أن الاسم المتوقع إطلاقه على الإستاد المقام مكانه سيكون “ساحة ديار بكر”.
وقال إردال أكسونغر، نائب البرلمان في إزمير عن حزب الشعب الجمهوري أن اسم “أتاتورك” أزيل من منشآت تدريب الشباب والكشافة في إزمير.
الابتعاد عن أتاتورك
في 6 نوفمبر الماضي طرح عمر فاروق غورير، نائب البرلمان في نيدة عن حزب الشعب الجمهوري، على جدول أعمال مجلس الأمة التركي تحقيقا برلمانيا عن تغيير أسماء الملاعب التي تحمل أسماء “أتاتورك” و”إينونو”، وإطلاق اسم “الساحة” بدلا منها.
وعلق غورير على تغييرات الأسماء قائلا “إن إزالة اسم أتاتورك من الملاعب أمر غير مقبول، وأقوال حزب العدالة والتنمية عند توليه السلطة في عام 2002 لم تتطابق مع ممارساته اللاحقة، حيث أزال اسم أتاتورك وقيمه، واحدا تلو الآخر، بينما كان يبدو أنه مع النهج الأساسي له أو إنه يحبه، وتمت إزالة اسم أتاتورك من كل الملاعب الرياضية في جميع أنحاء البلاد، وتم تغيير اسم الملعب إلى “ساحة”. يجب علينا أن نقف ضد تغيير اسم أتاتورك في تلك النوادي الرياضية، ولكنهم للأسف اختاروا الإذعان من أجل المال”.
وطالب غورير بضرورة أن يعلم المجتمع سبب إزالة اسم أتاتورك من المدارس والملاعب. وقال إن “الابتعاد عن أتاتورك هو الابتعاد عن تركيا، إننا قد ابتعدنا في البداية عن كلمة ‘السلام في الوطن هو السلام في العالم’، ولم يعد لدينا أي أصدقاء في العالم، حتى إن وضع إكليل من الزهور على النصب التذكاري لأتاتورك خلال الأعياد أصبح مشكلة في هذه الدولة، واقتصرت مشاركة المؤسسات والهيئات في الاحتفالات بالنصب التذكاري على وقفة الإجلال، لقد كانوا يعتقدون أن النضال ضد أتاتورك سيضيف شيئا لهم، ولكن في الواقع تَطَلَّب هذا النضال الجهد الكثير منهم”.
ولا يقتصر الأمر على المدارس والملاعب، حيث يعمل أردوغان على تغيير مختلف المعالم التي تخلد ذكرى أتاتورك.
وأكبر تحدّ لأردوغان في هذا السياق هدم مركز أتاتورك الثقافي في قلب إسطنبول وبناء متحف إسلامي ومسجد على أنقاضه، الأمر الذي يلاقي معارضة شديدة تعيق تقدمه، وإن كان الخبراء يرون أن الرئيس التركي سيمضي قدما في تحقيق ذلك حتى لو أجل الأمر لما بعد انتخابات 2019.
ومن الممارسات الأخرى التي ترصدها أوز تغيير اسم مطار أتاتورك الدولي، مشيرة إلى أنه سيتم افتتاح المطار الثالث، الذي بني في إسطنبول، في الذكرى السنوية للجمهورية في 29 أكتوبر 2018، وبافتتاح المطار الجديد سيتم إغلاق مطار أتاتورك أمام حركة الطيران، أما اسم المطار الذي سيتم افتتاحه حديثا فسيكون “مطار رجب طيب أردوغان الدولي” في تطبيق خرائط غوغل.
تغيير المناهج
تحوّلت مدرسة المارشال مصطفى كمال الإعدادية في مقاطعة سلجوقلو في قونية إلى “مدرسة حميدية لتخريج الأئِمَّة والوعَّاظ”، وذلك ضمن سياسة ممنهجة ترمي إلى أسلمة التعليم في تركيا.
ويطرح موضوع تغيير المناهج التعليمية في تركيا جدلا واسعا بين مؤيدين ومعارضين يعتبرون أن ذلك يبطن سعي حكومة حزب العدالة والتنمية إلى أسلمة المجتمع عبر مقاعد الدراسة من خلال فسخ البرامج التعليمية التي تتناول تاريخ أتاتورك وعلمانية الدولة التركية.
وتقول أوز إنه تم تقليل موضوعات أتاتورك في المنهج الجديد الذي بدأ تطبيقه مع هذا العام الدراسي، وإلغاء وحدة “الكمالية” في درس تاريخ الثورة والكمالية للصف الثامن، كما تم تقليل التركيز على الكمالية في الدروس.
وأعلن وزير التعليم التركي، عصمت يلماز عن اختصار سيرة أتاتورك في المناهج، مقابل إضافة قسم عن محاولة الانقلاب الفاشلة ضد نظام أردوغان في يوليو 2016.
ويقول رئيس نقابة المعلمين فيراي آيتكين آيدوغان تعليقه على تقليل موضوعات أتاتورك بقوله “في الواقع إن عملية تقليل الموضوعات المتعلقة بأتاتورك، والكمالية، وحرب الاستقلال وفترة الجمهورية قد بدأت منذ عام 2012”.
ويضيف آيدوغان قائلا “إن جميع القيم التي أقمناها من خلال العناصر التأسيسية لبلدنا أزيلت وتم إلغاؤها تدريجيا”.
وتختم دنيس أوز قراءتها لسياسة التناقض التي انتهجها الرئيس رجب طيب أردوغان في ذكرى وفاة أتاتورك (10 نوفمبر) بتصريح الخبير في القانون والكاتب علي سيرمين أن “حزب العدالة والتنمية ليس حزبا متصالحا مع النظام، ومع مصطفى كمال”.
ويرى سيرمين أن حزب العدالة والتنمية “لعب بعواطف المجموعة المتفاعلة من الناخبين”.
ويضيف سيرمين أنه “ليست هناك وسيلة لمصالحة حزب العدالة والتنمية مع مصطفى كمال، لأن حزب العدالة والتنمية ليس متوافقا مع العلمانية، فهو ضدها، وحزب العدالة والتنمية نظام يحمي الدولة الدينية، ويريد السيطرة على البلاد، ومحاولة التوافق مع مصطفى كمال أتاتورك ليست سوى ذرا للرماد في العيون”.