افراسيانت - معن بشور - كم هو جميل ان تتنفس في دار الندوة الهواء النظيف وانت تستمع الى احاديث عن الديبلوماسي والشاعر التقدمي الراحل السيد عبد المطلب الأمين نجل المجتهد الأكبر السيد محسن الأمين ابن جبل عامل الذي أقام طيلة عمره في دمشق الرائعة في حي الامين الذي سمي باسمه، والذي كان يجتمع في منزله المتواضع أركان الحركة الوطنية السورية المناضلين ضد الاستعمار الفرنسي، والذي كان وراء تأسيس مستشفى المجتهد أقدم مستشفيات دمشق والذي سمي باسمه. لفتني في سيرته كلمة قالها للمندوب السامي الفرنسي الذي عرض عليه قصرا يسكنه، وامتيازات كبيرة في مقابل ان يترأس المركز الإسلامي الكبير في سوريا ولبنان. قال المجتهد الكبير يومها انت تعرض علي ان اكون موظفا لدى الدولة الفرنسية وانا اعتبر نفسي موظفا عند الله.
كم نفتقد هذه الأيام علماء وقادة عابرين للاقطار والطوائف والمذاهب والمصالح الصغيرة كالسيد محسن الأمين الذي احتضنته دمشق وأعطاها عمره وعصارة فكره. اما ابنه السفير والشاعر السيد عبد المطلب الامين فالحديث عنه يطول.
************
تهنئة مزدوجة
تحية وتهنئة مزدوجة للرفاق في الحزب الشيوعي اللبناني على نجاح مؤتمرهم عشية عيد العمال بعد أن راهن كثيرون على فشله. التهنئة مزدوجة للامين العام السابق الدكتور خالد حدادة لحرصه على إنجاز الاستحقاق الحزبي بروح ديمقراطية عالية بعد ان قاد الحزب العريق في ظروف بالغة الخطورة والصعوبة. والتهنئة الثانية للامين العام الجديد النقابي البارز حنا غريب الذي استحق موقعه بجدارة بعد عقود من النضال النقابي الشجاع في مواجهة طواغيت الفساد والاحتكار والاستغلال. ان الشيوعيين اللبنانيين هم ركن أساسي من اركان النضال الوطني والقومي والمقاومة الوطنية وشهداؤهم منارات تضيء مراحل النضال في سبيل وطن حر وشعب سعيد.
************
في عيد العمال
في عيد العمال العالمي، العيد الذي يخترق جميع الحدود والعصبيات، نستذكر مقولة أطلقناها قبل أكثر من أربعين عاما في لبنان، وقبيل الحرب المشؤومة فيه وعليه في ربيع 1975، وهي "إن حال لبنان لا يستقيم إلا إذا استقام حال عماله وكادحيه وفقرائه" وانخرطنا يومها في معارك عمال غندور، وانتفاضة مزارعي التبغ، وإضراب المعلمين الشهير وربطنا بين نضالنا الاجتماعي المتصاعد ونضالنا الوطني المقاوم ضد العدوان الإسرائيلي في جنوب لبنان.
يومها، وربما بسبب تنامي الوعي الاجتماعي مع الوعي الوطني، اجتاحت الحرب اللعينة لبنان ولم تنجح فقط في إنها جعلت الفقير هنا يقاتل الفقير هناك، والعامل من هذه الطائفة يخطف العامل من تلك الطائفة ويهجّره، بل نجحت تلك الحرب في إطلاق حال من الفساد الأخلاقي والسرقة والنهب بقيت مستمرة بعد الحرب وبإضعاف ما كانت عليه خلالها، وتحولت متاريس الحرب إلى حصون طائفية ومذهبية يحتمي خلفها وبها أهل الفساد من هنا وهناك، بل يتقاسمون موارد البلاد وخيراتها، فيزداد الثري منهم ثراءً والفقير من الناس فقراً، وتقهقر الواقع العمالي حتى باتت البطالة السمة الأبرز في مجتمعاتنا، والهجرة الطريق الوحيد لمواجهة هموم الحياة واحتياجاتها، فيما تدهور حال الطبقة الوسطى إلى حدود الاندثار...
لم يكن هذا حال عمال لبنان وحدهم، بل بات حال عمال العرب وكادحيهم وطبقاتهم الوسطى في معظم أقطارهم، بل حال العديد من عمال العالم بعد أن اجتاحت البشرية موجه الليبرالية المتوحشة، وتوصيات صناديقها المدمرة، فباتت الحروب بالوكالة، أو بالأصالة، سمة عالم اليوم، وارتبط الفقر بالدم، والجوع بالحروب....
في عيد العمال العالمي، لا بد من وقفة وطنية وقومية وأممية، أمام القضية الاجتماعية لإعادة استنهاض الهمم والطاقات النضالية لمواجهة وحش الفساد والاحتكار والظلم ولوقف الحروب المدمرة، الطائفية والمذهبية والعرقية، العلني منها والكامن، والانخراط جميعاً في أطر عمل مشتركة، أياً تكن الخلفيات العقائدية، من أجل كرامة المواطن وحرية الوطن... حيث لا تستقيم حال الأوطان إلا إذا استقامت حال المواطنين.
معن بشوّر
30/4/2016