افراسيانت - حبيب فوعاني - قبل أيام، صرح وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق أفيغدور ليبرمان بأن أذربيجان ما زالت الشريك الاستراتيجي الأوحد لإسرائيل في العالم الإسلامي.
أدلى ليبرمان بهذا التصريح إلى وكالة "تريند" الأذرية في الـ5 من أبريل/نيسان الجاري يوم الإعلان عن وقف إطلاق النار بين جيش أذربيجان وأرمينيي إقليم قره باغ (قره تعني بالتركية أسود، وباغ بالفارسية بستان).
وأضاف ليبرمان: "لا ريب في أننا نساند شعب أذربيجان، وقيادته التي تتصرف باتزان. في حين أن الآخرين للأسف لا يتصرفون كذلك".
بيد أن المراقبين لا يستغربون حرص ليبرمان على علاقات بلاده مع أذربيجان، ولا سيما أن زعيم حزب "بيتنا إسرائيل" هو أحد مهندسي تحالف الدولة العبرية الاستراتيجي مع دولة "أرض اللهب".
والعلاقات الإسرائيلية-الأذرية، التي بدأت باعتراف إسرائيل بأذربيجان دولة مستقلة عام 1991، وبإقامة العلاقات الدبلوماسية معها في عام 1992، ثم بفتح سفارة لتل أبيب في باكو عام 1993، أصبحت تتطور بسرعة الضوء بعد ذلك.
ففي عام 1993، بدأت الخطوط الجوية الأذرية "أزال" بتسيير رحلاتها إلى تل أبيب.
وفي عام 1994، أنشأت شركة "GTIB" الإسرائيلية للاتصالات بأموالها شركة "Bakcell" الأذربيجانية للاتصالات الخلوية.
وبعد عشر سنوات، لم يجد النائب الأذري علي محمد نورييف حرجا من الإعلان في مجلس ملي (برلمان) أذربيجان أن إسرائيل هي أحد شركاء أذربيجان الاستراتيجيين، داعيا قيادة بلاده إلى توسيع التعاون مع الدولة العبرية في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.
وقد تُوجت هذه المرحلة بإقامة منتدى إسرائيلي-أذربيجاني للأعمال، في باكو عام 2009، شارك في فعالياته الرئيسان الأذري والإسرائيلي إلهام علييف وشيمون بيريس.
بيد أن الوثائق، التي نشرتها "ويكيليكس" عام 2011، كشفت عن عمق أكبر للعلاقات بين إسرائيل وأذربيجان، وتماهٍ متصاعد بين تل أبيب وباكو، وتباعد متنام للأخيرة عن العالمين العربي والإسلامي. الأمر، الذي لم يمر دون أن يترك بصماته على موقف بعض العرب من النزاع بين الأرمينيين والأذريين.
وقد رفض الرئيس السوري بشار الأسد، أثناء زيارته إلى أذربيجان (07/07/2009)، أن يعرج في باكو على "ممر الشهداء"، الذي دُفن فيه الجنود الأذربيجانيون الذين قُتلوا في الصراع على إقليم قره باغ.
وجاء في تقرير سري، أرسله الدبلوماسي الأمريكي روب غارفيليك في 07 يناير/كانون الثاني 2009 إلى خارجية بلاده أن أذربيجان مثل إسرائيل ترى في إيران التهديد الأكبر لأمنها بل لوجودها.
وأن الرئيس الأذربيجاني وصف بدقة، في مايو/أيار من عام 2008، العلاقات بين باكو وتل أبيب بأنها "جبل جليد يتوارى تسعون في المئة منه تحت الماء بعيدا عن أعين الدخلاء".
ورأى الدبلوماسي الأمريكي أن إسرائيل، بصناعتها العسكرية المتطورة والمتطلبات السياسية الميسرة من زبائنها، تعد توأما مثاليا لأذربيجان..
وأن أذربيجان تستطيع الحصول من إسرائيل على أنواع حديثة من الأسلحة، وعلى تقنيات لا تستطيع الحصول عليها من الولايات المتحدة وروسيا، أو من أوروبا بسبب القيود القانونية المختلفة.
وأضاف الدبلوماسي الأمريكي: "هناك، حيث تخشى دول الغرب بيع أذربيجان منظومات عسكرية متطورة خوفا من شنها حربا لاسترجاع أراضي قره باغ، تنجز تل أبيب بحرية صفقات أسلحة مع باكو، وتجني أرباحها من زبونتها الثرية..
وقد حصلت شركة "سولتام" من أذربيجان على عقد بتوريد مدافع هاون؛ بينما قدمت لباكو شركة "تاديران" أجهزة اتصالات؛ في حين أن مؤسسة الصناعات العسكرية الإسرائيلية "IMI" قدمت الصواريخ. وهي تؤمِّن لباكو طائفة كبيرة من راجمات "لينكس" الصاروخية من عيار 122 ملم المركبة على شاحنات "كاماز" الروسية الثقيلة، وتتكفل بتحديث منظومات "غراد" الصاروخية من عيار 122 ملم السوفياتية القديمة؛ وكذلك أجهزة التصويب للصواريخ من عيار 122-300 ملم، ووسائل إطلاق الصواريخ من عيار 300 ملم".
ويختم الدبلوماسي تقريره بالقول: "لا نعرف بالضبط كل ما اشتراه الأذريون، لكننا على علم بأن صفقة أبرمت بمئات الملايين من الدولارات.
ذلك، وفي إطار تعزيز التعاون الثنائي، جاء إلى باكو عام 2010 ممثلان كبيران للنخبة الإسرائيلية: وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، ورئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت.
أما عام 2012، فكان نقلة نوعية في العلاقات بين البلدين بزيارة أخرى لليبرمان، والتي كانت تمثل إشارة نهائية إلى أن تل أبيب سجلت باكو في قائمة زبائن أسلحتها المفضلين.
وقد تميز ذلك العام بتوقيع أضخم عقد بين البلدين بمبلغ يفوق 1.5 مليار دولار. ووفقا لهذا العقد، فقد تسلمت أذربيجان على مدى أعوام 2013، و2014، و2015 طائرات من دون طيار من طراز "هيرون-1" و"سيرتشير-2"، وستتسلم 4 منها هذا العام. وكذلك، صواريخ "غابريل-5" المضادة للسفن، ومنظومة الدفاع الجوي "باراك-8" ومحطة الرادار للإنذار المبكر "EL/M-2032".
وفي إطار هذا العقد أيضا، يشارك الإسرائيليون في تدريب الكوادر الأذربيجانية على استخدام الأسلحة والتقنيات الإسرائيلية. كما تم تأسيس مصنع مشترك لطائرات "هيرون" من دون طيار، ورشاشات "تار-21" في أذربيجان.
ومن الواضح أن إقامة علاقات وثيقة مع أذربيجان يتوافق مع المبدأ الأساس لبن غوريون – مؤسس الدولة العبرية وأول رئيس وزراء إسرائيلي–، بضرورة أن تبحث إسرائيل المعزولة عن حلفاء لها على أطراف العالم العربي.
غير أن مراقبين يلفتون إلى أن هدف إسرائيل النهائي من التحالف مع أذربيجان هو إبقاؤها ورقة مهمة بيدها في جنوب القوقاز ترفعها، عند تأزم الأمور في الشرق الأوسط، في وجه روسيا، التي تشاطر أرمينيا العضوية في منظمة "معاهدة الأمن الجماعي" و"الاتحاد الجمركي"، والتي لا تكف واشنطن عن محاولاتها لإشعال "ثورة ملونة" فيها.
وإضافة إلى حاجة إسرائيل إلى أذربيجان سوقا للأسلحة، فإن من الضروري لإسرائيل كذلك الحفاظ على أذربيجان حليفا على الحدود مع غريمتها إيران، ورأس جسر لأنشطتها الاستخبارية، ولا سيما أن "الاستخبارات الإسرائيلية تشعر بنفسها في أذربيجان كأنها في بيتها"؛ كما قال دبلوماسي إسرائيلي سابق لموقع "IZRUS" الإسرائيلي الروسي عام 2009.
وعلى هذا الأساس، فإن الدولة العبرية، التي تقلق العالم ولا تدعه ينسى محرقة اليهود، لا تعترف هي بالمجازر الجماعية، التي تعرض لها الأرمن على يد الأتراك، لكي لا تغيظ حليفتها الأوراسية.
وعندما تقوم أحزاب مثل "ميرتس" و"كاديما" و"ليكود" من وقت لآخر بمحاولات لإمرار قرار في الكنيست بالاعتراف بـ"الإبادة الأرمينية"، فإن حزب "بيتنا إسرائيل" الذي يتزعمه ليبرمان، يقف لها بالمرصاد ويجهض بجميع الوسائل هذه المحاولات.
من جانبهم، فإن الساسة الأذريين يجيبون، ردا على الانتقادات بشأن علاقات بلدهم الاستراتيجية مع الدولة العبرية، بأن دولا كثيرة أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وتتبادل الزيارات الرسمية معها، وتتعاون معها في مختلف المجالات.