افراسيانت - محمد الطاهر - شحنت السلطات الأمريكية بين عامي 2003 – 2008 إلى العراق أكثر من 40 مليار دولار في أكبر عملية نقل أموال سائلة في التاريخ، إلا أن هذه الثروة الضخمة تبخرت ولم يعثر لها على أثر.
بدأت رحلة هذه المليارات من الدولارات من مجمع البنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي في إيست روثرفورد بنيويورك، حيث نقلت بشاحنات تحت حراسة مشددة إلى قاعدة أندروز الجوية قرب واشنطن ومن ثم أرسلت إلى العراق عبر جسر جوي في طائرات نقل عسكرية.
هذه المليارات من الدولارات تتكون من عائدات بيع النفط العراقي، والأرصدة العراقية المجمدة، والأموال المتبقية من برنامج النفط مقابل الغذاء، وقد قامت واشنطن بإرسالها إلى العراق في تلك السنوات العنيفة والدموية، بهدف استعادة الخدمات الأساسية، ودعم المؤسسات الحكومية وإعادة الإعمار، ولكي يرى ويُحس العراقيون بفوائد التخلص من "الدكتاتورية".
وصلت هذه الأموال الضخمة سرا إلى مطار بغداد الدولي، وبلغ وزن شحناتها في العامين الأولين 363 ألف طن، وتولى الجيش الأمريكي إيصالها إلى البنك المركزي العراقي وسط بغداد عبر طريق طوله 7 أميال يسمى بالطريق الإيرلندي، وكان عرضة في ذلك الوقت للقذائف الصاروخية والسيارات المفخخة والعبوات الناسفة. ونُقلت كميات من هذه الأموال في شاحنات قمامة بحسب شهادات تحدثت عنها وسائل إعلام أمريكية.
بعد ذلك فُقد أثر هذه الكميات الهائلة من الدولارات التي لسوء حظها أنها لم تكن من أموال دافعي الضرائب! ولم يستطع المحققون الأمريكيون معرفة مصيرها بعد سنوات من المحاولات لتتبعها، ولم تجد ما تقوله مئات من صفحات التقارير وجلسات الاستماع في الكونغرس وجهود مكتب المفتش العام التابع لوزارة الدفاع الأمريكية، واستفسارات واشنطن من بغداد إلا أن الأموال ضاعت في أقبية المصرف المركزي العراقي، ونهبت من هناك ولا أثر لها.
وكان مسؤولون في البنتاغون قد عبروا في السنوات الأولى لهذه الفضيحة عن تفاؤلهم بإمكانية معرفة مصير هذه الأموال وتعقب سجلاتها إذا منحت جهودهم وقتا كافيا، إلا أن جميع المحاولات كما يبدو باءت بالفشل.
وعلى الرغم من اتهام بعض المقاولين الأمريكيين بتقاضي عمولات بعشرات الملايين من الدولارات، والكسب غير المشروع وخاصة في الأشهر الأولى لما بعد الغزو، إلا أن الاتهام الرئيس بسرقة هذه الأموال الكبيرة يوجه إلى المسؤولين العراقيين.
الأثر الوحيد في هذه القضية الغامضة والتي يمكن وصفها بسرقة العصر عثر عليه لاحقا عام 2010 في لبنان، فقد اكتشف مخبأ في منطقة ريفية في هذا البلد وُجد به أكثر من مليار دولار من هذه الأموال "السائبة" والتي سُلمت بإهمال مريع لكل القواعد والإجراءات المتبعة في مثل هذه المعاملات، وعثر أيضا مع هذه الأموال على ذهب عراقي ضائع تبلغ قيمته 200 مليون دولار، لكن لا يعرف أحد حتى الآن كيف وصلت هذه "الثروة" إلى هناك.
وعلى الرغم من ضخامة الأموال الضائعة، إلا أنه لا يبدو أن هناك اهتمام مواز لها، باستثناء تشكيل البرلمان العراقي عام 2011 لجنتي تحقيق لمعرفة مصيرها، وإعلان مدير عام ديوان الرقابة المالية السابق في العراق عبد الباسط تركي سعيد بأن الحكومة العراقية ستلجأ إلى المحكمة لاسترداد هذه المليارات، فهل يمكن أن تحدث مثل هذه المعجزة؟
في المحصلة تشير تقديرات إلى أن الولايات المتحدة أنفقت على حربها في العراق أكثر من تريليون دولار حتى عام 2011. لكن تُرى من يستطيع تقدير حجم الأموال والثروات التي خسرها العراق جراء الغزو الأمريكي؟
من سيتمكن من عد قطرات الدم العراقي الذي أُهرق بمختلف الأشكال منذ عام 2003 وحتى الآن، ربما سيتوصل إلى تقدير حقيقي يُعتد به، وبطبيعة الحال هذا الأمر، كما يقولون، من سابع المستحيلات.