افراسيانت - حلمي موسى - بعد أكثر من خمسة شهور على انطلاق هبَّة الطعن والدهس، واتساع نطاقها مؤخراً، أمر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غادي آيزنكوت بأن يحمل الجنود أسلحتهم معهم إلى منازلهم أثناء إجازاتهم.
ويأتي هذا الإجراء في ظل مطالبات عسكرية متزايدة بضرورة التخفيف من ضائقة سكان الضفة وقطاع غزة، من خلال السماح بزيادة أعداد العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر ومحاولة إيجاد حلول مؤقتة لمشاكل الحصار. وتقدر أوساط عسكرية إسرائيلية أنه بسبب انسداد آفاق التسوية فإن «موجة الإرهاب» الحالية من شأنها أن تتصاعد.
ومساء أمس الأول، أصدر رئيس الأركان أمراً عَدَّل بموجبه التعليمات الدائمة للجنود، كقرار وجوب أن يحمل كل جندي سلاحه الشخصي معه عند خروجه في إجازاته. وقال متحدث باسم الجيش إن قادة الوحدات سيشرحون للجنود كيفية حماية أسلحتهم عند خروجهم في الإجازة. وجاء القرار الجديد في أعقاب استمرار الهبَّة، وتوسعها من ناحية والضجة التي أثيرت بعد قتل فلسطيني لجندي لم يكن يحمل سلاحاً في الأسبوع الماضي داخل مجمع تجاري قرب القدس المحتلة.
ويثير استمرار الهبَّة الفلسطينية وتصاعدها سجالاً واسعاً في إسرائيل، تجلى مؤخراً في النقاش الذي أثاره كلام رئيس الأركان عن أنه لا يرغب في أن يفرغ الجندي خزنة رشاشه في صَبِيَّةٍ في الثالثة عشرة من عمرها تحمل مقصاً. ولاحظ معلقون أن المشكلة لا تكمن في الجيش وتعليماته، بقدر ما تكمن في القيادة السياسية التي يجب عليها الحيلولة دون اضطرار الجندي لأن يجابه أطفالا يحملون مقصات.
وقد اعتبر المعلق في التلفزيون الإسرائيلي أمنون أبراموفيتش، في مقالة نشرها في «يديعوت أحرونوت»، أن ما يجري حالياً في الضفة الغربية هو انتفاضة ثالثة لفتيان وفتيات تحت الاحتلال، مؤكداً أن الجيش الإسرائيلي لن ينتصر فيها أيضاً مثلما لم ينتصر في حروبه الأخيرة على لبنان وغزة وضد الانتفاضتَين الأولى والثانية. واستذكر أبراموفيتش أطفال الـ «آر بي جي» في لبنان في العام 1982 ودورهم في معركة الدامور وفتكهم بالدبابات. وخلص إلى أن «التاريخ العسكري، القديم والحديث، مليء بأمثلة عن تراجع جيوش الغزاة أمام مدنيين ومقاتلين تحت الاحتلال»، وإلى أن «معظم قادة الجيش البارزين في تاريخنا توصلوا في أواخر حيواتهم، وبتأخير مأساوي من ناحيتنا، إلى الاستنتاج بأن أمن إسرائيل يقتضي إنهاء السيطرة على الفلسطينيين. يغئال ألون وموشيه دايان، عيزر وايزمن وإسرائيل تل، اسحق رابين وآرييل شارون، وكثيرون آخرون بينهم كل رؤساء الأركان في الجيل الأخير».
في كل حال، نقلت صحيفة «معاريف» عن محافل أمنية إسرائيلية تقديرها بأنه في ظل انسداد الأفق السياسي فإن «موجة الإرهاب» قد تتصاعد. وتشعر المؤسسة العسكرية بنوع من الارتباك في تعاطيها مع هذه التقديرات، وترى أنه مثلما لم يكن بالوسع التنبؤ بموجة السكاكين وبتصرفات الجيل الفلسطيني الصاعد، فإنه يصعب أيضاً معرفة وجهة تطور الموجة الحالية. وتشير هذه المحافل إلى أن الوضع قد يتصاعد في واحد من ثلاثة سيناريوهات: الأول، اندفاع الجمهور الفلسطيني، شيباً وشباباً، دفعة واحدة للخروج لتنفيذ عمليات طعن ودهس، والثاني انضمام رجال تنظيم «فتح» المسلحين للهبَّة، وهذا ما سيقود إلى عمليات أشد فتكاً وتشويش الحركة في الضفة، وهو ما يعتبر «سيناريو الرعب»، والثالث هو تضرر التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية بشدة.
والواقع أن مشكلة إسرائيل الأمنية تتزايد، ليس فقط في الضفة الغربية، وإنما أيضاً في قطاع غزة وعلى الحدود السورية واللبنانية. وكان وزير الدفاع موشيه يعلون قد أعلن، أمس الأول، أن «حماس تحفر الأنفاق، أنفاق دفاعية وأنفاق هجومية على حد سواء. نحن لا نوهم أنفسنا». وأضاف: «نحن نستعد بالتوازي لإمكانية أن تفتح في موعد ما، وآمل أن يكون هذا أبعد قدر الإمكان، جبهة أخرى من الجنوب ونضطر إلى التصدي لذلك».
ولا يترك الجيش الإسرائيلي مناسبة إلا ويذكر فيها بأن همه وشغله الشاغل هما الاستعداد لمواجهة «حزب الله». ونشرت صحف إسرائيلية أنه ضمن أمور أخرى طرأ تغيير جوهري على استخدام سلاح المدفعية. ونقلت «معاريف» عن قائد تأهيل الضباط المقدم مناحيم نركيس قوله إنه «في الـ 18 شهرا الأخيرة أجرينا تغييرات جوهرية على تأهيل ضباطنا كجزء من استخلاص الدروس والتكيف مع القتال حسب السيناريوهات في الشمال وفي الجنوب على حد سواء». وأضاف: «ذات مرة كان رجل المدفعية يقف على التلة وينظر إلى الأهداف، وهكذا يُوَجَّه السلاح. أما اليوم فلم يعد الأمر على هذا النحو. اليوم يدخل الضباط إلى الميدان، ويصلون حتى مسافة كيلومتر من الهدف».
أما المعلق العسكري لـ «يديعوت» أليكس فيشمان فلاحظ تزايد اهتمام إسرائيل بالخلايا النائمة لتنظيم «داعش» في القرى والبلدات السورية المجاورة للحدود، والتي يمكن أن تشكل خطرا مستقبلياً عليها. ونقل عن محافل استخبارية غربية قولها إن زرع الخلايا النائمة هو أسلوب عمل «داعش» المميز، حيث تستيقظ ذات يوم وتنخرط في مساعي السيطرة على مناطق، وهذا ليس مستبعداً قرب الجولان المحتل. واستعرض القوى الإسلامية المتصارعة قرب الجولان وفي محيط درعا ومدى قربها وعدائها لـ «داعش». ولكن كالعادة، ورغم الإشارات للتنظيم فإن «حزب الله» يبقى هو عنوان الخطر الأكبر الذي يستعد الجيش الإسرائيلي لمواجهته.
ويقول فيشمان إن التقدير الإسرائيلي يرى أن «حزب الله» لم يضعف رغم الخسائر التي تكبدها في القتال في سوريا، وأنه يواصل في الجنوب اللبناني بناء قدراته الإستراتيجية، بما فيها التزود بأسلحة متطورة مثل صواريخ أرض - بحر، وطائرات من دون طيار، وتحسين دقة الصواريخ التي يملكها. والأهم أن حالة تأهب «حزب الله» في الجنوب لم تتراجع، وأن لديه القدرة، في حال الطوارئ، على نقل قواته بسرعة نسبية من سوريا إلى لبنان لغرض مقاتلة إسرائيل. ويخلص، مع ذلك، إلى القول بأن «حزب الله» غير معني حالياً بالصدام مع إسرائيل، وأن نشاطه العسكري في مواجهة إسرائيل محدود كي لا يتدهور الوضع إلى حرب.