الهيمنة الأمريكية وحلف الناتو

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


افراسيانت - منذ بدأت الحرب الروسية الأوكرانية، تحول اهتمام العالم أجمع نحو هذه الحرب، التي لم تقف آثارها عند حدود الدولتين المتحاربتين؛ ولكن طالت شظاياها الاقتصادية، والسياسية، والإنسانية، من لا ناقة لهم ولا جمل فيها، وستنعكس النتائج المترتبة عليها على المشهد الدولي بأسره، والنظام العالمي القائم ما بعد الحرب العالمية الثانية.


الحرب الروسية الأوكرانية ليست حربا بين طرفي المواجهة المباشرين فقط؛ ولكنها حرب تقف خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، حاضرة في كافة تفاصيلها، وقادت إلى إشعال فتيلها، وتأجيج نيرانها، التي لم يسلم من سخونتها الأمريكيون أنفسهم، ولا الحلفاء الأوربيون؛ وذلك لترويض العالم أجمع بلهيبها؛ لتحقيق اصطفاف جديد، في معركتها من أجل الحفاظ على الهيمنة العالمية للغرب بقيادة أمريكية والمستمرة بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأت تعاني من تآكل النفوذ العالمي في العقدين الأخيرين.


وترجع أيضا أهمية الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا إلى طبيعة الدولتين- الأولى “لاعب استراتيجي نشط”، والثانية “محور جيوبوليتي مهم وحرج”-، وفقا لمنظور الجغرافيا الاستراتيجية الأمريكية، والمصالح الجيوبوليتية لأمريكا في أوربا وآسيا، على حد تعبير الدبلوماسي وعالم السياسية الأمريكي من أصل بولندي الراحل “زبغنيو بريجينسكي” في كتابة “رقعة الشطرنج الكبرى” عام 1997.


وقد حدد بريجنيسكي وقتها خمسة لاعبين جيواسـتراتيجيين رئيسيين، وخمس دول محورية جيوبوليتية في الخريطة السياسية الجديدة لأوراسيا “أوربا وآسيا”.


أما اللاعبون الجيواستراتيجيون الرئيسيون فهم: فرنسا، وألمانيا، وروسيا؛ والصين، والهند.


وبالنسبة للمحاور الثابتة الجيوبوليتية المهمة إلى حد حرج فهي: أوكرانيـا، وأذربيجان، وكوريا الجنوبية؛ وتركيا، وإيران، بالرغم من أن تركيا وإيران تعتبران جيواستراتيجيًا إلى حد ما، وضـمن إمكاناتهما المحدودة عموما. الكلام هنا لبريجنسيكي.


أمريكا القطب الأوحد


منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عاش العالم صراع الثنائية القطبية على مدار خمسين عاما، بين القوتين الأكبر في العالم أمريكا والاتحاد السوفيتي؛ بهدف تحقيق السيطرة العالمية.


بعد تفكك الاتحاد السوفيتي أصبحت الولايات المتحدة هي القطب الأوحد في العالم، والقوة العظمى الأولى التي لا منافس لها، وبات النظام العالمي نظاما أمريكيا صرفا، يخضع لهيمنة أمريكا، التي امتلكت أبعاد القوة الأربعة وهي: (العسكري، والاقتصادي، والتكنولوجي، والثقافي).


وقد جمعت الولايات الأمريكية متفوقة على غيرها بين القوة الصُلبة، والقوة الناعمة؛ أما القوة الصلبة فتتمثل في استخدام الوسائل العسكرية المادية للإجبار أو التغيير، وأما القوة الناعمة فهي تعتمد على التأثير والمؤسسات، والأدوات الديبلوماسيةّ، ونشر الأفكار، وغيرها.


ومع التفوق الأمريكي في القوة الصلبة والقوة الناعمة، تملكت الولايات المتحدة الأمريكية أسبابا أخرى من التفوق أعطتها قدرة إرغاميه؛ تستطيع من خلالها استخدام الإرغام أفضل من أعدائها، وهي كالتالي:


– احتلت أمريكا الموقع المركزي في أنظمة العالم المتداخل؛ بما يمكنها بإلحاق الأذى، حتى بالصين بما باتت تمثله من أهمية في الاقتصاد العالمي.


– كذلك تُعد الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أفضل قدرات استخباراتية، ومتفوقة في هذا الصدد على جميع دول العالم على الإطلاق.


– أيضا تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية اقتصادا متوازنا، والحصة الأكبر من ناتج الاقتصاد العالمي، ورغم تراجع هذه الحصة في 2021 وتغيرها بشكل كبير على مدار 60 عاما مضت، إلا أن الناتج المحلي الإجمالي بلغ (22.9 تريليون دولار) نحو 25% من الناتج الاقتصادي العالمي في 2021، وجاءت الصين في المركز الثاني من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، والذي بلغ نحو 17 تريليون دولار في 2021، وإن مثلت الصين أكبر دولة مصنعة في العالم.


وانطلاقا مما سبق كان الهاجس الذي يسيطر على صانع الاستراتيجية الأمريكية، هو كيف تحافظ أمريكا على هيمنتها العالمية؟ ومن ثم أصبحت المهمة التي تواجه الولايـات المتحدة، هي إدارة النزاعات والعلاقات في أوربا وآسيا والشرق والأوسط، على نحو لا يُمَكِن أي دولة منافسةٍ من الصعود لتهدد المصالح الأمريكية أو حالة الرفاه السائدة في أمريكا.


وقد عبر” بريجينسكي” في “رقعة الشطرنج الكبرى” عن ذلك قائلا: “باختصار فإن الجيواستراتيجية الأوراسية التي تأخذ بها الولايات المتحدة تتضمن الإدارة الهادفة أو الحاسمة التي تمارس على الدول الدينامية جيواستراتيجيًا، والاحتواء الحـذر للـدول المؤثرة جيوبوليتيًا، وذلك من خلال مراعاة المصالح المزدوجة لأمريكا في المحافظة على الأمد القصير على قوتها العالمية الفريدة في نوعها، وفي تحويل هذه القوة على المدى الطويـل إلـى تعاون عالمي ذي طابع مؤسساتي يتزايد مع الزمن.


 التراجع ومحاولات الإبقاء على الهيمنة


شهد العقد الثاني وبدايات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين تراجعا وانكماشا للولايات المتحدة الأمريكية؛ فعلى المستوى الخارجي تراجع النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، كما وجه الانسحاب الفوضوي من أفغانستان ضربة قوية للهيبة الأمريكية، واهتزت معه ثقة كثير من الحلفاء التقليديين لأمريكا. وعلى المستوى الداخلي كان الانكماش الاقتصادي وتداعيات أزمة كورونا، والانقسامات بين الجمهوريين والديمقراطيين.


وقد شجع التراجع الأمريكي على المستويين الداخلي والخارجي كثيرين لاتخاذ خطوات نحو تحدي الهيمنة الأمريكية؛ مما دفع إلى القول بأن الولايات المتحدة باتت في مرحلة الشيخوخة، وأن العالم يتهيأ لنزولها عن شغل مقعد السيادة العالمية، وكانت الأنظار تتوجه نحو الصين على أنها المنافس للهيمنة الأمريكية.


وقد كان السؤال الأكثر إلحاحا في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، والمطروح كذلك على الصعيد الدولي، هو: هل فقدت الولايات المتحدة هيبتها الدولية؟


وهل باءت بالفشل خطط الحفاظ على الهيمنة الغربية بقيادة أمريكا؟


ومع بداية الحرب في اوكرانيا طُرح سؤالٌ آخر، وهو: هل جاءت الحرب لتفتح بابا لإحياء الهيمنة الغربية؟


بالرجوع إلى أسباب الحرب سنجد أن هناك أسبابا تاريخية وأسبابا آنية، وقد لا يتسع المقام لتفصيل هذه الأسباب، ولكن من الجدير الإشارة هنا إلى أن العلاقة بين أوكرانيا والغرب كانت متوترة منذ استقلالها عن الاتحاد السوفيتي، ولم تكن فكرة ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو مطروحة حتى عام 2008، وبحسب ما أورده تقرير منشور بمجلة “ذا دبلومات” الأمريكية لباحثين من جامعة أكسفورد، بأن ويليام بيرنز السفير الأمريكي في روسيا في ذلك الوقت، قد حذَّر من أن الوعد حتى بالانضمام إلى الناتو في المستقبل سيؤدي إلى “خلق تربة خصبة للتدخل الروسي في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا”.


وبناء على ما سبق يتضح أن هذه الحرب هي نتيجة أزمة جيوسياسية؛ كان محركها الرئيسي التلويح بإمكانية انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوربي، واستشعار روسيا الخطر من المساعي لإمكانية ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو؛ حيث يعني ذلك وجود قوات الناتو وأسلحة أمريكية على حدودها الغربية.


لا شك ان الفعل الامريكي هو من يقف خلف اشعال هذه الحرب ولكن هل يمكن لهذا الفعل ان يطفئ تداعياتها التي طالت امريكا نفسها ومن خلفها اوربا التابع الذليل لامريكا ؟


امريكا تدرك تماما ان محاولة تفتيت روسيا هي حلم صعب المنال مهما قامت وتقوم به من فرض عقوبات ومن ضخ الاسلحة على اوكرانيا مندفعة ودافعة لاوربا معها . وتدرك انها لن تفلح في تحقيق هذا الهدف .

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology