واشنطن - افراسيانت - قالت مجلة "نيوزويك" الأميركية أن زيارة مايك بنس، نائب الرئيس الأميركي،إلى إسرائيل من أغرب الزيارات التي قام بها سياسي أميركي بارز منذ 40 عاماً.
فمنذ الزيارة الرئاسية الأولى لإسرائيل، التي قام بها الرئيس ريتشارد نيكسون، أصبحت عملية السلام نقطة مركزية على جدول أعمال كل رئيس أو نائب رئيس للولايات المتحدة.
لكن هذه الزيارة، إلى جانب أنها تأتي للتأكيد على "أمله في السلام"، كانت زيارة بنس لإسرائيل زيارة محبة بين الحكومة الإسرائيلية اليمينية ونائب رئيس الولايات المتحدة اليميني.
ما لم يفعله بنس كان مقابلة أي فلسطيني، ولم يكن ذلك باختياره، إذ إن الفلسطينيين قرروا مقاطعة تلك الزيارة رداً على اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل.
وفي الخطاب الذي ألقاه بنس والذي بدا كما لو كان كتبه "تيودور هرتزل" العصر الحديث، أكد بنس على العلاقات الوثيقة والأبدية بين إسرائيل والولايات المتحدة، فضلاً عن الرسالة التاريخية لدولة إسرائيل.
وبالنسبة لمعظم الإسرائيليين، وقعت كلمات نائب الرئيس موقع الموسيقى على آذانهم. وقد توقف بنس خلال خطابة مراراً وتكراراً بسبب تصفيق الحضور له، إلا أنه عندما تحدث عن الحاجة إلى إرساء عملية السلام، القائم على وجود دولتين، لوحظ تصفق أحزاب المعارضة فقط.
أما أولئك الذين كانوا قد اعترضوا على خطاب بنس الصهيوني، فلم يكونوا في القاعة، إذ تم طرد أعضاء تحالف أحزاب القائمة المشتركة ومعظمهم من العرب بعد لافتات علامات تقول إن القدس عاصمة لفلسطين.
ورغم أن معظم الإسرائيليين كانوا سعداءً بالإعلان عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس بحلول نهاية 2019. فإن بعض أولئك الذين يولون اهتماماً وثيقاً للسياسة الأميركية تساءلوا عما تغير بين وقت الإعلان الأصلي (الذي ذكر أن المشروع سيستغرق 5-7 سنوات) ما يدفع بنس للإعلان عن جدول زمني أقصر بكثير لنقل السفارة.
ومن المؤكد أنه لم يكن الحماس الذي أشعله القرار في العالم العربي. ومع ذلك، فإن غالبية الإسرائيليين كانوا سعداء بالاحتفال بأي فوز دبلوماسي، ولم يقلقوا بشأن أي عواقب غير مقصودة. واستمرت هذه العواقب في الظهور يوم الخميس عندما هاجم الرئيس ترامب الفلسطينيين بقوله:
"عندما لا يحترموننا قبل أسبوع ولا يسمحون لنائبنا بمقابلتهم، على الرغم من أنّا نمنحهم مئات الملايين من الدولارات كمساعدات ودعم، أرقام هائلة، أرقام ربما لا يستوعبها أحد، لكن هذا المال الآن على الطاولة ولن يذهب إليهم ما لم يجلسوا ويتفاوضوا للتوصل إلى السلام".
واستمر ترامب قائلاً:
"أستطيع أن أقول لكم إن إسرائيل تريد إحلال السلام، وسيضطرون في النهاية إلى الجلوس إلى مائدة المفاوضات لإحلال السلام أيضاً، وإلا فلن لن يكون لنا أي علاقة بالقضية بعد الآن".
وبطبيعة الحال، قال ترامب، كونه الدبلوماسي الماهر -ساخراً- إنه أعلن في نفس الوقت أن مسألة القدس غير مطروحة للنقاش"، ما يقوّض مرة أخرى كل ما قاله دبلوماسيو الولايات المتحدة حول هذه المسألة، الذين قالوا إن الاعتراف بالقدس كعاصمة إسرائيل لا يغير شيئاً في أن الوضع النهائي يبقى مصيره بيد المفاوضات، ومن ثم أعطي الفلسطينيين عذراً لعدم التفاوض.
من المؤكد أن معظم الإسرائيليين مسرورون بتصريح ترامب الأخير. ولا يزال معدل قبوله في إسرائيل في ازديادٍ مستمر.
يقول الكثيرون إن الفلسطينيين قد حصلوا على ما يستحقونه بالضبط. في حين يشعر مراقبون أكثر عمقاً بالقلق. ومن الواضح أن السياسة الخارجية الأميركية لا تتم من خلال عملية تداولية.
ويوم الاثنين أكد بنس مجدداً أن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لاسرائيل لن يستبق المفاوضات النهائية في أي اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني. إذاً كيف يتساوى هذا التصريح مع قول ترامب إنه "قد أزال مسألة القدس عن طاولة المفاوضات بالفعل"، (وهو ما ذكره قبل أسبوعين في تغريدة له).
وبينما يعتقد الكثير من الإسرائيليين أن الفلسطينيين مسؤولون إلى حدٍ كبيرٍ عن حقيقة عدم التوصل إلى سلام حتى الآن، وهو الادعاء الذي ينكره الفلسطينيون بشكلٍ قاطع، يوجد بالفعل 4.5 مليون فلسطيني، يعيش العديد منهم في فقر مدقع، خاصةً أولئك الذين يعيشون في قطاع غزة.
وإذا توقفت الولايات المتحدة عن تقديم المساعدات للفلسطينيين، فإن ثمة شخص آخر (مثل إيران) سيتدخل، وبدلاً من القوة المعتدلة التي تقدمها الولايات المتحدة، سيكون لدينا العكس تماماً. كما أن هذا التغيير في النهج ليس في مصلحة إسرائيل.
لقد تسلّق الفلسطينيون شجرة فيما يتعلق برفضهم التفاوض مع إدارة ترامب. ومع ذلك، بدلاً من أن يحضر ترامب سُلماً للتواصل معهم، فقد أحضر منشاراً.
وإذا لم يكن ذلك كافياً لإثارة المخاوف، فإنه يوجد في تل أبيب البعض ممن يشعرون بالقلق إزاء ما سيحدث مع اتفاق إيران. إذ هدد ترامب بأن الولايات المتحدة ستستأنف العقوبات المفروضة على إيران في غضون 4 أشهر مُنهياً بذلك الاتفاق النووي بشكلٍ فعلي، إذا لم تحدث تغييرات هامة.
ويتفق معظمهم على أن الاتفاق النووي الإيراني معيب. ومع ذلك، هناك عدد قليل للغاية من الذين يعتقدون أنه يُمكن تعديل الاتفاق من قِبل حكومة تتبع في سياستها الخارجية هذا النهج الجريء المتهور.
يُعد عالم 2018 مكاناً معقداً بشكلٍ لا نهائي. ولسوء الحظ، من الصعب توقع الطريقة التي سيتمكن من خلالها الزعيم الحالي للعالم الحر -الذي لا يرى سوى الأسود والأبيض فقط- فعل أي شيء سوى جعل الوضع الحالي مع كل من إيران والفلسطينيين أسوأ بكثير مما هو عليه.