افراسيانت - ذكرت صحيفة "فزغلياد" أن أردوغان استشهد بكلمات قالها بوتين عن الرئيس السوري، محاولا إعطاءها معنى مختلفا؛ مشيرة إلى أن موقف الكرملين من سوريا وقيادتها ثابت ولم يتغير.
جاء في المقال:
اقتبس أردوغان كلمات بوتين من مكالمة هاتفية دارت بينهما. والمشكلة لا تكمن في التفسير الخاطئ لهذه الكلمات، بقدر ما تتمثل في أن الكرملين لا يحب الكشف عن مثل هذه التفاصيل. وبالنظر إلى أن العلاقات الروسية-التركية في الوقت الراهن ليست في أحسن حالاتها، فإن لقاء بوتين-أردوغان، المزمع عقده مطلع الشهر المقبل، لن يكون لقاء سهلا.
وكان الرئيس التركي أدلى بتصريح قاسٍ بشأن الرئيس السوري. وقال في لقاء مع وكالة رويترز إن "الأسد ليس حلا للتسوية المحتملة في سوريا. ويجب تحرير سوريا من الأسد لكي يكون هناك حل".
وصحيح أن تصريح رجب طيب أردوغان هذا لم يكن الأول من نوعه، ولكن الجديد الذي حمله، والمثير للاهتمام فيه، هو أنه كشف تفاصيل محادثة هاتفية له مع فلاديمير بوتين، في سبيل دعم موقفه الخاص.
ووفقا لما قاله الزعيم التركي، فإن الرئيس الروسي قال له التالي: "أردوغان لا تفهمني خطأ، أنا لا أدافع عن الأسد، ولست محاميه".
وفي سياق التصريح الجديد حول ضرورة رحيل الأسد، قد تفسَّر كلمات بوتين، التي تسلح بها أردوغان هنا، كتغير في موقف موسكو من مصير القيادة السورية. في حين أن الأمر في الواقع يختلف تماما. ومن الضروري التوقف عند بعض الحيثيات ذات الصلة المباشرة بهذه الحالة الخاصة:
وأولها، إن كلمات بوتين، التي أوردها أردوغان في تصريحه هذا، تتوافق تماما وبالكامل مع الموقف الرسمي للكرملين، والذي أعرب عنه مرارا وتكرارا طيلة السنوات الماضية من تاريخ الأزمة في سوريا. وهذا الموقف الروسي الثابت، يقول بالحرف الواحد إن روسيا لا تقف إلى جانب بشار الأسد، بل هي تدعم الحكومة الشرعية وتقف إلى جانبها في الجمهورية العربية السورية.
ومن المثير أن كلمات بوتين، التي استشهد بها أردوغان، هي مجرد استنساخ لأقوال سيد الكرملين منذ 5 سنوات تقريبا، في ديسمبر/كانون الأول 2012، حين قال الرئيس الروسي: "نحن لسنا محامين للدفاع عن القيادة الحالية في سوريا". أي أن هذا يعدُّ صيغة موسكو العادية لدى الحديث عن موقف روسيا من الأزمة السورية.
وبناء على ذلك، فإن تصريح أردوغان في هذا الجانب منه هو مجرد محاولة منه لتضليل الصحافيين ووسائل الإعلام والرأي العام. ولعل ما يثير الاهتمام أكثر هو معرفة الإجابة منه على هذا السؤال - هل أصبح الزعيم التركي نفسه ضحية لوهمه، بعد أن أقنع نفسه بأن كلمات بوتين يمكن فهمها بأن موسكو أَضعفت أو أنها ستحد من دعمها للنظام في سوريا؟
وكيفما كان عليه الحال، فلقد أكد الكرملين مجددا ثبات موقف بوتين من الرئيس الأسد، وأنه بالفعل ليس محاميه. لكن بوتين، وكما أكد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، "يدافع عن الشرعية الدولية".
ثانيا، وذلك لا يقل أهمية عما سبق، وهو حقيقة كشف أردوغان عن كلمات بوتين على الرغم من عدم وجود شيء خارج عن المألوف فيها. وقد حدثت حالات مماثلة عدة مرات في السنوات الأخيرة.
وكانت واحدة من أكبر الفضائح عندما كشف في عام 2014 رئيس المفوضية الأوروبية آنذاك، جوزيه مانويل باروزو، تفاصيل محادثة هاتفية له مع فلاديمير بوتين. وقال باروزو في قمة رؤساء الاتحاد الأوروبي نقلا عن الرئيس الروسي: "لو أردت، لاستوليت على كييف في غضون أسبوعين." وأثار ذلك ضجة كبيرة لم تهدأ إلا بعد أن اقترحت موسكو نشر التسجيل الصوتي للمحادثة مع الرئيس بوتين، لكي يقتنع الجميع بأن كلمات بوتين أُخرجت من سياقها.
ومنذ ذلك الحين، كانت هناك عدة حالات مماثلة، عندما كان نظراء الرئيس الروسي يكشفون تفاصيل المحادثات معه. وبسبب ذلك، اضطرت موسكو مرارا إلى التعليق على هذه المسألة، وأشارت إلى أن هذا انتهاك للتقاليد المعمول بها في المحادثات بين زعماء الدول وخرق للبروتوكول الدبلوماسي، فضلا عن ازدراء موسكو لمثل هذا السلوك، وهو ما يتجلى بوضوح في لهجة الكرملين في تعليقه على هذه الحالة.
وبالنظر إلى هذه الظروف، فإن تصرف أردوغان لن يضيف إليه نقاطا إيجابية في الكرملين، كما أنه هو نفسه لم يستفد شيئا من جراء كشفه عن كلمات بوتين، والتي بينت حقيقة أن الرئيس الروسي حتى في المحادثات الخاصة حريص على ما يقول.
وما يزيد في هذا الوضع الناشئ حدة أكثر، أن من المقرر أن يلتقي بوتين وأردوغان بعد أقل من أسبوع يوم 03 مايو/أيار في مدينة سوتشي الروسية. وإن الخطأ الذي ارتكبه الرئيس التركي لن يعزز وضعه في المحادثات، التي يتوقع أن تكون صعبة للغاية، وخاصة أن العلاقات الروسية–التركية في الوقت الراهن تتطور في اتجاهات متضاربة، حيث يقترن الخطاب الودي المتبادل بخطوات عملية ليست ودية بالمرة. وكذلك، ليس كل شيء لدى أردوغان في علاقاته مع أوروبا والولايات المتحدة، أيضا على يرام.
وعلى الرغم من النجاح الرسمي للاستفتاء الدستوري الأخير في تركيا، فإن وضع أردوغان في واقع الأمر لا يبعث على السرور، ولا سيما أن الاستفتاء كشف عن عمق الانقسام في المجتمع التركي.
إن أردوغان أصبح مؤخرا محاصرا بمصاعب وأعداء من الداخل والخارج، والسؤال الذي يبقى مفتوحا – هل لديه ما يكفي من القدرة والموارد "للقتال" على عدة جبهات في آن واحد؟
وإن الكشف عن كلمات بوتين، شكل خطوة أدت الى المزيد في تعقيد وضعه على إحدى هذه "الجبهات"، ولم يعد الأمر مهمًا في هذه الحالة إن كان الزعيم التركي قد فعل ذلك عمدا أم عن غير قصد.