افراسيانت - بقلم وعدسة: زياد جيوسي - بدأت مرحلة ما بعد رمضان والهدوء النسبي للفعاليات الثقافية فيه، بحركة قوية من معارض فنية وحفلات إشهار كتب وندوات وأمسيات أدبية وشِعرية في مناطق مختلفة من الأردن الجميل، ومعظم هذه الفعاليات تتركز في العاصمة عمَّان بحيث لا تكاد أمسية تمر بدون نشاط بحيث تتضارب مواعيد المهتمين بوجود أكثر من مناسبة في نفس التوقيت في أرجاء مختلفة من العاصمة الأردنية التي اصبحت ممتدة على مساحات واسعة وتشهد ازدحاما في الحركة وصعوبة التنقل.
حين وصلتني الدعوة من الباحثة خديجة عبد العال لحضور معرض "قول يا طير" والذي يروي الذاكرة الشفوية الفلسطينية، رتبت أموري للحضور بحكم تواجدي في زيارة لعمَّان في هذه الفترة، إضافة أني من الكُتاب المتخصصين بذاكرة المكان وتراث الأبنية، فشددت الرحال إلى جبل اللويبدة التاريخي والذي يعود بآثاره المكتشفة إلى المرحلة البيزنطية، وإلى دارة الفنون هناك حيث إفتتاح المعرض بالتعاون مع "مؤسسة الرواة للدراسات والأبحاث" ومقرها الرئيس مدينة رام الله في فلسطين المحتلة وتديرها د. فيحاء عبد الهادي، وهي مؤسسة تهتم بالتوثيق للذاكرة الفلسطينية وخاصة الذاكرة الشفوية الفلسطينية لمرحلة النكبة الفلسطينية، وقد بدأ العمل بهذا التوثيق المهم من عام 2012 وتم تسجيل وتوثيق 115 شهادة شفويّة من فلسطينيين بالصوت والصورة، والتي تشكّل ثروة معلوماتيّة مهمة عن حياة الفلسطينيين في ذلك الوقت، يمكن أن تفيد الباحثين والمهتمين بهذا الجانب التوثيقي إضافة أن ما يتم هو واجب وطني لتوثيق الذاكرة الفلسطينية، فشعب بلا ذاكرة يسهل شطبه، وشعبنا الذي إعتاد منذ فجر التاريخ على مقاومة الغزاة والإحتلالات شعب عصي على الشطب.
المعرض تميز بعرض الصور لأشخاص قدموا شهادات توثيقية شفوية وصور تعود لمرحلة قبل النكبة لأبناء فلسطين وذاكرتهم، كما جرى تقديم هذه الشهادات بوسائل المرئي والمسموع عبر أكثر من شاشة عرض، إضافة لعرض بعض القطع المعتمدة على التراث الخاصة بزينة النساء من أساور وأقراط وقلائد جمعت من فلسطينيّات مهجّرات.
وأيضا تم في المعرض حفل إشهار وتوقيع كتاب "ذاكرة حيّة" الذي نشرته "مؤسّسة الرواة للدراسات والأبحاث"، ويضمّ شهادات شفويّة وصوراً للمهجّرين الفلسطينيين تروي قصصاً عن حياتهم قبل النكبة وأثنائها وبعدها، إذ يتضمّن ستة شهادات حول تهجير فلسطين من أصل 115 شهادة، وهو ثمرة المشروع الرئيسي للمؤسّسة منذ العام 2012 وحتّى الآن، ومن أهم أهداف المعرض إشراك الجمهور الواسع في فلسطين وخارجها في معرفة تفاصيل نكبة التهجير، وخصوصاً من لم يعايشها أو يعرفها من الشباب والأطفال وأجيال ولدت من منتصف الاربعينات وما بعدها فلم تعش النكبة ولم تعرف عنها إلا ما سمعته أو قرأت عنه؛ حتى تبقى الحكايات حية في الذاكرة.
المعرض جيد وهناك توجه لجولة عربية وأوربية له، ولكنه كان يحتاج ترتيبات أكثر دقة وإهتمام، فالحكاية الشفوية لها إمتداد أكبر بكثير من الزوايا التي ضمها المعرض أو عرضها، إضافة إلى قاعة أوسع ومناسبة أكثر، وخاصة أن المعرض أتى في فترة إشتداد درجات الحرارة عن معدلها الطبيعي في عمَّان، ومع هذا كان الحضور مكثف وقوي وكبير، بحيث كان المنتظرون لدخول القاعة في الخارج أكبر بكثير ممن بداخلها.