افراسيانت - حلمي موسى - في الوقت الذي حمل فيه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على مشاركة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في تظاهرة باريس ضد الإرهاب، أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما، في مكالمة هاتفية مع الأخير، استمرار التزام أميركا بدعم إسرائيل.
ويؤمن كثيرون في إسرائيل أنه برغم تحويل نتنياهو «مكافحة الإرهاب» إلى دين جديد، إلا أن وجوده في التظاهرة كان غير مرحَّب به من جانب الفرنسيين.
وربّما أن هذا غيض من فيض التناقضات التي تجد إسرائيل نفسها داخلها في عالم يعجّ بالمصالح المتضاربة، والتي تجعل وزارة الخارجية الإسرائيلية تتوقع «تسونامي» سياسياً في العام الجديد أساسه تعزيز مقاطعة إسرائيل.
واعتبر مراقبون أن جولة جديدة من زعزعة العلاقات الإسرائيلية ــ التركية بدأت في الاستقبال الملوكي للرئيس الفلسطيني محمود عباس في القصر الرئاسي التركي الجديد.
ولكن مَن لم يلحظ ذلك، جاءه صوت أردوغان في المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس عباس، حين حمل على نتنياهو متسائلاً: «كيف يجرؤ على الذهاب إلى هناك؟ ليس له الحق في السير والاحتجاج ضد الإرهاب لأنه شخصياً مسؤول عن مقتل حوالي 2200 فلسطيني، معظمهم من المدنيين في الصيف الأخير أثناء العملية الإسرائيلية في غزة».
ولكن التعويض لنتنياهو وإسرائيل جاء من الرئيس الأميركي باراك أوباما الذي هاتف رئيس الحكومة الإسرائيلية للتشاور معه، لمناسبة استئناف المفاوضات النووية مع إيران في جنيف غداً.
واستغلّ أوباما المناسبة لتأكيد وقوف أميركا إلى جانب إسرائيل من ناحية، وللتوضيح أن إدارة أوباما تعارض انضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي على قاعدة أن لا حق لهم في فعل ذلك.
وشدّد أوباما على أن طلب الفلسطينيين الانضمام إلى المحكمة يشكل خطوة تزعزع الثقة بينهم وبين إسرائيل وليست خطوة بناءة.
لكن ما سبق ليس سوى مظاهر جارية لواقع سياسي تعيشه إسرائيل ويزداد تعقيداً، وهذا ما حاولت وثيقة أعدتها الخارجية الإسرائيلية استشرافه للعام المقبل، حيث أكدت أن المقاطعة ستتعاظم، وأن الجمود السياسي سيضرّ بإسرائيل.
وبحسب «يديعوت احرونوت»، التي نشرت تقريراً عن التقدير «القاتم» الذي أعدّته الخارجية الإسرائيلية، وتمّ توزيعه على الممثليات الإسرائيلية في أنحاء العالم، فإن الوضع سيكون صعباً.
تجدر الإشارة إلى أن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان غير المعروف بمرونته السياسية، قد حذّر في الأسابيع الأخيرة من تدهور مكانة إسرائيل الدولية إذا لم تبادر إلى خطوات لتحريك العملية السياسية.
وفي كل حال، فإن وثيقة الخارجية الإسرائيلية تتوقع أن «يستمرّ الانجراف السياسي ضد إسرائيل ويشتدّ». وأوضحت أن إسرائيل ستتأثر جراء ذلك في ميادين عدّة، من بينها الإضرار بالواردات الأمنية، واشتداد المقاطعة للمنتجات الإسرائيلية، خصوصاً التي منشأها في المستوطنات، وتقلّص الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل والمشاريع المشتركة معها، فضلاً عن تراجع العلاقات التجارية والأكاديمية.
وتشير الوثيقة السرية للخارجية الإسرائيلية الى سلسلة طويلة من العقوبات والمقاطعات الاقتصادية التي من المتوقع أن تمس بإسرائيل بشدة نتيجة للجمود السياسي. والمعنى واضح: في أوروبا لن يستمروا في حث الخطوات السياسية ــ كالاعتراف بدولة فلسطينية ــ فحسب، بل سيعملون أيضاً بالتوازي على المستوى الاقتصادي للمس بالاقتصاد الإسرائيلي، فالأوروبيون يقيمون بشكل واضح الصلة بين العلاقات السياسية والعلاقات الاقتصادية، وهنا يجدر التذكير بأن اوروبا هي الشريك التجاري الأول لإسرائيل.
ومن بين التهديدات التي تحذر منها وثيقة وزارة الخارجية تشديد المقاطعة على البضائع من المناطق، ولا سيما في أوروبا، بما في ذلك التأشير على البضائع.
ومن شأن الخطوة أن تمسّ بالصادرات الزراعية الإسرائيلية.
كما تتوقع الوثيقة تقليص الصادرات الأمنية الإسرائيلية وكذلك واردات إسرائيل من قطع الغيار ــ ما قد يمس أساساً بالمؤسسة الأمنية.
ومعروف أن بريطانيا، بلجيكيا واسبانيا جمّدت في السنوات الأخيرة إرساليات السلاح لإسرائيل خوفاً من أن يتم استخدامها خلافاً للقانون الدولي.
وتتوقع الوثيقة أن يطالب الاتحاد الاوروبي في المستقبل بتلقي تعويضات من اسرائيل عن أضرار ألحقتها بالمشاريع في المناطق، فمنظمات الإغاثة الأوروبية تشجع مشاريع مدنية فلسطينية كثيرة، والخوف هو أن تطالب أوروبا الآن بتعويضات مالية في حالة تضررها جراء أعمال الجيش الإسرائيلي.
ومعروف في السنوات الأخيرة أن المصارف وصناديق الاستثمار والتقاعد الرائدة في الدنمارك والنروج وايرلندا وهولندا قررت الكفّ عن التعاون مع جهات مالية إسرائيلية تعمل أيضاً في المناطق ووقف الاستثمار في إسرائيل. والخوف هو أن تسير مؤسسات مالية أخرى في أعقابها وتوجّه ملايين الدولارات الى مقاصد استثمارية بديلة.
كما أن البنى التحتية على بؤرة الاستهداف: بعدما تراجعت شركات من ألمانيا وهولندا عن مشاركتها في المشاريع لبناء خطوط القطارات ومصادر مياه ومعالجة النفايات في إسرائيل، فإن من شأن شركات أخرى أن تنسحب من مشاريع مستقبلية وتمس برفع مستوى البنى التحتية في اسرائيل.
اما المقاطعة الاكاديمية فمن شأنها أن تشدد الوتيرة: جامعات في اوروبا والولايات المتحدة قد تعمل على قطع أشكال التعاون مع مؤسسات في اسرائيل.
كما تحذر الوثيقة من أن «النفوذ الأميركي ينجح حالياً في تأخير القرارات العملية إلى ما بعد الانتخابات في اسرائيل. ولكن في ضوء السياسة الفلسطينية المنهجية لنقل النزاع الى ساحة الأمم المتحدة، فإنّ لا ضمان في أن تواصل الولايات المتحدة استخدام حق النقض (الفيتو) بعد الانتخابات».
وأشارت الوثيقة إلى المفاوضات بين القوى العظمى وإيران: «وزارة الخارجية تستعد لإمكانية أن تنتهي المفاوضات في النصف الاول من العام 2015 باتفاق سيئ تكون فيه إسرائيل منعزلة في العالم في معارضتها له».