افراسيانت - أشرف الصباغ - تواصل السلطات الإسرائيلية إجراءاتها المثيرة للتساؤلات بشأن إعلان حرب إلكترونية متعددة المحاور ضد الهبة الشعبية الفلسطينية في القدس.
محاولات تل أبيب الجديدة لتطويق "الهبة" وتفريغها من مضمونها لم تتوقف عند وضع مسافات بين وسائل الإعلام العالمية والمحلية لنقل ما يجري على أرض الواقع للرأي العام العالمي والمحلي، بل امتدت إلى عقد صفقات مع المواقع الإلكترونية العالمية لقمع تلك الهبة والحد من تأثيرها الأخلاقي والإنساني، وتعارض الإجراءات الإسرائيلية مع القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان.
إن سعي إسرائيل لمحاصرة تحركات الشعب الفلسطيني في داخل الأراضي المحتلة بدأت في السنوات الأخيرة لمواجهة تأثيرها الإعلامي والسياسي والقانوني من جهة، والتقليل من أهميتها لإشاعة الإحباط في صفوف الفلسطينيين من جهة أخرى. ولكن مع بدء الهبة الشعبية الأخيرة التي تتواصل طوال أكثر من أسبوع، لم تكتف القوات الإسرائيلية بإطلاق الرصاص على المتظاهرين من المدنيين، وقتل الأطفال، بل أمعنت في إخفاء أخبارهم وصورهم.
السلطات الإسرائيلية تواصل مساعيها لحذف مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية الفلسطينية، سواء المناصرة والداعية للغضب ضد دموية ووحشية القوات الإسرائيلية، أوالتي تتعلق بالضحايا والمصابين من النساء والأطفال وكبار السن، وحملات الاعتقال المتواصلة للنشطاء من الشبان الفلسطينيين.
الخارجية الإسرائيلية اعترفت بأنها "تمكنت من إقناع موقع يوتيوب بإزالة تسجيلات فيديو فلسطينية تحرض على القتل، فيما يجري الضغط على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك للهدف نفسه". ما يعني أن السلطات الإسرائيلية ترى أن صور الضحايا من الأطفال والنساء الفلسطينيين، "تحريضا على القتل"، وأن ممارسة وسائل الإعلام لدورها المهني والأخلاقي والإنساني مخالفة للقوانين والشرائع الإسرائيلية.
غير أن الخطير هنا هو تواطؤ مواقع التواصل الاجتماعي مع الدعوات الإسرائيلية وضغوط حكومة تل أبيب. فقام "يوتيوب" بحذف مقطع يظهر طفلا فلسطينيا تعرض لإطلاق نار من قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس، ثم ترك ينزف على الأرض، بينما ينهال عليه الجنود والمستوطنون بالشتائم.
وعلى عكس ما يشاع عن "الوجه الديمقراطي المتحضر" لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، قالت الخارجية الإسرائيلية: "قمنا بإنشاء قسم للدبلوماسية الإلكترونية مخصص لمراقبة وسائل التواصل الاجتماعي". بل وطالبت الوزارة مستخدمي الإنترنت الإسرائيليين بمراقبة المواقع ذاتها، والتقدم بشكاوى إلى موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"يوتيوب" في حال وجود مواد تضعها السلطات الإسرائيلية تحت بند "الدعوة إلى العنف".
إن استجابة هذه المواقع وغيرها للدعوات الإسرائيلية، لا ينعكس سلبا على حرية النشر فقط، بل يصيب حرية وسائل الإعلام ونقل الأحداث الميدانية في مقتل تحت مزاعم أن صور الضحايا والمصابين الفلسطينيين من النساء والأطفال تدعو إلى العنف، وكأن الجنود الإسرائيليين الذي يطلقون الرصاص على الأطفال والنساء، هي "مشاهد في غاية الرقة والوداعة والإنسانية، وتدعو إلى السلام والمحبة والإيخاء"!