افراسيانت - د. عادل محمد عايش الأسطل - منذ ثلاثة عقودٍ تقريباً، كانت جملة النبوءات المُبشّرة، التي أباح بها برج العقرب باتجاه منظمة التحرير الفلسطينية، كونها واقعة في مجاله، بمثابة حافزاً مهمّاً في جنوحها نحو ترك السلاح ضد إسرائيل، واستبداله بالعمل السياسي، رجاءً منها في استخراج حل مناسبٍ للنزاع، وشجّعها في هذا الاتجاه، الإدارة الأمريكيّة تحديداً، باعتبارها هي من قامت بوضع تلك النبوءات، تماشياً مع مصلحتها، وحرصاً على حياة ومستقبل إسرائيل، كحليفة وحيدة ومضمونة في منطقة الشرق الأوسط.
تحت عنوان زمن الحظوظ الوافرة، أنبأ البرج بما يلي: يتوجب على مواليد العقرب، البحث عن السلام مع الأعداء، لأنه ستنطوي عليه نتائج خياليّة، عليكم المطالبة بالحقوق وانتزاعها غير منقوصة، أمامكم فرصة شاهقة لتحقيق كل طموحاتكم التي حلمتم بها، سيُضمن مستقبلكم، لأنكم على الحق.. رقم الحظ : صفر، يوم السعد: غداً.
ما سبق كانت تنبّؤات جيّدة وجميلة، وأملاً وبُشرةً للفلسطينيين ككل في نفس الوقت، وبرغم ما حذّر به البعض، بأن الإيمان بها كفر وفسوق وعصيان، إلاّ أنه تم المضي قدماً، كونها تُعطي الأمل والضمان في ذات الوقت، لكن ما جعلها سيئةً للغاية وبلا تردد، هو أن إسرائيل واقعة في نفس البرج إلى جانب المنظمة، ربما كان ذلك مُصادفةً أو بسبب أنهما أبناء عمومة.
وإن كان هذا يُلقي لدينا بعض العجب، فإن تعقيدات القضايا التي ثارت بينهما لاحقاً، كانت الأكثر عجباً، فعلاوة إلى حيازتهما لنفس النص وفهمهما له بحذافيره باعتباره يصبّ في صالحها وحدها، فإن القضيّة الواحدة، خلّفت آلافاً بحيث لا تُحصى، وإن كان لها ميزة خلق المزيد من الشُعب واللجان والتخصّصات.
الآن، وبعد انقضاء أزمنةً طويلة وأوقاتاً إضافيّة وطارئة أيضاً، وكأنّه ثبُت لدى الجانبين بأن اللجوء إلى تلك النبوءات هو محض كذب وحسب، فكما أن الجانب الإسرائيلي الذي تبيّن أخيراً، بحسب رغباته الخبيثة، بأنه لا حقيقة لوجود شريك فلسطيني للسلام، بسبب مكوثه على أقواله، ومشاهدته لتصعيداته المتتالية، باتجاه اتخاذه خطوات انفرادية تسيئ إلى مفردات السلام، والذي في إطارها أوصى بالتشديد نحو اتخاذ خطوات مُقابلة، تكون أكثر حرصاً وصرامة عن ذي قبل، فإن الجانب الفلسطيني، هو أيضاً اكتشف بأن تلك النبوءات كانت مجرّد خدعة، ومن ثمّ وجبت عليه التوبة والصحو من جديد.
خلال المدّة القريبة الفائتة، قامت الحكومة الإسرائيلية، وترتيباً على تقديراتها المتراجعة بشأن عملية السلام، ببثّ كومة من الدعوات باتجاه الفلسطينيين، لدفع المفاوضات المتوقفة منذ أكثر من عام وتحديداً منذ أواخر أبريل/نيسان 2014، وحتى في ظل مطالبة رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" لهم بالعودة إلى الطاولة، وقد أخذ موثقاً على نفسه وحكومته، بأنّ لا نوايا لدى إسرائيل، بشأن إرسال أي اشتراطات مسبّقة (جديدة) والاكتفاء باشتراطاتها السابقة فقط.
وهي التي لا تتضمن سوى رفضها العودة إلى خطوط الرابع من يونيو/حزيران 1967، وإسقاط قضية القدس وحق العودة الفلسطيني، والإصرار على بقاء سيطرتها على منطقتي الضفّة الغربية وغور الأردن، وبضمنها الحدود والأجواء والمياه، إضافة إلى ضرورة - فيما إذا أراد الفلسطينيون إقامة دولة- أن تكون منزوعة السيادة والسلاح، إلى جانب المطالبة بترك السلطة لخطواتها الانفرادية، باتجاه نوال عضويّة الهيئات والمؤسّسات الدوليّة، وإبطال إجراءاتها الداعية إلى مقاطعة الدولة، وسواء كانت تحمل طوابع سياسيّة أو اقتصاديّة أو علميّة.
الرئيس الفلسطيني "أبومازن" عبّر عن أسفه عن ضياع الوقت، وعن خيبة أمله باتجاه الشريك الإسرائيلي، إلى درجة اضطراره إلى الإعلان، عن ضرورة اتخاذ إجراءات جديدة، في مقابل السلوكيّات الإسرائيليّة القاسية، باعتبار أن إسرائيل تهتمّ بركل السلام بقدميها، وكان أنبأ صراحةً، بأن السلطة الفلسطينية مُطالبة بمراجعة كل الاتفاقيات الموقعّة معها، السياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة أيضاً.
كانت السلطة منذ أوقاتٍ سابقة، قد قامت بالتهديد بوقف الاتفاقيات مع إسرائيل وبخاصّة التنسيق الأمني، كما وعدت بأن العلاقات باتجاهها، لن تعود كما كانت عليه في السابق، وفي خطوة متقدّمة، وصلت بالتهديد إلى حلّ نفسها، إذا لم يكن اتفاق، تكون نتيجته دولتين لشعبين بحلول نهاية العام الحالي 2015، وقامت بالتحذير، بأن على إسرائيل أن تختار بين السلام والإحباط، بعد قيامها بتحديد مهلة إضافية أمامها كفرصة أخيرة.
ربما يكون للسلطة الحق في نشر تهديداتها، وحتى في ضوء عدم سماعها أو الحفل بها من قِبل الإسرائيليين، أو باعتبارها غير قابلة للتحقيق، كواقعٍ يخدم المصلحة الفلسطينية، بسبب أنها واقعة بين مرارتين شديدتين، مرارة أنها عاجزة عن المخاطرة بالعودة إلى المفاوضات، لعدم أملها عن انتزاع أي حلول سياسية مُرضية، ومرارة أنها لا تستطيع الرجوع إلى المقاومة - انتفاضة ثالثة على الأقل-، الأمر الذي يضطرّها إلى الاكتفاء حتى هذه الأثناء، بإنجازات تدويل الصراع، وبرفع العلم الفلسطيني في أماكن متفرّقة من العالم.
خانيونس/فلسطين