افراسيانت - بقلم: أسامة عبد الحليم أبو حجّاج - لقد انتظر شعبنا طيلة سنوات الانقسام العِجاف ميلاد حكومة الوفاق الوطني، والتي عُرفت باتفاق الشاطئ، وتفاءل شعبنا بها ورسم أحلامه على جدران بيوته المدمرة اثر الحرب الأخيرة، والآن تدخل الحكومة عامها الثاني دون تحقيق أدنى واجباتها، ولم يتحقق أي انجاز يُذكر لهذه الحكومة التي تولى رئاستها الدكتور رامي الحمدلله، سوى القبلات الحميمة والشعارات الرنانة والوعودات الكاذبة، فما زالت الملفات عالقة على حاجز المصالحة بانتظار تأشيرة دخول ذات رؤية وطنية غير حزبية، لكن للأسف الكل يدير ظهره لهذا الشعب الصابر الصامد المُحتسب.
في الحقيقة أنا لا ألوم رئيس الحكومة "رامي الحمدلله" بقدر ما ألوم الاحزاب الفلسطينية المتنازعة والتي وقعت على اتفاق المصالحة، فلقد تعلمنا بأن "الفشل في التخطيط سيؤدي حتماً إلى التخطيط للفشل"، وهذا ما حدث مع الحكومة فهي جاءت بناء على اتفاقيات مُبرمة ما بين الطرفين "حماس وفتح"، ومُهمة الحكومة هو تنفيذ هذه الاتفاقيات وما خُطط له، ولكن للأسف لم يُحسنوا التخطيط وبدلاً من ان تكون هذه الاحزاب وغيرها بمثابة مُساند لعمل الحكومة لتنفيذ بنود الاتفاق، بدأت بزرع الاشواك في طريقها لتعيق عملها وتعمّق الأزمة، هذا كله يشير وبكل تأكيد بأن هناك مُنتفعين كثر من بقاء الانقسام الفلسطيني، إذ لا أحد ينظر الى مصالح شعبه الذي يعيش حالة من الضبابية في الموقف، فيوم يتبادل قادة الانقسام القبلات وتوزيع الابتسامات، ويوم يتراشقون بالشتائم ويتبادلون الاتهامات!!.
الواقع أليم والكل ينتظر بشغف ماذا وكيف ستكون النهاية؟! فغزة على حافة الهاوية، هكذا جاء في تقرير للبنك الدولي، فمعدل البطالة في ازدياد، فهو الأعلى منذ تأسيس السلطة الوطنية فقد وصل إلى 43%، و 68% بين الشباب، والدخل الحقيقي للفرد أقل من 35% بالمقارنة مع عام 1994، وصادرات غزة شبه منعدمة، والقطاع الصناعي انكمش بنسبة 60%، وهناك تراجع في الناتج المحلي الإجمالي في ظل ارتفاع عدد السكان وارتفاع للأسعار بشكل غير مشهود، والاقتصاد يقف عاجزاً للنمو أمام الحصار والاغلاق المستمر والتدمير للمنشئات الصناعية والتنموية، ناهيكم عن أزمة موظفي القطاع العام، مروراً بأزمة انقطاع الكهرباء، وتلوث الماء والهواء، كلها مؤشرات قاسية على الواقع الفلسطيني، وقد تؤدي وفق التحليلات الاقتصادية إلى انكماش في الاقتصاد الغزّي وتكون غزة في طريقها إلى الهاوية، إن لم تكن قد وقعت فعلاً في قاع الهاوية لا سمح الله، فالقطاع بحاجة إلى الأيدي الوطنية الشريفة لانتشاله وإنقاذه.
ومن هذا المنطلق فإنه لا محال أمام الفصائل المتنازعة على قطعة تراب صغيرة من فلسطين التاريخية إلا الجلوس فوراً والتفكير بشكل واقعي بحلول جوهرية تنهي كل الأزمات سالفة الذكر، فالوطن أغلى من الحزب وأغلى من العائلة والأصدقاء، فلا بدّ أولاً من توفير بيئة مناسبة وأرضية خصبة لتنفيذ اتفاقيات المصالحة والتي تتضمن الإرادة والنوايا الصادقة والعمل بروح الانتماء للوطن ولقضيته العادلة، ومن ثم اتخاذ إجراءات تنفيذية.
ومن أهمها: تفعيل الإطار القيادي لمنظمة التحرير بعضوية كل من حركتي حماس والجهاد الإسلامي لمشاركة ومساندة الفصائل الوطنية الأخرى، تمهيداً لتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية كمظلة لجميع الفصائل الفلسطينية وليست مظلة لحزب بعينه يتفرد بالقرار، وكذلك تفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة على أرضية احترام الرأي والرأي الآخر هذا الشعار الذي يردده البعض بدون الالتزام بحيثياته، ومن ثم إعداد خطة استراتيجية وطنية لحل جميع الملفات والمشاكل العالقة "السياسية والاقتصادية والاجتماعية" وذلك بمشاركة خبراء يحرصون على قضيتهم، وهذه الخطة يجب ان تكون بمثابة دستور مُلزم للجميع بدون استثناء.
فشعبنا ملّ الشعارات وبحاجة إلى نتائج ملموسة تنهي معاناته، فلا داعي للثرثرة والفضائح المستمرة على التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي والردح العلني باسم الوطنيّة، فبدلا من أن يكون العضو الحزبي مذياع لتثقيف الجماهير بالانتماء للوطن أصبح مذياعاً لبث سموم الانقسام البغيض وتكريسه، ليحرف البوصلة تجاه أهداف حزبية ضيقة لا تسمن ولا تغني من جوع، فمتى يرتفع قومي عن الصغائر؟
ومتى ندرك – جميعنا – أننا مستهدفون ....؟ فقد حان الوقت ومنذ زمن بعيد أن نفيق لننهض من كبوتنا، وتتحد الإرادة بالعمل الوطني المُنتمي لصالح الشعب والقضية، لترميم البيت الفلسطيني المتهالك.