أوباما هنأ نتنياهو والأخير فاز بالانتخابات بعد أنْ جاهر بكرهه للعرب ومعارضته لدولةٍ فلسطينيّة والآن يتجّه نحو حكومة صقور يمينيّة متطرّفة أكثر من سابقتها
افراسيانت - الناصرة - “رأي اليوم” - من زهير أندراوس - يُمكن القول والفصل أيضًا إنّ مَنْ يُعوّل على خلافات بين الولايات المتحدّة وإسرائيل، لا يُعوّل عليه. فالتحالف بينهما أقوى من الخلافات الشخصية بين رئيس الوزراء الإسرائيليّ، بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكيّ، باراك أوباما، ولكي نؤكّد المؤكّد، لا غضاضة في هذا السياق بالتذكير، والذكرى يجب أنْ تنفع هنا، بقصة حقيقيّة وقعت: في الثالث من شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) من العام 2001، عندما كان المُجرم أرئيل شارون، رئيسًا للوزراء في إسرائيل، عقد المجلس الوزاريّ-الأمنيّ المُصغّر (الكابينيت) اجتماعًا لتدارس الدعوة الأمريكيّة لإسرائيل بوقف إطلاق النار في الضفّة الغربيّة المُحتلّة.
شيمعون بيريس، الذي كان آنذاك وزيرًا، حذّر في الجلسة عينها من أنّ عدم موافقة إسرائيل على الطلب من شأنه أنْ يعود سلبًا على العلاقات الأمريكيّة-الإسرائيليّة. شارون، بحسب التقارير الإعلاميّة الإسرائيليّة، والتي لم ينفها آنذاك رئيس الوزراء، ردّ على مطلب بيريس بالقول: لا تقلق بشأن الضغط الأمريكيّ، نحن الشعب اليهوديّ نُسيطر على أمريكا، والأمريكيون يعرفون ذلك.
وتابع شارون قائلاً لبيريس في الجلسة عينها: أنا أُدرك جيّدًا كيف أنّه من المستحيل تقريبًا تنفيذ السياسة الخارجيّة الأمريكيّة في منطقة الشرق الأوسط، إذا لم تتّم الموافقة عليها من قبل اليهود الأمريكيين.
ولفت شارون أيضًا في معرض حديثه إلى أنّ اليهود بأمريكا يتحكّمون بشكلٍ رائعٍ بوسائل الإعلام الأمريكيّة، وحتى أنّهم يتحكّمون بأعضاء الكونغرس، إذْ أنّهم لا يسمحون للكونغرس باتخاذ أيّ قرار ضدّ إسرائيل. النفوذ اليهوديّ، زاد شارون، يُهيمن تمامًا على الساحة الأمريكيّة، على حدّ تعبير شارون، الذي أضاف: السفارة الإسرائيليّة في الولايات المُتحدّة الأمريكيّة هي التي تُملي عمليًا أجندتها على الكونغرس، من خلال اليهود المؤثّرين جدًا في أمريكا، قال شارون لبيريس. على هذه الخلفية يُمكن قراءة تهنئة أوباما لنتنياهو بالفوز في الانتخابات، فالرئيس الأمريكيّ لم يتأخر واتصلّ بنتنياهو مهنّئاً، ومؤكّداً قوة الشراكة بين الولايات المتحدة وإسرائيل.
وقال البيت الابيض، مساء أمس، إنّ أوباما اتصلّ هاتفيًا بنتنياهو، وأنّهما اتفقا على مواصلة مناقشة ما أسماه بالمسار الصعب للأمام، فيما يتعلّق بالصراع الإسرائيلي الفلسطينيّ. وأضاف، في بيان: أكّد الرئيس أوباما التزام الولايات المتحدة القديم بحل الدولتين الذي يؤدي إلى إسرائيل آمنة إلى جانب فلسطين ذات سيادة وقابلة للاستمرار، على حدّ تعبير البيان.
اتصال الأمر الواقع لواشنطن، ربما، والذي قد لا يخفي سلسلة من المشاحنات، جاء في وقت استبق فيه نتنياهو تسميته رئيسًا مكلفًا بتشكيل الحكومة المقبلة، رسميًا، ليبدأ العمل على خطين: الأول على المسار الأمريكيّ، بهدف تخفيف حدّة التوتر مع البيت الأبيض، والثاني على المسار الحكومي، عبر اتصالات مع رؤساء الكتل التي يفترض أنْ تشارك معه في الحكومة، بهدف المواءمة بين مطالبهم ومطالب حزبه، وبحسب التقارير الإسرائيليّة، فإنّ نتنياهو يتجّه نحو تشكيل حكومة صقور يمينيّة متطرفة جدًا: الفاشي أفيغدور ليبرمان، رئيس حزب (يسرائيل بيتينو)، ستة مقاعد، يُصّر على تسلّم حقيبة الأمن، ويُطالب بسنّ قانون بموجبه تُنفذ حكومة الإعدام بالفدائيين الفلسطينيين، لكن العقبة أنّ نتنياهو يعتزم إعطاء حقيبة وزارة الأمن إلى موشيه يعلون. نفتالي بينيت، زعيم حزب (البيت اليهوديّ)، 8 مقاعد، الذي يُعارض وبشدةٍ إقامة دولة فلسطينيّة، يُطالب بحقيبة الخارجيّة، فيما سيحصل موشيه كحلون، زعيم حزب (كولانو)، وهو الذي انسحب من حزب (ليكود)، على حقيبة المالية. أما بخصوص الأحزاب الحريدية، فيُطالب حزب (شاس)، سبعة مقاعد، بحقيبة وزارة الداخلية، لرئيسه أرييه درعي، بينما يُطالب حزب (يهدوت هتوراة) بوزارة الصحة، ورئاسة لجنة المالية في الكنيست. من جهته، حسم رئيس “المعسكر الصهيوني” يتسحاق هرتسوغ، 24 مقعدًا، موقفه ووضع حدًّا للتقديرات في أنّه قد يشارك في حكومة نتنياهو. وأوضح هرتسوغ أنّ التوجه إلى المعارضة هو الخيار الواقعي الوحيد الذي أمامنا.
نحن سنكون بديلاً مناسبًا، حقيقيًا، في كل المجالات وفي كل المواضيع لحكومة اليمين المتطرف التي زمنها محدود، وعلى الرغم من أنّه لم ترد على لسان مسؤولي حزب (يوجد مستقبل)، 12 مقعدًا، وزير المالية السابق يائير لابيد، مواقف صريحة ونهائية بشأن موقفهم من المشاركة في الحكومة، لكن قد يكون هناك العديد من العقبات الجدية التي تحول دون سيناريو مشاركتهم، خاصة في ظلّ حالة العداء المُستشرية مع الأحزاب الدينيّة المتزمتّة.
وعلى صلةٍ بما سلف، وفي ظلّ تقارير إعلامية أمريكيّة عن إمكانية أنْ تكون إحدى طرق عمل إدارة الرئيس باراك أوباما الاستعداد لدعم قرار في مجلس الأمن يعترف بمبادئ حل الدولتين على أساس حدود عام 67 مع تبادل الأراضي كأساس لأي ترتيب إقليمي، بادر نتنياهو إلى إجراء مقابلة مع شبكة (NBC) أكّد فيها أن الولايات المتحدة هي أكبر حليف لدولة إسرائيل، وأنّ الأخيرة هي أكبر وأفضل حليف للولايات المتحدة، وأن لا خيار لدى الطرفين إلا التعاون بينهما.
وأضاف نتنياهو أنّه قد تكون هناك خلافات في الرأي بين واشنطن وتل أبيب، لكنّ هناك أموراً عديدة تربط بينهما، وخاصة الوضع الخطير في الشرق الأوسط الذي يشكل تحديًا مشتركًا للدولتين. كما أعرب نتنياهو في حديثه إلى (NBC) عن ثقته بأنّ أوباما سيتصل في وقت قريب، موضحًا أنّ العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل غير قابلة للكسر.
من جهة أخرى، رأى ألوف بن، رئيس تحرير (هآرتس) أنّ نتنياهو استطاع تحقيق الفوز عندما توقفّ عن التنكر، وعرض على ناخبيه رسالة واضحة وحادة مفادها أنا اليمين الحقيقيّ، وأنّه ملتزم بقيم المعسكر القومي وعلى رأسها كراهية العرب ومعارضة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 67، وهو ما رغب ناخبوه في سماعه وردّوا عليه بسخاء في الصناديق.
وأضاف بن أن نتنياهو أقنع الناخبين بأنّه قوميّ متطرف لا يقل عن نفتالي بينيت وعنصريّ بما لا يقل عن ليبرمان، فصدّقوه وتخلوا عن الأحزاب التي تدور في فلكه وتوجهوا إلى (الليكود) مباشرة.