خمسة مشاهد صهيونية اجرامية فلسطين...؟!

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 


عندما يتأقلم بعض العرب مع جرائم الحرب الصهيونية...!
*نواف الزرو

ـ المشهد الأول ـ
افراسيانت - منذ منح ذلك الوعد البلفوري المشؤوم للحركة الصهيونية دون حقٍ وطناً ودولة ومستقبلاً، دشن في فلسطين العربية والمنطقة برمتها عصر جديد من الحروب والاعتداءات والانتهاكات وجرائم الحرب المروعة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، إلا ربما في حالات التتار والمغول، إذ حتى النازية الهتلرية لم تتوغل في اقترا فاتها الجرائمية العنصرية البشعة ضد شعب كامل، إلى ما ذهبت إليه الحركة والتنظيمات الإرهابية الصهيونية في فلسطين من أعمال حرب وقمع وتنكيل وتطهير جماعي ضد أبناء الشعب الفلسطيني.


فكان ذلك الوعد الباطل فاتحة مسلسل الجرائم المتصلة في فلسطين، لتعقبه بالتتابع المخطط والمبيت جملة أخرى من الجرائم الشاملة التي لم تبلغ نهايتها حتى يومنا هذا ونحن في الألفية الثالثة من الزمن.


 فجاءت موجات الهجرة والتهجير والغزو البشري اليهودي لفلسطين تحت مظلة ودعم وحماية الاستعمار البريطاني أساساً لتشكيل الجريمة الكبرى الثانية بعد الوعد التآمري ضد أهل فلسطين، لتبدأ مرحلة تطبيق المشروع الصهيوني على الأرض الفلسطينية: الاستيلاء على أكبر مساحات ممكنة من الأراضي العربية وبناء أكبر عدد ممكن من المستعمرات الاستيطانية فيها، وإلى جانب ذلك؛ وقبل وبالتزامن مع ذلك بناء جيش حربي صهيوني محترف مدجج بأفتك الأسلحة في ذلك الوقت، فكانت هذه الجريمة الكبرى الثالثة في فلسطين العربية.


لتبلغ المؤامرة البريطانية ـ الصهيونية ـ الدولية ذروتها عشية الإعلان عن انتهاء فترة الانتداب البريطاني، واندلاع الحرب العربية ـ الصهيونية غير المتكافئة على الإطلاق، بل والتي كانت مبيتة مطبوخة محسومة لصالح لصهاينة وبتواطؤ عربي مخجل مفجع وصل في ذلك الوقت إلى حد التفريط والخيانة.


فدارت وحي الحرب المزعومة بين جيش صهيوني مدجج بالأسلحة الخفيفة والثقيلة والطائرات، بلغ عدد أفراده قرابة نصف مليون جندي محترف، وبين الجماعات المسلحة الفلسطينية المتفرقة التي لم تكن تملك سوى البنادق الخفيفة، وسبعة جيوش عربية زُعِم أنها "جيوش غزت فلسطين للقضاء على الدولة الصهيونية"، بينما لم يتجاوز عدد أفرادها الخمسة عشر ألف جندي، ولم تتعد أسلحتها وذخيرتها أسوأ وأردأ الأسلحة والذخائر؟! فكانت هذه الجريمة الرابعة في فلسطين.


لتأتي بعد ذلك كله أقذر وأبشع الجرائم الصهيونية عبر التاريخ: حرق شامل للأخضر واليابس في فلسطين، وتدمير شامل للمدن والقرى الفلسطينية (نحو 500 قرية وبلدة ومدينة)، ومجازر جماعية دموية بشعة مروعة لم ينج منها حتى الطفل الفلسطيني الرضيع، ثم ترحيل وتشريد وتلجيء جماعي للشعب الفلسطيني (نحو 800 ألف فلسطيني، ليبقى في فلسطين 48 ما عدده 156 ألف فلسطيني فقط).


لتتحول فلسطين العربية إلى كيان صهيوني، وليتحول شعب فلسطين إلى لاجئين في أصقاع العرب والعالم، بلا وطن وبلا هوية وبلا حقوق وبلا مستقبل، ولتتحول الحركة والعصابات الصهيونية إلى نظام وكيان ودولة معترف بها لها وطن وهوية وحق في الوجود والمستقبل. فيا للعجب العجاب ويا للمعادلة المقلوبة الظالمة. ليشكل هذا الفصل (المليء بالجرائم الصغيرة والكبيرة) الجريمة الكبرى الخامسة في المشهد.


لتتواصل الجرائم الصهيونية بأشكالها المختلفة الدموية والاستيلائية الاستيطانية الاحتلالية، والانتهاكية السافرة لحقوق الفلسطينيين هناك في فلسطين 1948، على امتداد المرحلة الزمنية الأولى للمشهد الأول الممتد من تاريخ الوعد البلفوري الكارثي وحتى حرب/ عدوان حزيران 1967.
غير أن الجريمة الأكبر والأشد قهراً ومرارة تمثلت في حالة العجز والاستخذاء والتأقلم العربي مع مشهد الجرائم المستمرة في فلسطين. وتمثلت أيضاً في التواطؤ الأمريكي ـ العربي مع الدولة الصهيونية، وفي فرجة أو حياد المجتمع الدولي.
 
ـ المشهد الثاني ـ
لا يختلف المشهد الثاني من حيث الإستراتيجية والجوهر والمفارقات الجرائمية الصهيونية عن المشهد الأول، فهو استمرار له قلباً وقالباً ولكن على نحو أعمق وأشمل وأشرس، فإذا كان المشهد الأول يقتصر على مساحة فلسطين 1948، فإن المشهد الثاني الذي يبدأ فصله الأول بالعدوان الإسرائيلي على العرب في حزيران 1967، والذي أسفر عن هزيمة عربية أخرى قاسية أصبح يشمل إضافة فلسطين 48، على الأراضي الفلسطينية المتبقية في الضفة والقطاع إلى جانب الجولان وسيناء وجنوب لبنان.


وبالتالي إذا كان حجم المفارقات والممارسات والانتهاكات الإسرائيلية محصوراً قبل ذلك إلى حد كبير ضد فلسطينيي 1948، فقد اتسعت الدائرة بعد عدوان 1967، لتشمل فلسطين التاريخية كلها. ولتشمل أيضاً سوريا ولبنان ومصر، ولتتسارع وتيرة الانتهاكات والاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين والعرب، وليتسع نطاقها ومساحاتها وعناوينها، ولتتضاعف بالتالي نتائجها وليتعاظم حصادها ليشكل سجلاً ضخماً من جرائم الحرب الإسرائيلية المبيتة تماماً.


فكان العدوان الصهيوني على العرب عام 1967 الجريمة الكبرى الأولى في المشهد الثاني الممتدة مرحلته إلى عام الانتفاضة الفلسطينية الأولى 1987.


ففي فلسطين المحتلة تواصلت سياسات الاحتلال الحربية التنكيلية التطهيرية العنصرية لتشمل الأرض كلها والشعب كله.


ولتبدأ بسلب الأرض كلها واستيطانها وتهويدها، ولتستمر بمنهجية سياسة العقوبات الجماعية الشاملة من اعتقالات ومحاكمات وهدم وإغلاق بيوت وإجراءات خنق اقتصادية، وإجراءات تهويد ثقافية وتعليمية وغير ذلك، ولتصل إلى اقتراف المجازر الدموية الجماعية والفردية.


وينسحب المشهد كله بتفاصيله الجرائمية أيضاً على مصر وسوريا ولبنان، ليشكل بالتالي الجريمة الكبرى الثانية في المشهد الثاني.
ولكن تبقى الجريمة الأكبر والأقسى والأشد قهراً ومرارة، تلك المتمثلة أيضاً في حالة العجز والاستخذاء والتأقلم العربي مع مشهد الجرائم الصهيونية المسمرة، والمتمثلة أيضاً بحالة التواطؤ الأمريكي ـ الغربي مع دولة الاحتلال الصهيوني، بفرجة أو حيادية المجتمع الدولي.
 
 
ـ المشهد الثالث ـ
في ضوء المشهدين السابقين "الطافحين" بلا حصر بجرائم الحرب الصهيونية ـ الإسرائيلية، كان لابد من أن يأتي الانفجار الشعبي الفلسطيني البركاني الجارف في الوطن المحتل، فجاءت الانتفاضة الأولى في التاسع من كانون أول 1987 لتعلن رسالتها ببالغ الوضوح: انتفاضة غضب شعبي فلسطيني عارم على كل الأوضاع العربية والدولية التي "تروتنت" إلى حد كبير مع دولة الاحتلال واعتداءاتها وانتهاكاتها الجرائمية المستمرة، وانتفاضة غضب شعبي فلسطيني جارف في مواجهة جيش ومستوطني الاحتلال، وحرب التهويد والقمع والتنكيل والهيمنة التي لم تتوقف يوماً أبداً.


فضلاً عن أنها ـ أي الانتفاضة ـ حملت معها برنامجاً سياسياً يدعو إلى رحيل الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة في الضفة والقطاع، ورغم أن رسالة الانتفاضة الأولى 87 ـ 1993 فهمت على أنها رسالة سلام. ورغم أن أداتها كانت الجماهير الفلسطينية كلها من شيوخ ونساء وأطفال. ورغم أن أسلحتها اقتصرت في الغالب على الحجر الفلسطيني، فكانت انتفاضة الحجر في مواجهة جيش وآلة الحرب الإسرائيلية، إلا أن حكومة دولة الاحتلال آنذاك بقيادة الثنائي شامير ورابين أعلنت الحرب الشاملة على الانتفاضة. على الشيوخ والنساء والأطفال الفلسطينيين، فاستخدمت سياسات القبضة القوية الحديدية، وتحطيم عظام الفلسطينيين، والعقوبات إجماعية القمعية التركيعية، علاوة على المجازر الدموية الجماعية والفردية، فسقط عشرات الآلاف من الفلسطينيين ما بين شهيد وجريح. فكان الفصل الأساسي في هذا المشهد الثالث هو ذلك المتمثل بتلك السياسات الاحتلالية بكل ما ترتب عليها من كم لا حصر له من أبشع جرائم الحرب. ولا نغفل هنا في هذا السياق الإشارة إلى جرائم الحرب الأمريكية ـ البريطانية ضد العراق العربي.


غير أن الجريمة الأكبر والأٌقسى والأشد وطأة معنوية وأخلاقية كانت تلك المتمثلة بـ "الجرائم الصهيونية والتأقلم معها تماماً بوصفها خبراً يومياً عادياً لم يعد يحرك لا العرب ولا المجتمع الدولي، رغم أن الانتفاضة لعبت دوراً مركزياً في الاعتراف الإسرائيلي والدولي "بحق الفلسطينيين في تقرير المصير".
 
 ـ المشهد الرابع ـ
حسبما ضخته وسائل إعلام الأطراف المعنية بعملية "السلام" التي دشنت في مدريد وتواصلت فلسطينياً عبر قناة "أوسلو" من مادة تبشر بخيار وعهد واستحقاقات ومردود "السلام"، خيل للفلسطينيين والعرب أن الأراضي المحتلة والحقوق المغتصبة ستعود، وأن دولة الاحتلال الإسرائيلي ستصبح "إسرائيل" طبيعية في المنطقة، وأن "المصالحة التاريخية" و"إنهاء نزاع القرن" على الطريق، وأن الازدهار والخير الاقتصادي سيعم على الشعوب وغير ذلك.


غير أن خيبات الأمل من العملية كلها تلاحقت وتعاظمت، ومشاعر الإحباط واليأس والخذلان تراكمت: فدولة الاحتلال بقيت كما هي، والعقلية الاحتلالية العنصرية العسكرية الحربية العدوانية لم تتغير. وسياسات المصادرات والاستيطان والتهويد والعقوبات الجماعية تواصلت بصورة مسعورة أكثر من السابق، بينما اقترفت "حكومات السلام" الإسرائيلية سلسلة طويلة من الانتهاكات المستمرة للاتفاقيات المبرمة، وناهيك عن أعمال القتل والفتك والهدم والتدمير والتنكيل التي استمرت بصورة محمومة. فكانت أسس ومرجعية عملية مدريد الجريمة الكبرى الأولى بحق فلسطين والأمة العربية. وجاء اتفاق "أوسلو" بعيوبه وثغراته الكثيرة ليشكل الجريمة ـ الخطيئة ـ الكبرى الثانية في المشهد الرابع  الممتد من مدريد إلى انتفاضة الأقصى.


ولكن تواصل ذات السياسات الإسرائيلية الاحتلالية حتى تحت مظلة "عملية السلام" والمصالحة التاريخية، شكل ضربة مميتة للخيار كله، وتكرست الجريمة الكبرى الثالثة في المشهد، وإن كانت تتكون من سلسلة طويلة من الجرائم الأخرى التي تشكل كل منها جريمة كبرى مستقلة.
وكما على امتداد المراحل الزمنية السابقة والمشاهد المشار إليها، فإن الجريمة الأكبر والأقسى والأشد مرارة تمثلت أيضاً بـ "رَوْتَنَة" جرائم الاحتلال وتأقلم العرب والعالم معها، بينما كانت "عملية السلام" تستدعي مفاهيم وسياسات واستحقاقات أخرى من جانب دولة الاحتلال الإسرائيلي.
 
ـ المشهد الخامس ـ
وصولاً إلى المشهد الخامس في فلسطين، الذي بدأت فصوله بتلك الجولة الاستعراضية الاستفزازية التدنيسية التي قام بها بلدوزر الإرهاب الصهيوني شارون للحرم القدسي الشريف، والتي أعقبها كما هو معروف الانفجار الانتفاضي الفلسطيني المتواصل حتى كتابة هذه السطور مرورا بالحروب العدوانية الاجرامية على غزة، ومرورا كذلك بانتفاضة السكاكين عام 2015-2016 وباتفاضة البوابات الالكترونية 2017، ومرورا كذلك بهبة الفدس والاقصى وفلسطين كلها في نيسان-ايار/2021 وصولا الى ايار/2022..


فبدأ مسلسل الجرائم الإسرائيلية بالتتابع بوتيرة مذهلة منذ تلك الجولة الشارونية. فأعلنت حكومة الجنرال باراك الحرب على الفلسطينيين، واتخذت القرارات الحربية والتدابير الميدانية، وزجت بجيشها النظامي والاحتياطي وآلتها الحربية الثقيلة ما بين مدفعية ودبابة وطائرة. واستخدمت كافة أنواع القذائف والذخائر التدميرية والمميتة وكل ذلك في مواجهة شعب أعزل تماماً من الأسلحة المتكافئة، علاوة على تفعيل دور عصابات المستوطنين اليهود، فكانت جولة شارون الاستفزازية الجريمة الكبرى الأولى في المشهد الخامس، لتتبعها في اليوم التالي مذبحة الأقصى المبارك لتقترف قوات الاحتلال الجريمة الكبرى الثانية في باحة الأقصى وساحات المدينة المقدسة.


لتتلاحق على مدى السنوات الماضية منذ ذلك التاريخ جرائم الحرب الاحتلالية بمختلف أشكالها المعهودة، ولكن على نحو أكثر شراسة وقذارة وإصراراً على قمع وتركيع الشعب الفلسطيني: فالمشهد الخامس برمته: دولة احتلال لا تفهم سوى منطق البطش والإرهاب وتعتبر نفسها فوق كافة القوانين الدولية. وجيش احتلال هو الأقوى في المنطقة (بمقاييس جيوش المنطقة) والأكثر تسلحاً حتى الأنياب النووية وقرارات وسياسات وتطبيقات حربية حقيقية على الأرض تهدف إلى النيل من معنويات وصمود وإباء وتمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه المشروعة في فلسطين: فنحن إذن أمام مشهد واضح: دولة احتلال إرهابية وجيش مدجج بكافة أسلحة القتل والتدمير ومقارفات وانتهاكات جرائمية دموية وقمعية وإرهابية مستمرة على مدار الساعة منذ الثامن والعشرين من أيلول 2000. وهناك على الجانب الثاني شعب فلسطيني أعزل من القوة والجيش والأسلحة المماثلة، ولا يملك عملياً سوى إرادته ومعنوياته وإصراره على حقوق المشروعة في فلسطين، إلى جانب الحجر وبعض الأسلحة الخفيفة. فهل هناك جرائم أبشع من هذه الجرائم؟!
 
ولكن… الجريمة الكبرى والأقسى والأشد وطأة على الجميع وفي المقدمة منهم الشعب الفلسطيني، تتمثل مرة أخرى بـ "رَوْتَنَة" جرائم الاحتلال والتأقلم معها واستقبالها كخبر يومي عادي سواء أكان ذلك على المستوى العربي، أو على مستوى المجتمع الدولي، رغم احترامنا وتقديرنا وإدراكنا لأهمية تحركات الشارع العربي في كافة العواصم العربية في الأيام الأولى لانتفاضة الأقصى وتضامن الشعوب العربية مع شعب فلسطين.


فجرائم الحرب الاحتلالية مستمرة متعاظمة متكرسة تقترف مع سبق النية المبيتة والتخطيط وببالغ الإعداد والتصميم والترصد وبأبشع  الأشكال والصور... فهل نرى يا ترى نهاية يا أمة العرب لمشهد "رَوْتَنَة" جرائم الاحتلال والتأقلم معها وكأنها لا تمس أي عضو في جسدنا...؟!

©2024 Afrasia Net - All Rights Reserved Developed by : SoftPages Technology