افراسيانت - لم يتوقع أكثر المتفائلين أن تُسلِّم رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة تيريزا ماي حقيبة الخارجية لبوريس جونسون، رئيس بلدية لندن السابق، والمدافع الأكبر عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
لقد فاجأ هذا الأمر خصوم جونسون في الوسط السياسي والدبلوماسي، الذين تصرفوا بمزيج من السخرية والاستخفاف، قائلين إن الرجل سيجلب الكثير من المشكلات إلى البلاد بسبب تصريحاته التي صُنفت في خانة "اللادبلوماسية" بحق عدد من زعماء العالم.
وسَأل النُقّاد: كيف يمكن لرجل أساء بتصريحاته إلى عدد من ساسة الدول أن يقود دبلوماسية المملكة المتحدة في المحافل الدولية؟
فعندما يتعلق الأمر بالتفاعل مع قادة البلدان الأخرى، وبما في ذلك الحلفاء، فإن أقل ما يمكن أن يقال عن جونسون إنه "غير دبلوماسي". ومن هنا، فإن كبار السياسيين قلقون، لا سيما داخل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشأن كيفية التعامل مع الرجل الذي كتب ذات مرة قصيدة عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يتحدث فيها عن ممارسة الزعيم التركي الجنس مع ماعز.
ومن سخرية القدر، أن جونسون تُوِّج بطلا لـ"مسابقة قصائد هجائية" بحق أردوغان نظمتها المجلة المحافظة «ذي سبيكتيتور» تضامناً مع الفكاهي الألماني يان بوميرمان الملاحق في لألمانيا بسبب قصيدة يسخر فيها من الزعيم التركي.
ولم يقتصر الأمر على أردوغان، بل تعداه إلى الرئيس باراك أوباما، الذي أراد بقاء المملكة المتحدة داخل الاتحاد، لأن له أصولا كينية، ويكن عداء موروثا للإمبراطورية البريطانية، بحسب تعبير جونسون.
ولم تسلم المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون من تصريحات جونسون المثيرة للجدل، إذ وصفها بالممرضة السادية التي تعمل في مصحة للأمراض العقلية.
ومع ذلك، حاول المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر أن يضبط ضحكته عند سماعه بتعيين جونسون، قبل أن يقول إن الولايات المتحدة تتطلع للعمل مع الوزير البريطاني الجديد مع ابتسامة عريضة.
غير أن نظراء جونسون في ألمانيا وفرنسا كانوا أكثر حدّة في تصريحاتهم، حيث وصفوا الرجل بـ"الكاذب" و"غير المسؤول".
إذ قال الوزير الفرنسي جان مارك إيرولت إن جونسون المؤيد للـBrexit "كذب كثيراً" على الشعب البريطاني خلال حملة الاستفتاء وكان "غير موثوق به". مضيفاً: "لست قلقا على الإطلاق بشأن بوريس جونسون، لكنه كذب كثيرا خلال الحملة على الشعب البريطاني، والآن هو الذي ظهره إلى الحائط"، مشيراً إلى أنه يحتاج إلى شريك يتفاوض معه يكون واضحاً وذا مصداقية ويعوَّل عليه.
أما وزير الخارجية الألماني فرانك-فالتر شتاينماير، فرأى أن تعيين جونسون وزيراً للخارجية يظهر مدى جدية الحكومة البريطانية الجديدة بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وحث تيريزا ماي على إنهاء الغموض وتقديم طلب رسمي وبسرعة بشأن نية لندن الانسحاب من الاتحاد.
من جهتها، رفضت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التعليق عندما سُئلت خلال زيارة إلى قيرغيزستان عن تعيين جونسون، لكن شتاينماير وصفه بشكل غير مباشر بأنه "غير مسؤول".
وكان الوزير الألماني قد قال قبل أيام من تعيين جونسون إنه "أمر مرير بالنسبة لبريطانيا. الناس هناك في حالة صدمة بعد أن أغوى سياسيون غير مسؤولين البلاد في البداية بالخروج، ثم بعد صدور القرار هربوا وبدلا من أن ينهضوا بمسؤولياتهم ذهبوا ليلعبوا الكريكت."
وأضاف: "أجد ذلك صادماً، لكنه ليس مريراً فقط لبريطانيا.. إنه مرير أيضاً للاتحاد الأوروبي."
وكل ما سبق من امتعاض ساسة الغرب من جونسون وتحفظهم عليه، ربما يكون سببه الجوهري هو دعوته إلى العقلانية بخصوص العلاقات الغربية مع موسكو ومكافحة الإرهاب في سوريا.
ففي حملته المدافعة عن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أكد جونسون في التاسع من مايو/أيار الماضي أن الاتحاد الأوروبي هو المسؤول عن اندلاع الأزمة الأوكرانية والتصعيد الذي تلا ذلك مع روسيا.
كذلك كتب جونسون مقالاً في صحيفة "التلغراف" في كانون الأول/ديسمبر 2015، يدعو فيه إلى وقف الحرب وإحلال السلام في سوريا، بعدما قُتل مئات الألوف فيها. فبحسب الوزير البريطاني، عشرات الألوف قتلوا لأنهم نساء أو معاقون أو مثليون أو لأنهم ينتمون إلى المذهب الخاطئ من الإسلام.
كما أكد جونسون أن القضاء على تنظيم "داعش" الإرهابي لا يمكن تحقيقه عبر القصف وحده، لذلك على الغرب التفكير في طرق خلاقة حول التحالف الذي يمكن بناؤه.
ومن هنا، يعتقد جونسون ألاَّ مانع لديه من التعامل مع روسيا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتحديد، فالأمر يتعلق بما يمكن تحقيقه من أهداف، وهنا يعني تدمير "داعش" في سوريا والعراق.
فجونسون، لا يثق في ما يسمى "الجيش الحر"، ويرى أن أعداده التقديرية مبالغ فيها، وأن الكثير من مقاتليه هم من الجهاديين الذين لا تختلف عقيدتهم كثيراً عن "داعش".
وبالتالي، لا يرى جونسون في الحرب السورية من خطر أكبر من تنظيم "داعش". لذلك، لم يخفِ زعيم الدبلوماسية البريطانية الجديد بهجته لاستعادة الجيش السوري مدينة تدمر الأثرية، مؤكداً أن الأمر هو انتصار لعلوم الآثار أو "الأركيولوجيا" أيضاً.
كيفورك ألماسيان – شتوتغارت