افراسيانت - صفوان أبو حلا - بدأت واشنطن وحلفاؤها في الناتو الاثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول مناورات بحرية واسعة النطاق تختبر خلالها عناصر درعها الصاروخية التي تثقل العلاقات مع موسكو منذ 2007.
الرئيس فلاديمير بوتين في اجتماع مع قادة في القوات الجوية صيف 2012 قال في تعليق على مساعي واشنطن نصب درعها الصاروخية في أوروبا إن " لدى روسيا جميع الإمكانيات اللازمة للرد المناسب على خطط الولايات المتحدة نشر عناصر الدفاع الصاروخي في أوروبا، ويتعين علينا في الموعد المحدد وبالجودة المطلوبة تنفيذ خطط الحجوزات الدفاعية وبكلفة مقبولة. وإذا ما استطعنا تحقيق ذلك، فإننا لن نواجه أي تهديد يذكر".
وزير الخارجية سيرغي لافروف بدوره، وتوكيدا لما أعلنه الرئيس بوتين، أعاد إلى أذهان الرئيس الأمريكي باراك أوباما في حديث لقناةNews Asia السنغافورية الصيف الماضي وعوده العلنية سنة 2009 بالتخلي عن خطط الدفاع الصاروخي في أوروبا في إطار التقارب مع روسيا، وإزالة التوتر في العالم، وأشار الى أن أوباما "لم يكن صادقا في تعهداته"، خاصة وأنه أكد على الدوام "أن الحاجة للدفاع الصاروخي في أوروبا ستزول مع حل مشكلة برنامج طهران النووي".
وعليه، فبالعودة الى جوانب الخلاف بين موسكو وواشنطن حول الدفاع الصاروخي في أوروبا، يتضح أن الأخيرة طالما حاولات إثبات "طابع درعها السلمي، غير المعادي لروسيا" وكانت تسوغ للأخيرة أن "درعنا الأوروبية مخصصة لصد الهجمات الصاروخية المحتملة من إيران أو كوريا الشمالية".
روسيا طبعا، لم تأخذ بالحجج الأمريكية الواهية هذه، وأكدت أنه منذ انسحاب الولايات المتحدة من طرف واحد سنة2001 من معاهدة الصواريخ المضادة للأهداف البالستية، سارت واشنطن على نمط ثابت من الانتشار على طول الحدود الروسية، عبر نصب الرادارات، القادرة على استشعار إطلاق الصواريخ واستهدافها.
وتؤكد موسكو حينما تفند مزاعم الولايات المتحدة "بسلمية درعها" أن الانتشار الصاروخي والراداري الأمريكي في أوروبا كان قد سبق إعلان جورج بوش الابن عن ظهور دول "محور الشر" والتهديدات المحتملة من "الدول المارقة"، لتكمن الخلاصة في أن هذه الدرع لا ترفع إلا في وجه روسيا دون سواها.
التوتر بين البلدين على خلفية مشكلة الدفاع الصاروخي رافقته تطورات جذرية في منطقة ما وراء القوقاز والطوق المحيط بروسيا حيث، أمعنت واشنطن في تطبيق خطط درعها بالتوازي مع محاولات تطويق روسيا من جهات البلطيق وجورجيا، وأوكرانيا، ناهيك عن مساعي التمدد في آسيا الوسطى عبر دعم نظام باقييف في قرغيزيا وقاعدة "مناس" الجوية الأمريكية هناك. لكن الرد الروسي على هذه "النشاطات" كان حاسما، ورتيبا وضرب خطط واشنطن في الصميم.
فالبلطيق أصبح بالتدريج في مرمى الصواريخ التكتيكية الروسية، وعرضة لضربات الغواصات النووية بحرا، حتى من القطب المتجمد الشمالي. وعلى المحور الجورجي، دحر الجيش الروسي قوات ساكاشفيلي وطردها من أراضي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وأعلنتهما موسكو دولتين مستقلتين تتمتعان بالسيادة ونشرت قواتها العسكرية فيهما لأمد غير محدود.
وفي قرغيزيا، أطاح الشعب بنظام باقييف ووصلت الى السلطة حكومة شرعية عبر انتخابات ديمقراطية شهد عليها العالم وقبل بنتائجها، وكان أول قراراتها إغلاق القاعدة الجوية الأمريكية في مطار ماناس الذي كانت تستخدمه قوات واشنطن والناتو عقدة شحن ومواصلات رئيسية لإمداد عملياتها العسكرية في أفغانستان، ورحلت واشنطن بقواتها عن قرغيزيا في يوليو/تموز 2014.
أما في أوكرانيا، فاضطرت موسكو للدفاع عن مصالحها في وجه واشنطن وحلفائها الغربيين، وأتاح الاستفتاء العام في القرم بإرسال قوات خاصة إلى هناك فرضت طوقا بحريا وجويا عليها حتى قال شعب القرم كلمته في استفتاء عام "نعم" للعودة إلى روسيا.
هذا في أوراسيا، أما في الشرق الأوسط، فالعالم شاهد على الضربات الجوية الروسية التي يتلقاها الإرهاب، وعلى مضي روسيا في الدفاع عن أمنها القومي ومصالحها، بينما عادت واشنطن إلى دفاترها العتيقة وأعلنت بالتعاون مع حلفائها في الناتو عن اختبار درعها الصاروخية، ولكن هذه المرة بحرا في مياه المتوسط ضمن مناورات بحرية واسعة النطاق.
السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان ومما تقدم، هل أن واشنطن ماضية في نشر عناصر درعها الصاروخية في أوروبا، ومن ثم في باقي أصقاع الدنيا لتطويق روسيا وتحجيمها كما يؤكد دعاة الحرب الغربيون، وما هي الدول التي ستقوى على استضافة عناصر هذه الدرع على أراضيها وتتحمل تبعات ذلك؟ الواقع حتى الآن، يحكي تراجع الولايات المتحدة أمام المد الروسي طيلة أكثر من عقد من الزمن، كما يجمع الخبراء العسكريون على انعدام الجدوى التقنية والفنية لمنظومة الدرع الصاروخية الأمريكية، ناهيك عما يتوفر لدى روسيا من الإمكانيات اللازمة للرد المناسب بالجودة المطلوبة وبكلفة مقبولة. لا جدوى، تقول موسكو، من محاولات "التطويق" هذه، بينما ينكسر الطوق كل مرة، وترسم روسيا بالفعل لا بالقول واقعا جديدا في أوراسيا والشرق الأوسط.