افراسيانت - حسين محمد - تشكل زيارة أردوغان إلى عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل، تطورا مهما على صعيد العلاقة بين الجانبين، بعدما تأجلت هذه الزيارة 4 سنوات لعدم التوصل إلى اتفاق حول انضمام تركيا إلى الاتحاد.
لكن الأزمة السورية بكل حمولاتها الثقيلة طغت على القمة التركيةـ الأوروبية ووضعت القضايا الثنائية في المرتبة الثانية من المناقشات، في ظل تباين حاد بين الطرفين حيال معالجة أزمة الهجرة إلى أوروبا.
يسعى الاتحاد الأوروبي إلى إقناع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالمعادلة الأوروبية: تقديم مساعدات مالية إلى تركيا، واعفاء مواطنيها المتوجهين إلى أوروبا من الحصول على تأشيرات، مشاركتها في دوريات مشتركة مع خفر السواحل اليونانيين في شرق بحر إيجة كجزء من العمل المنسق من قبل الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود، وإقامة "مواقع ساخنة" لتسجيل طالبي اللجوء على الأراضي التركية، وبناء ستة مراكز استقبال جديدة للاجئين على الأراضي التركية، تستوعب حوالي مليوني لاجئ.
ومع أن أردوغان قد وافق لأول مرة على مناقشة المسألة دون أن يعطي موقفا واضحا منها، فإن سخريته من القلق الأوروبي حيال تزايد اللاجئين مقارنة بأعداد اللاجئين السوريين في تركيا، توحي أن مباحثات الجانبين صعبة، وأن الأتراك لن يقدموا تنازلات إلا بقدر ما يحصلوا على تنازلات أوروبية مقابلة.
وترفض تركيا من حيث المبدأ الطلب الأوروبي بإقامة مخيمات للاجئين السوريين على أراضيها لأسباب تقول أنقرة أنها إنسانية، لكن حقيقة الموقف التركي له أبعاد سياسية، ذلك أن إقامة المخيمات تعني تضييق حركة اللاجئين داخل الجغرافيا التركية، وبالتالي سينعكس سلبا على معدلات الهجرة نحو أوروبا، وهو ما لا تريده أنقرة التي تستخدم هذه القضية للممارسة ضغوط على الاتحاد الأوروبي.
المنطقة الآمنة
مقابل المقاربة الأوروبية ذات الأبعاد الاقتصادية، تقوم المقاربة التركية على معالجة الأزمة من جذورها، بمعنى أن حل الأزمة السورية سياسيا أو عسكريا سيحل مسألة ارتفاع معدلات الهجرة إلى أوروبا.
وحدد أردوغان ثلاثة حلول لتحقيق هذا الغرض:
1. تدريب وتجهيز القوات المسلحة المعتدلة المعارضة "لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، وهو ما باشرت الولايات المتحدة القيام به".
2. إقامة منطقة آمنة لا بد من حمايتها من الإرهاب.
3. إقامة منطقة حظر جوي.
وكما فعل أردوغان حيال قبوله مناقشة المقاربة الأوروبية دون المصادقة عليها، أعلن رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك أن "الاتحاد الأوروبي مستعد لمناقشة كل الموضوعات مع تركيا، بما فيها إمكانية إقامة منطقة عازلة في سوريا"، دون أن يعني ذلك مصادقة الاتحاد الأوروبي عليها.
لكن الجواب الأوروبي الواضح على الطلب التركي إقامة المنطقة الآمنة جاء من رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز الذي أخبر أردوغان أن مثل هذه المنطقة تتطلب "قرارا من مجلس الأمن الدولي"، في رسالة سياسية مبطنة بأن مثل هذا القرار يتطلب موافقة الولايات المتحدة لا أوروبا، وبالتالي على الأتراك مناقشة هذه المسألة مع واشنطن.
ويرفض الأوروبيون فكرة المنطقة الآمنة لما تتطلبه من إمكانيات عسكرية سيكون للناتو دور رئيسي فيها، كما تخشى دول الاتحاد، لاسيما ألمانيا، أن تتحول هذه المنطقة إلى منصة لمهاجمة الأكراد حلفاء الأوروبيين، ويُعتقد على نطاق واسع أن تصريحات أردوغان الأخيرة وتصنيفه لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية كمنظمة إرهابية قد تعقد فرص إقامة منطقة آمنة في سوريا.
الحلول
أمام هذه المصاعب لا تبدو المباحثات التركية الأوروبية تسير نحو الانفراج، وقد بدا ذلك واضحا من تصريحات المسؤولين الأتراك والأوروبيين، دون أن يعني ذلك إغلاق باب الحوار نهائيا، حيث يحاول كل طرف جر الطرف الآخر نحو رؤيته وتضخيم المخاطر: تركيا تعلن اليوم أن بقاء الوضع السوري على ما هو عليه بعيد التدخل العسكري الروسي سيفاقم الهجرة، مرجحة أن يصل عدد اللاجئين إلى نحو ثلاثة ملايين لاجئ، والاتحاد الأوروبي يحذر تركيا بالمقابل من المضي قدما في مخططاتها حول إقامة منطقة آمنة، فمثل هذه المنطقة قد تشعل فتيل حرب تتجاوز الحدود السورية، وربما تكون أنقرة الخاسر الأكبر منها.
ومن المرجح أن يتم التوصل إلى حل وسط خلال زيارة وفد أوروبي إلى أنقرة في الأيام المقبلة، بحيث يتم تأجيل القضايا العالقة ذات الشأن السياسي، والاتفاق على الأمور الإجرائية (مراقبة مشتركة للحدود، دعم تركيا ماليا .. إلخ).